المقالات
الرضا بالقدر والتحذير من "لو"
Whatsapp
Facebook Share

الرضا بالقدر والتحذير من "لو"

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

مثلما يشعر الإنسان بالغيظ من الآخرين الذين أساؤوا إليه، فإنه قد يشعر بالغيظ من نفسه عندما يخطئ في حق نفسه، فيتخذ قراراً خاطئاً يؤدي إلى خسارته لفرصة من الفرص، ثم يندم بعد ذلك عندما يتبين له أن خطأه قد سبب له تلك الخسارة، فيغتاظ من نفسه، ويلومها، وقد يكرهها، وإذا لم يسعفه إيمانه، فإنه يضيف إلى غيظه من نفسه الشعور بالحزن، والاكتئاب على الخسارة التي يتصورها.

 

وإذا اجتمع الاكتئاب مع الغيظ من النفس كان الإنسان ميالاً إلى إيذاء نفسه عقاباً لها، وتنفيساً عن غيظه.

 

ولنتأمل حالة فتاة تقدم إليها خاطب فرفضته، فتقدم إلى صديقتها فقبلت به وتزوجته، وعاشت معه سعيدة، ثم مرت السنون، ولم يتقدم إلى الأولى شخص مناسب، فعندها قد تحزن على الفرصة التي أضاعتها، وبخاصة أنها ترى كم هي سعيدة صديقتها معه، فتقول في نفسها: "لو أنني قبلت به، وتزوجته، لكنت الآن سعيدة معه!".

 

لكن الإيمان يحمينا من الوقوع في مثل هذه الحال، إلا إن كنا في حالة غفلة عن بعض حقائق هذا الإيمان، وأهمها: أن الأرزاق ونعم الله في هذه الحياة يقسمها رب العالمين، وأن ما أصابنا ما كان ليخطئنا، وما أخطأنا ما كان ليصبنا. وأن على المؤمن أن يحذر من قولة "لو"، هذه التي تتعارض مع العقيدة الأساسية، بأن ما وصل إلى غيري، فإنه رزق من الله إليه، ما كان ليصل إلي أبداً، لأن الله قد كتبه لغيري ولم يكتبه لي.

 

قال ﷺ: "...احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.(رواه مسلم).

 

فالإيمان بالقدر خيره وشره من الله يحمي المؤمن من الغيظ من نفسه في مثل هذه المواقف، وإن كان المؤمن كيساً فطناً يتعلم من تجاربه، ويحرص على ألا يقع في الخطأ ذاته مرتين.

 

ومن جهة أخرى، فإن الإنسان قد يشعر بالغيظ والسخط على رب العالمين، وذلك إذا ما ابتلاه الله بالمصائب، أو قدر عليه رزقه، وضيق عليه في معيشته، وبخاصة إذا نظر هذا الإنسان إلى من أنعم الله عليهم، وآتاهم من فضله من مال أو ولد أو عافية أو جمالاً وجاه.

 

لكن المؤمن لا يسخط على ربه بل يحمده في السراء شكراً على فضله ويحمده في الضراء صبراً على ابتلائه.. فهو من جهة يعلم أن النعم ابتلاء، وأن العطاء من الله لا يعني أنه يحب من أعطاهم أكثر ممن حرمهم.

 

ومن جهة أخرى، فإن المؤمن يعمل بنصيحة النبي محمد ﷺ، فهو إن لفت نظره النعم التي عند غيره، نظر إلى الحرمان الذي فيه آخرون غيره من أجل أن يتذكر نعم الله عليه، إذ مَنْ مِنَ البشر لم يؤته الله نعمة قط؟.

 

قال النبي محمد ﷺ: "إذا نَظَرَ أحَدُكُمْ إلى مَن فُضِّلَ عليه في المالِ والْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إلى مَن هو أسْفَلَ منه مِمَّنْ فُضِّلَ عليه.(رواه مسلم).

 

وقال أيضاً: "انْظُرُوا إلى مَن أسْفَلَ مِنكُمْ، ولا تَنْظُرُوا إلى مَن هو فَوْقَكُمْ، فَهو أجْدَرُ أنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ...(رواه مسلم).

 

فالذي يعيش السخط والغيظ لأنه حرم من بعض ما أعطاه الله لغيره، لا يفيده غيظه وسخطه شيئاً، لأن الغيظ لا يجلب له ما حرم منه، وهو فوق ذلك يحرم نفسه من أن يتمتع بما لديه من نعم.

 

فالساخط الناقم غير سعيد وعاجز عن التمتع، وبالتالي فإنه يضاعف من خسارته، إضافة إلى أنه يخسر رضا الله عنه.

 

والمؤمن يرضى بما قسم الله له، دون أن يتوانى عن السعي إلى المزيد من الحلال، إنه يعمل بجد من أجل دنياه وآخرته، ونفسه مطمئنة ساكنة راضية.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة