المقالات
فلنحيينه حياة طيبة
Whatsapp
Facebook Share

فلنحيينه حياة طيبة

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

إن النفس الخالية من الإيمان وأنواره، نفس مظلمة، يعشش فيها الخوف والقلق والاضطراب، ومن دون الإيمان بالله، والتوكل عليه، تغدو النفس البشرية، ألعوبة بيد الشيطان، يبث فيها الحزن والقلق، كي تستجيب لدعائه لها إلى الفحشاء، والمنكر.

 

أما النفس المؤمنة المتوكلة، فإنها عصية على الشيطان، حصينة في وجه وساوسه، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)﴾ [النحل: 98 - 100].

 

والخوف من الفقر، سبب هام للقلق النفسي، فالإنسان يخشى الفقر، لأن الفقر يحرمه من كثير من الأشياء التي يحبها، ولأن الفقر إذا اشتد قد يحرمه من الأساسيات.

 

ثم إن الإنسان يخشى الفقر، لأنه حتى لو لم يحرمه من الأساسيات، فإنه ينزله من المكانة الاجتماعية التي يحتلها إلى مكانة دونها، فاحترام الناس وتقديرهم له، قد ينقص إن رأوا فقره، واحتياجه.

 

وقد وجد علماء النفس، أن الأمن والرزق هما أهم حاجتين إنسانيتين، والإنسان عادة لا يفكر بغيرهما من الحاجات، كالحاجة إلى الحب، والتقدير، وتحقيق الذات، إلا بعد أن يحصل على الحد الأدنى من الأمن والرزق.

 

ولقد من رب العالمين على قريش بما أعطاهم من الرزق والأمن، قال تعالى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)﴾ [سورة قريش].

 

والنبي محمد ﷺ بين أن العافية مع الأمن والرزق، ثلاثة أشياء هي الأساسيات للإنسان، قال ﷺ: "مَن أصبحَ مِنكُم آمِنًا في سِرْبِه، مُعافًى في جسَدِهِ، عندَهُ قُوتُ يَومِه، فَكأنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيا" (رواه الترمذي، وابن ماجه).

 

ولقد طمأن رب العالمين المؤمنين على أرزاقهم حتى لا يفقدهم الخوف من الفقر سكينة نفوسهم المطمئنة، فأكد لهم أن الرزق كالأجل يكتبه الله والإنسان جنين في بطن أمه، فالرزق بيده تعالى يحدده بنفسه، ولا يمكن لأحد أن يحرم أحداً رزقاً قد كتبه الله له... قال تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)﴾ [الذاريات: 22 - 23].

 

وقد ربط المولى بين المغفرة والفضل والرزق. قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268].

 

ولارتباط المغفرة بالفضل، كان الاستغفار مدعاة للفرج، والمخرج من الهم والضيق، وجالباً لرزق الله يأتي من حيث لم يحتسب المؤمن. قال النبي محمد ﷺ: "مَن لزمَ الاستغفارَ جَعلَ اللهُ له من كلِّ همٍّ فرجًا، و من كلِّ ضيقٍ مخرَجًا، و رزَقَه مِن حيثُ لا يحتَسبُ" (رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي).

 

وللتقوى جائزة مماثلة... قال تعالى: ﴿... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)﴾ [الطلاق: 2 - 3].

 

وكما تستدعي التقوى الرزق والفضل، فإن الذنوب قد تستدعي الحرمان من الرزق.. قال ﷺ: "لا يزيدُ في العمُرِ إلَّا البرُّ ولا يردُّ القدَرَ إلَّا الدُّعاءُ وإنَّ الرَّجلَ لَيُحرَمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يصيبُهُ" (ابن ماجه).

 

فالعمل الصالح مع الإيمان، خير ضمان لحياة طيبة، بكل ما تعنيه الطيبة في الحياة من معنى... إنها الحياة الطيبة في الدنيا، ثم الجزاء والمكافأة في الآخرة... قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].

 

ووعد الله الذين يداومون على تلاوة القرآن الكريم ويقيمون الصلاة ولا يتهاونون فيها ويؤدون الزكاة وما استطاعوا من الصدقات، وعدهم أن يزيدهم من فضله فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)﴾ [فاطر: 29-30].

 

كما وعد الشاكرين له على نعمه أن يزيدهم منها فقال: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]

 

إنه مع نور الإيمان والطاعة، لا يبقى للقلق الناتج عن خشية الفقر مكان في النفس المؤمنة، وقد قال العلماء الذين فقهوا كلام الله تعالى وأقوال رسوله محمد ﷺ، قالوا: "ما افتقر تقي"، إذ كيف يفتقر والرزاق يرزقه من حيث لا يحتسب؟!. وإن كان هذا لا يعني أن كل فقير هو عاصٍ لله لأن التقوى حالة من الطاعة أرقى من الحد الأدنى الذي لا بد للمؤمن منه.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة