المقالات
معنى الحياة
Whatsapp
Facebook Share

معنى الحياة

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌۭ فِى ٱلْأَرْضِ خَلِيفَةًۭ ۖ قَالُوٓا۟ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّىٓ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 30].

 

وقال أيضاً: ﴿تَبَـٰرَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ (1) ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًۭا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ (2) [الملك: 1-2].

 

يسعى الإنسان الذي لم يؤمن، ولم يهتد بنور الإيمان... يسعى إلى أهداف مختلفة في حياته، فقد يسعى إلى الثروة، أو الشهرة، أو الجاه، أو كل ذلك، أو غير ذلك... ويستغرق في سعيه غافلاً في أي شيء آخر...حتى إذا أخذ يتفكر يوماً، ويتساءل: وماذا بعد ذلك؟ ماذا بعد أن تزداد الثروة، وتبلغ الأرقام الكبيرة؟ وماذا بعد أن تبلغ الشهرة حداً بعيداً؟ ماذا بعد ذلك؟ وما معنى هذا كله طالما أنني سأموت وأترك كل ذلك؟.

 

وعندما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة، مرحلة التساؤل عن معنى حياته، وعن معنى الحياة الإنسانية عموماً وغايتها، فإنه من دون الإيمان بالله واليوم الآخر، يشعر بالضياع والعبث، وأنه ليس هنالك شيء له معنى.

 

وإذا ما عجز الإنسان عن اكتشاف معنى وجوده، وعجز عن أن يضفي على حياته ولو معنى مخترعاً من عنده على الأقل، فإن حياته تصبح حياة يائسة كئيبة قلقة، فيأخذ يقلب الفكر والرأي: هل يستمر في حياته خالية من المعنى برأيه، أم ينسحب من هذا الوجود فينهي حياته ويستريح؟.

 

قليلون هم الذين ينتحرون، أما الأكثرون فيجدون لحياتهم معنى وهدفاً في واحد أو أكثر من النشاطات المفيدة، ينشغلون بها، ويملؤون بها حياتهم.

 

منهم من يكرس ما يستطيع تكريسه من وقته، وجهده، وماله، لعمل الخير والإحسان، فيكون العطاء في الحياة ونفع الآخرين هدفهم وغايتهم.

 

ومنهم من يجعل لحياته معنى من خلال تكريسها لقضية من نوع ما سياسية، أو إصلاحية فكرية، أو غير ذلك.

 

والبعض القادرون على الإبداع يجدون المعنى في الاستمرار في إبداعهم.

 

وهذه المعاني، والأهداف الحيوية التي يتبناها كثير من الناس ليست إلا صوراً ومظاهر للهدف الأصلي الذي خلق الإنسان من أجله، وهو أن يكون خليفة لله في أرضه. فالخلافة في الأرض لها صور عديدة، وكل عمل يتمثل فيه الإنسان صفة من صفات الخالق، ويعمل على أن يحقق في نفسه ما يقدر على تحقيقه منها، إنما هو مظهر من مظاهر الخلافة في الأرض، إذ ليست الخلافة في الأرض مقصورة على العمران والبناء، إنما علم العالم خلافة، وعدل العادل خلافة، ورحمة الأم لصغيرها خلافة، ورعاية الأب لأسرته خلافة، والإبداع خلافة، ونفع الآخرين خلافة... أليس الله هو النافع وهو بديع السماوات والأرض وهو الرحمن الرحيم الحكم العدل العليم الخبير؟.

 

لكن الشقي من لا يجد لحياته من معنى، إلا البحث عن المتعة الحسية، والأشقى منه من يستكبر فيجعل هدف حياته أن يتحدى الخالق، ويفسد في الأرض، وينفر الخلق عن خالقهم، ويبث فيهم روح التمرد على رب العالمين، تلك الروح التي تسيطر عليه، وتجعله شيطاناً مريداً.. إنه يأنف أن يكون خليفة في الأرض، ويأبى إلا أن يكون نداً لله، وخصيماً له، ليرضي نزعة الكبر والعلو في نفسه.

 

﴿أَوَلَمْ يَرَ ٱلْإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍۢ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌۭ مُّبِينٌۭ [يس: 77].

 

لكن هذا الأحمق المستكبر لا يدري أنه رغم تمرده على الله، فإنه لم يخرج عن أن يكون المخلوق الذي يتمثل صفات الخالق، فهو يحقق في نفسه صفة الكبر والعظمة والعلو، لكنه شقي وتعس، لأنه اختار الصفة التي حرم الله على البشر أن يتمثلوها، وتوعد الذين ينازعونه عظمته وكبريائه أن يلقيهم في النار.

 

قال رسول الله ﷺ: "الْعِزُّ إزارُهُ، والْكِبْرِياءُ رِداؤُهُ، فمَن يُنازِعُنِي عَذَّبْتُهُ" (رواه مسلم). وعن أبي هريرة "أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال فيما يحكي عن ربِّه جلَّ وعلا: (الكبرياءُ ردائي والعظمةُ إزاري فمَن نازَعني واحدًا منهما قذَفْتُه في النَّارِ)" (رواه ابن حبان وروى أحمد وابن ماجة في معناه).

 

إنه الامتحان الأكبر، والخيار بين دور الخلافة في الأرض، ودور الاستكبار فيها، والتأله والتعالي على الخلق والخالق العظيم.

 

والذي يختار الدور الصحيح، تشرق نفسه بأنوار الإيمان، أما الذي يتمرد ويتأله، فتظلم نفسه، وتكون معيشته ضنكاً.

 

واسأل عن هذه المعيشة الضنك إن شئت نيتشه، وكامو، وسارتر، وغيرهم... ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثًۭا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115]؟!.

 

ومن علمائنا من استهجن القول أن الإنسان مستخلف عن الله في الأرض لأن الله حاضر لا يغيب أبداً، والأصل في الاستخلاف أن يكون أثناء الغيبة فينوب الخليفة عمن استخلفه، لكن استخلاف الله للإنسان في الأرض ليس استخلاف استعانة فالله غني عن العالمين وهو الصمد الذي يحتاجه كل من سواه ولا يحتاج هو أحداً سواه. أما استخلافه للإنسان في الأرض فهو استخلاف امتحان واختبار ليرى ماذا يعمل هذا الكائن الذي آتاه الله من القدرات ما لم يؤت مخلوقاً آخر، والله الحي الذي لا يموت والذي لا ينام ولا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء خبأ نفسه وترك في الكون آياته التي تدلنا عليه وترك الإنسان يعمل ما يشاء ويتصرف كما يشاء ثم هو سيثيبه على ما فعل من خير ويجازيه على ما ارتكب من شر أو يغفر له إن شاء.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة