المقالات
الاستعداد للزواج بالنضج والثقافة الزوجية
Whatsapp
Facebook Share

الاستعداد للزواج بالنضج والثقافة الزوجية

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

طلاق الصغار الذين لم يمض على زواجهم إلا الشهور أو السنوات القليلة شائع في بلادنا حيث قد لا يرى الشاب عروسه قبل أن يعقد قرانه عليها أو ربما لا يراها أبداً قبل الزفاف، وشائع في الولايات المتحدة حيث للشاب والفتاة الحرية الكاملة في اختيار الزوج وحيث يشكل الحب الدافع الأكبر لزواج إثنين.

 

بالطبع يحتاج الزواج إلى حد أدنى من النضج النفسي الاجتماعي كي ينجح، لكن ملاحظاتي أن قلة النضج تأتي في المرتبة الثانية كسبب لطلاق الشباب الصغار بعد نقص الثقافة الزوجية والعوامل الأخرى.

 

بالنسبة للطفل الحب هو أخذ، فهو يحب أمه وأباه لأنهما يعطيانه ما يحب، لكن البالغ الناضج يحب ليعطي، إنه يحب إنساناً ما لأنه أعجب به أو لأن هذا الإنسان قدم له الكثير فأحبه، لكنه عندما يحب يفكر في إسعاد محبوبه، إن حب الكبار الناضجين حب عطاء، وإذا أحب كل من الزوجين الزوج الآخر وحرص على إسعاده سيتحقق في الحب العطاء المتبادل. إن الصغار وبعض الكبار ذوي الشخصية المعتمدة أو النرجسية يبقى حبهم مثل حب الأطفال، فالنرجسي لا يحب إلا نفسه، والاعتمادي ما يزال في أعماقه يستشعر الحاجة للآخرين كما يشعر بها الطفل، لذلك فهو يتعلق بهم ليعتنوا به ويسعدوه لا ليعتني بهم ويسعدهم، أما صاحب الشخصية الفاسدة السيكوباثية فإنه يرى الآخرين أدوات لتحقيق رغباته لا بشراً مثله لهم مشاعر واحتياجات، لذلك فهو يستغلهم، وقد يمثل الحب عليهم ليحصل منهم على ما يريد ثم يدير لهم ظهره دون حياء أو ندم.

 

النضج النفسي اللازم للزواج يحتاج إلى القدرة على الحب مع الشعور بالاستقلالية الذاتية واحترام استقلالية الطرف الآخر بحيث لا ينظر إلى الطرف الآخر على أنه ملكية جديدة حصل عليها وهي موجودة من أجله هو بالدرجة الأولى.

 

ومن النضج الضروري لنجاح الزواج أن يكون الإنسان قد حقق أهم مهمة من مهمات المراهقة وهي تحديد الهوية بوضوح، والمقصود بذلك أن يكون المراهق قد عرف ما يريد من حياته وما يريد أن يحقق فيها، ومَنْ يريد نفسه أن يكون في هذه الحياة، وهذا يحتاج إلى اختيار الكثير من مكونات هويته، مثل الإيمان والتدين إلى العلم والتخصص والعمل والهوايات والموقف من الجنس الآخر والزواج إلى أشياء كثيرة عندما يحددها الإنسان تصبح أمامه طريق واضحة يسير عليها في حياته؛ إن تحديد الهوية مشكلة معاصرة إلى حد كبير حيث يكبر الإنسان ليجد الخيارات متنوعة أمامه في كل المجالات، أما قديما فقد كانت الهوية جاهزة ومحددة مسبقا من قبل المجتمع ككل والوالدين خاصة، حيث يكبر الإنسان ومستقبله مرسوم له بل قد يكون الزوج محددا لها أوله منذ الطفولة.

 

أما الثقافة الزوجية اللازمة لزواج ناجح والمطلوب تعلمها قبل الزواج بل قبل اختيار الزوج فإن أهميتها عظيمة في هذا الزمان بسبب التعقيد الثقافي الذي طرأ على حياة البشر وتغيّر الكثير من المفاهيم لدى الجنسين وشيوع مفاهيم جديدة وتوقعات زائدة من الزواج كانت سببا كبيرا في انتشار الطلاق بحيث بلغ أكثر من خمسين بالمائة في كثير من المجتمعات.

 

وقد يظن البعض أن الثقافة الجنسية المتمحورة حول الجسد التي يتلقاها طلاب المدارس في أوروبا وأمريكا هي الثقافة الزوجية المطلوبة وهذا ظن خاطئ، إذ حتى المجتمعات المتقدمة لا تُعِدّ شبابها وشاباتها للزواج ولا تزودهم مدارسها بثقافة زوجية تساعدهم على التمتع بحياة زوجية سعيدة. إن الثقافة الزوجية المطلوبة أوسع وأشمل من الثقافة الجنسية، ولعلنا نتصور شمولها وأهميتها عندما نذكر بعض الأفكار والموضوعات التي يلزم للشاب والفتاة فهمها قبل الزواج:

 

  1. يلزم قبل الزواج فهم التشابه الكبير بين الرجال والنساء وكيف أن هرموناً واحداً يوجد في الجنين يجعله يتخلق ذكراً ويعطينا أنثى طبيعية تماماً إن كان الصبغي المذكر غائباً من خلاياها، وقد يكون الجنين ذكراً من حيث جيناته ولديه تستوستيرون لكن خلاياه عاجزة عن الشعور بهذا الهرمون أي هنالك غياب لتأثير هرمون التستوستيرون فيعطينا مولوداً أنثى كاملة الأنوثة إلا أنها عقيم لأن كل الجينات والصبغيات لديها مذكرة وليس لديها مبيض. إن إدراك أن أي رجل منا كان يمكن أن يولد أنثى وأن أي امرأة كان يمكن أن تولد ذكر بفعل هرمون واحد هو الذي يصنع الفرق في الشكل والطباع والتكوين التشريحي بين النساء والرجال، أي أن المرأة إنسان كما أن الرجل إنسان وأن النساء شقائق الرجال. إن إدراك ذلك يحمي من مشاعر استعلاء جنس على آخر.

  2. ومع ذلك لابد من فهم الفروق النفسية والبدنية بين الجنسين وكيف أنه ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران 36]، وهذا الفهم للفروق التي ظهرت كتابات حديثة رائعة عنها في السنين الماضية يقلل من سوء الفهم بين الزوجين ويجعل كلاً منهما يتقبل اختلاف الآخر عنه في الطباع ويحترم هذا الاختلاف لأنه هو الذي يجعل الزوجين مكملين لبعضهما بعضاً لا مكررين لبعضهما بعضاً، وبالتالي يكون ارتباطهما وحبهما إضافةً إلى كل منهما يكمل ما ينقصه من طباع وصفات، فتتكون منهما أسرة تجمع محاسن الرجولة ومحاسن الأنوثة وينعم كل منهما بما ينقصه من خلال صاحبه.

  3. لابد من الفهم العميق لأهمية الاختلاف في الخلق والطباع وأدوار الحياة لإلغاء أي مشاعر منافسة بينهما شعورية كانت أو لا شعورية، مما يسمح بتكوين أقوى وأدوم علاقة حب بين إثنين من البشر، وغياب العداوة بينهما لتحل محلها الرحمة، وتكون بذلك علاقتهما علاقة مودة ورحمة.

  4. ولابد من الفهم العلمي النفسي لأسباب الانجذاب بين الرجال والنساء: ما الذي يعجب الرجل في المرأة ويجعله يحبها، وما الذي يعجب المرأة في الرجل ويجعلها تحبه، إضافة إلى فهم العوامل المطلوبة لنجاح الزواج؛ إذ قد يقع شاب في حب فتاة لأنها جميلة ومطيعة وحيية رغم أنها متأخرة في دراستها وقد رسبت أكثر من مرة بينما هو فائق الذكاء والأول على مدرسته أو جامعته، وحبه لها سيدفعه إلى الزواج بها دون التفكير بعواقب الزواج بين شاب فائق الذكاء ومستمر في التقدم في الدراسة والتخصص وبين فتاة عادية الذكاء قليلة الثقافة ومع السنين ستقل ثقافتها أكثر وتتسع الهوة بينهما.

  5. ويلزم فهم طبيعة الحب الرومانسي القائم على الإعجاب واعتقاد الكمال في المحبوب ورؤيته كائناً مثالياً لا عيب فيه، حيث يرى فيها الشاب فتاة أحلامه ويرى فيها كل الصفات التي يحلم بها في زوجته بينما ليس فيها من هذه الصفات إلا بعضها، وكذلك هي ترى فيه فارس أحلامها وأن فيه كل الصفات التي تبحث عنها في زوج المستقبل بينما الواقع أقل بكثير من هذا الوهم الذي يقع فيه المحبون الرومانسيون، فيقصرون سعادتهم على العيش مع هذا المحبوب والارتباط به؛ لكن الوهم ما يلبث أن يزول بعد الزواج بشهور قليلة وتعود عوامل كثيرة أخرى لتحدد مصير هذا الزواج، هل سيتحول العشق إلى حب وصداقة ومودة ورحمة وتفاهم وحياة زوجية سعيدة ومديدة؟ أم ستكون العيوب التي كان العاشق لا يراها في محبوبة أقوى من عناصر الانجذاب والمودة وينتهي الزواج بالطلاق عند أول أزمة كبيرة يمر بها؟. إن فهم أن "حبّك الشيء يُعْمي ويُصِمّ" كما قال النبي ﷺ وأن الحب لا يصنع المعجزات إلا في الأفلام العربية القديمة التي تنتهي يوم الزفاف ويبقى مصير هذا الزواج مجهولا للمشاهد، إن فهم هذا سيجعل الشاب والفتاة أقدر على إشراك العقل مع القلب في عملية اختيار الزوج والزوجة، وبالتالي ستكون فرص النجاح لهذا الزواج أكبر.

  6. وضروري فهم أن قوامة الزوج على زوجته متمشية مع فطرة الاثنين، وأن مقاومة المرأة لذلك تجعل الزواج يمر في السنتين الأوليين بصراع على السلطة وجدت الدراسات في المجتمع الأمريكي -رغم أنهم لا يؤمنون أن الرجال قوامون على النساء- وجدت أن الصراع على السلطة بين الزوجين ينحسم في النهاية لصالح الرجل في 98% من الحالات وتكون السيطرة والسلطة للزوجة في 2% من الحالات، لكن هذا الصراع على السلطة ينحسم عادة بعد أن يسيئ جداً إلى الحب ما بين الزوجين ويقتل الرومانسية بسرعة وخاصة من ناحية الرجل، لأن المرأة التي يحبها الرجل ويسعد بصحبتها هي: التي إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في ماله وعرضه.

  7. إن تفهم الفتاة أن وصية الأعرابية لابنتها المقدمة على الزواج عندما قالت لها: "كوني له أمَةً يكن لك عبداً" هي وصية صحيحة، وهذا ما بـينته الدراسات والكتابات الحديثة عن الحياة الزوجية، حيث بـينت باختصار أن الرجل لا يحب أن يتلقى ويلبي لزوجته الأوامر، لكن إن هي أطاعت أوامره فإنه يلبي رغباتها كلها مهما كلفه ذلك من مال وجهد، وبالتالي إن شعر أنها له أمَةً كان هو لها عبداً يلبي رغباتها دون أن يشعر بغضاضة الانصياع للأوامر.

  8. ويجب فهم الاختلاف في أسلوب التعبير عن الحب بين الرجال والنساء؛ فعلى سبيل المثال يعبر الرجل عن حبه للمرأة بالعطاء المادي، وتعبر المرأة عن حبها له برعايتها له والاهتمام به، ولو بأن تحضر له الشاي بنفسها ولا تترك ذلك للخادمة. وكذلك فهم أن رغبة الرجل في زوجته جنسياً إنما تدل على الحب عادة، بينما رغبته في غير زوجته تكون شهوة في امتلاكها جنسياً لا حباً بها كإنسان من نفس وجسد، وأن يفهم الرجل أن المرأة تشتاق إلى المعانقة والقبلة والحنان مثلما يشتاق هو إلى الجنس وأن شهيتها الجنسية تنفتح عندما يعطيها جرعات من الحب والحنان.

  9. ولابد من فهم اختلاف الحب عند الرجل عن الحب عند المرأة حيث المرأة مفطورة على الإفراد والعمق في الحب، وليس هنالك امرأة تستطيع أن تجمع في قلبها الحب لرجلين في وقت واحد، اللهم إلا الحب الأخوي.. بينما حب الرجل مفطور على التعدد والتوسط في عمق المحبة للنساء، إذ يمكنه حب الثانية دون أن ينقص حبه للأولى، وبذلك نفهم أن الزواج بالثانية ليس دليلاً على الكراهية للأولى أو على وجود عيوب ونقص فيها.

  10. وإن فهم الاختلاف بين الجنسين في الحب يساعد على فهم عوامل الوقوع في الخيانة الزوجية لدى النساء والرجال، مما يساعد الزوج على الثقة بزوجته أكثر على أساس علمي، ويساعد المرأة على المحافظة على زوجها لنفسها بنسبة عالية من النجاح.

  11. ويلحق بذلك الفهم النفسي للغيرة ودوافعها عند الرجل والمرأة، ولأثر غيرة الرجل في المرأة حيث تراها دليل حب واهتمام ما لم تصل حد الشك، وأثر غيرة المرأة على الرجل في علاقته بها حيث يراها اتهاماً له بالضعف وعدم القدرة على الصمود أمام إغراء الأخريات، وتشعره بتحكم زوجته به، الأمر الذي ينفر منه وهو المفطور منذ طفولته على الاستقلالية.

  12. وضروري فهم المرأة لأهمية مراعاة استقلالية الزوج وتدعيمها لثقته بنفسه من خلال الامتناع التام عن وعظه أو محاولة قياده إلى أفعال معينة مهما كانت رائعة، حتى ولو كانت الصلاة، وكذلك كراهيته الشديدة لانتقاد تصرفاته الذي يأتيه من زوجته.

  13. كما إن إدراك المرأة أن تقديرها لما يقدمه الزوج ورضاها وإشعارها له أنه ناجح في إسعادها أي "عرفان بحقه" يجعل الرجل يبذل المزيد بحماس، أما اشعاره أنه مقصر في حقها أو حق الأطفال، ومطالبته بالمزيد من هذا المنطلق، فإنه يقتل لديه الرغبة في أن يقدم، ويجعله يرى زوجته مصدر إحباط كبير له في الحياة.

  14. ولابد من فهم المشكلات التي تعكر صفو الحياة الجنسية للزوجين، ومعرفة أن الطب النفسي مع فروع الطب الأخرى قادر على علاجها ليقي كثيراً من الأسر من التفكك.

  15. وكذلك إن فهم أثر الاضطرابات النفسية -كالقلق والاكتئاب- الكثيرة الانتشار هذه الأيام في الحياة الزوجية وكيف أنها تعيق السعادة الزوجية وكيف أنها قابلة للعلاج وكيف تم إنقاذ الكثير من الأسر من الطلاق بمجرد علاج القلق النفسي عند الزوج أو الاكتئاب عند الزوجة مثلاً.

  16. ويجب إدراك أن أهله أو أهلها إن تدخلوا في مشكلاتهما الزوجية فسيتدخلون بانحياز، وسيزيد تدخلهما المشكلات شدةً وتعقيداً، وأن اللجوء إلى مستشار نفسي محايد أفضل كثيراً، كما أن حفظ الزوجين لأسرار الأسرة يجعل أهله وأهلها ينظرون إليهما باحترام أكبر.

  17. ويجب فهم الزوجين لحقوقهما وواجباتهما كما شرعها الله، فالزوج الذي يظن أن خدمة زوجته له وللأطفال والبيت واجب عليها، يجد من حقه تتبع أخطائها أو نقاط التقصير، مما يجعلها تشعر أن جهدها ضائع معه، ويصيبها بالكآبة والإحباط وفقد الحماس، بينما الرجل الذي يعرف أن عمل المرأة في بيت زوجها تطوع منها وبمثابة هدية منها له، وحتى إرضاعها لطفلهما دون أجر إنما هي هدية منها له فهو المكلف بغذاء أطفاله، كل ذلك يجعله يشعر بالشكر والامتنان لها من صميم قلبه، ويجعل لسانه ينطلق بالشكر والدعاء لها، كما يزيد من محبتها في قلبه، وكل ذلك يجعلها تبذل من الجهد أكثر وهي سعيدة راضية.

  18. ولابد أن يتعلم الزوجان قبل الزواج فن حل النزاعات بينهما، لأن النزاعات لابد من حدوثها بين أي زوجين، وعدم امتلاك المعرفة والمهارة لحلها يسبب طلاق الكثيرين دون داعٍ.

 

الثقافة الزوجية المطلوبة واسعة جداً وما ذكرته ليس إلا أمثلةً وأفكاراً مختصرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة