المقالات
الذي يملك نفسه عند الغضب
Whatsapp
Facebook Share

الذي يملك نفسه عند الغضب

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

الغيظ شعور يقوم بالنفس كرد فعل على ظلم وقع عليها، وكظم الغيظ وحده لا يكفي ليذهب الغيظ، وينمحي من النفس، إذ لا بد للتخلص من الغيظ من الانتقام والعقوبة، أو العفو والمغفرة، فبهما يكون شفاء الصدور من الغيظ المتراكم فيها. لذا فإن الله عندما حث المؤمنين على قتال الكفار الذين يحاربون الإسلام، قال: ﴿قَـٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍۢ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) [التوبة: 14-15].

 

والإنسان يغتاظ عندما يعتدى عليه، ويثور غاضباً في وجه المعتدي، ليحمي نفسه من المزيد من الظلم والعدوان، أو لينتقم لنفسه، لكنه قد يثور، ويغضب لأمر ثالث، وهو الحفاظ على قدره وصورته في عيون الآخرين، وأولهم المعتدي نفسه، إذ يظن الإنسان أنه إن لم يرد على الإساءة بإساءة مثلها، فإنه سيبدو أمام الناس ضعيفاً، وجباناً، وذليلاً. لذا يشعر الإنسان أنه في موقف يضطره إلى أن يغضب، ويثور، ويرد على الشتيمة بمثلها، ويرد على الضرب بضرب أشد منه.

 

وقد عالج النبي محمد ﷺ هذا الدافع للعنف والغضب، بأن غير المعيار الذي كان يقاس به الموقف، ونبه إلى المعيار الصحيح، وهو أن الذي يملك نفسه عند الغضب، فلا يلجأ إلى العنف، ولا يرد على الإساءة بمثلها، هو الإنسان القوي، الشديد، الصرعة.

 

فليس الشديد هو المصارع الذي يصرع الرجال، ولا يصرعه الرجال، إنما هو ذلك الجبل الشامخ، الذي يدرك أن قدره وكرامته لا يجرحها سفاهة سفيه، ولا إساءة مسيء.

 

سأل النبي محمد ﷺ أصحابه يوماً فقال: "...فَما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟" قال راوي الحديث: "قُلْنا: الَّذي لا يَصْرَعُهُ الرِّجالُ" قال النبي محمد ﷺ: "ليْسَ بذلكَ، ولَكِنَّهُ الَّذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ.(رواه مسلم).

 

وقال أيضاً: "ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ.(متفق عليه).

 

وقد أكد عن أن العفو عمن أساء إلينا لا يزيدنا إلا عزاً، فقال: "ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ.(رواه مسلم).

 

وأعطى ﷺ من نفسه المثل، إذ لم يكن ينتقم لنفسه أبداً، قالت عائشة رضي الله عنها: "ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا؛ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شَيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ؛ إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.(رواه مسلم). ونيل منه، أي: أوذي.

 

وحتى لو بدا في صبر المؤمن على إيذاء أخيه له شيء من الذلة، فإن الله تعالى بين أن المؤمن عزيز على الكافرين، وشديد عليهم، لكنه رحيم بالمؤمنين، ذليل لهم: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54].

 

فليست ذلتهم على المؤمنين من ضعف، إذ هم المجاهدون الذين لا يخافون لومة لائم، إنما هي الذلة النابعة من الرحمة.

 

قال تعالى وهو يوصينا بآبائنا وأمهاتنا إذا بلغوا عندنا الكبر والشيخوخة: ﴿وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًۭا [الإسراء: 24].

 

والمؤمنون كما وصفهم المولى تعالى، أشداء على الكفار في مواقف الجهاد، رحماء بينهم، وهكذا فلنكن.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة