المقالات
لا دونية مع الإيمان
Whatsapp
Facebook Share

لا دونية مع الإيمان

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

يشكل الخجل مشكلة كبرى في حياة الكثيرين، وهو بالإضافة إلى أنه مزعج، فإنه معيق لنشاط الإنسان، ويمنعه من أن ينطلق في المجتمع بكل طاقاته.

 

والخجول إذا ما وجد نفسه محط أنظار الآخرين وبخاصة الغرباء أو أصحاب المكانة في المجتمع أو السلطة، فإنه يرتبك وتنتابه أعراض القلق البدنية، كخفقان القلب، والتعرق الزائد، وارتعاش اليدين، وتهدج الصوت، والتلعثم.

 

إن الخجل الذي يمنع الإنسان من إثبات ذاته في المجتمع، وفرض حضوره على الآخرين فرضاً طبيعياً لا يكون فيه تجاوز لحقوقهم أو عدوان على حرياتهم، هذا الخجل الذي يعوق الإنسان عن التعبير عن نفسه بحرية، ويمنعه من قولة الحق في وقتها، وقد يمنعه من السعي وراء مصالحه، لأنه بسبب الخجل يميل إلى تجنب لقاء الناس الذين لا يعرفهم أو لم يألفهم من قبل... هذا الشعور الكريه إلى النفس يختلف اختلافاَ كلياً من حيث أسبابه ودوافعه وطبيعته عن "الحياء"  الذي دعا إليه الإسلام ومدحه النبي محمد ﷺ في أحاديث كثيرة.

 

والخجل مزعج للنفس إلى حد أن بعض الناس يقع فريسة الإدمان على الخمر أو المخدرات، سعياً وراء الجرأة التي يستشعرها عندما يكون تحت تأثير الخمر والمخدرات، تلك المواد الضارة بالعقل الإنساني، والمدمرة للمجتمع البشري، لكن المؤمن في غنى عن تلك الطرق المؤذية التي يلجأ إليها البعض للتغلب على خجلهم، إذ من أجل منفعة قليلة يخسرون الدين والدنيا والصحة والمال... أما الإيمان فإنه يعالج دواعي الخجل وأسبابه، ويبث في النفس تلك السكينة والطمأنينة التي ينشدها كل إنسان.

 

ومن أهم أسباب الخجل، الإحساس بالنقص والدونية، حيث يرى الإنسان نفسه أقل من الآخرين، وأحط مكانة وقدراً، وهذا ما يسميه علماء النفس "القَدْر المتدني للنفس"، حيث لا يقدر المرء نفسه حق قدرها، بل يقدرها أقل من قدرها وقيمتها، وقد سماه النبي محمد ﷺ: "حَقْر النفس"، وحقر النفس قد يكون لإحساس المرء أنه أقل من الآخرين، بسبب لونه، أو أصله، أو فقره، أو عيب جسدي، أو نقص في جماله، أو ضعف في قوته البدنية، أو مهنته، أو غير ذلك من أسباب.

 

لكن الإسلام يربي المسلم على أن الناس سواسية كأسنان المشط، وعلى أنه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى. والذي يَفْضُل بسبب تقواه، لا يتكبر، ولا يستعلي، لأن التكبر والاستعلاء يخرجه من زمرة المتقين.

 

والإسلام يربي المسلم على قوله تعالى:﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًۭا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۭ [الحجرات: 13]، والآية واضحة أن التكريم الزائد للتقي، إنما هو عند الله، أما في المجتمع، فالكرامة موزعة بالتساوي، والناس سواسية كأسنان المشط. فالناس إخوة في الإنسانية، ينحدرون من أب واحد "...والنَّاسُ بنو آدمَ وآدمُ من ترابٍ(رواه أحمد).

 

لذا فالمسلم لا يتكبر على أحد أبداً، حتى ولا على عبد اشتراه بماله، فحتى العبيد قال عنهم النبي محمد ﷺ: "...إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ" (رواه البخاري).

 

والذي لا يتكبر على من أعطاه الله أقل منه، لا يتصغَّر ولا يحقر نفسه إزاء من أعطاه الله أكثر منه،  إذ المؤمن لا يقيس أقدار الناس بحسب ما معهم من مال، أو جاه، أو جمال. إنما الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.

 

إن الدونية والتكبر وجهان لعملة واحدة، لا يوجد أحدهما دون الآخر. فالذي يتكبر معتزاً بماله، أو جاهه، أو جماله، أو علمه، سيلقى من هو أغنى منه، أو أوجه منه، أو أعلم منه، أو أجمل منه، وعندها سيشعر بالدونية، والحطة، والنقص، وسيحقر نفسه إزاءهم.

 

إن الخجل، أو خشية الناس، بالمصطلح القرآني والنبوي، لا يليق بالمؤمن، لأن المؤمن لا يحقر نفسه، وكيف يحقرها وهي نفس أكرمها الله بالإيمان، وأحبها وأحبته، ورضي الله عنها ورضيت عنه، وسمع إلى دعائها وندائها، وهو الذي لا ينظر إلى الصور أو الأجسام، إنما ينظر إلى القلوب وما فيها من إيمان.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة