المتألهون الجاحدون
المتألهون الجاحدون
Whatsapp
Facebook Share

المتألهون الجاحدون

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

تترك أفعال الإنسان آثارها في قلبه، حيث تزيد الطاعات من شفافيته، وحساسيته، وبصيرته، وحيث ترين المعاصي على هذا القلب، فتحيله معتماً كامداً أعمى.

 

وأكثف الران، وأشده ما يترسب على القلب من معصية الكبر والتعالي الذي قد يصل حد التأله، وقد كان فرعون مثالاً للمتألهين من البشر، فقد قال لقومه: ﴿...فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ [النازعات:24].

 

وقال: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى... [القصص: 38].

 

وفي عصرنا الحاضر، عبر فلاسفة الإلحاد عن نزعة الكفر في نفوسهم، وبدا من كلماتهم كيف يمكن لكبر الإنسان أن يبلغ حد التأله فها هو "نيتشه" في كتابه الشهير: "هكذا تكلم زرادشت" يعلن إلحاده، ويقول إنه لو كان هنالك آلهة لما تحمل إلا أن يكون إلهاً.

 

ومثله الفيلسوف الفرنسي الشهير "جان بول سارتر" الذي كان أقدر على إلباس نزعته إلى التأله لباساً من الفلسفة، فهو يقول: إن الإنسان هو الكائن الذي مشروعه في الحياة أن يكون إلهاً.

 

إنه يعمم ما بنفسه على البشر جميعاً، ويتعامى عن أن هنالك الكثيرين الذين مشروعهم في الحياة أن يكونوا عبيداً لله، خلفاء في أرضه، يهتدون بهديه، ويبتغون رضاه.

 

إن الران الذي يتركه الكبر والتعالي، يمكن أن يصل إلى حد الختم على قلب الإنسان، فلا يرى آيات الله في الأنفس والآفاق، ولا يهتدي بهداه.

 

قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰٓ أَبْصَـٰرِهِمْ غِشَـٰوَةٌۭ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌۭ (7) [البقرة: 6-7].

 

وقال تعالى عن قوم فرعون الذين جحدوا نبوة موسى عليه السلام، قال: ﴿وَجَحَدُوا۟ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًۭا وَعُلُوًّۭا ۚ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ [النمل: 14].

 

وعندما يجحد الإنسان الظالم المستعلي هداية الله، يتذرع بمبررات ظاهرها منطقي، فيقول: أنا إنسان علمي، لا أؤمن إلا بما تثبته التجربة الحسية لي.. إنه يطالب أن نريه ونسمعه ونقدم له ما يلمسه بيديه من الآيات، ويدعي أنه سوف يؤمن في تلك الحال.

 

لكن الله العليم بذات الصدور يخبرنا أن هؤلاء المعاندين لن يؤمنوا حتى لو جاءتهم آيات يرونها بأعينهم أو يلمسونها بأيديهم، ولسوف يجدون المبررات والأعذار لكفرهم بها.

 

قال تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًۭا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّوا۟ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوٓا۟ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌۭ مَّسْحُورُونَ (15) [الحجر: 14-15].

 

وقال أيضاً: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰبًۭا فِى قِرْطَاسٍۢ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّا سِحْرٌۭ مُّبِينٌۭ [الأنعام: 7]

 

ويوم القيامة عندما يرى الكافرون العذاب الذي ينتظرهم يدَّعون أن العائق الذي منعهم من الإيمان كان نقص الدليل الحسي الملموس، وأن هذا الدليل قد وجد، وهاهم قد آمنوا، ويطلبون فرصة أخرى يعملون فيها الصالحات.

 

قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة: 12].

 

هم أنفسهم كان لهم موقف مختلف في الدنيا، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًۭا مُّجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّۭ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّۭا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّـَٔاتُ مَا عَمِلُوا۟ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ (33) وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَىٰكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِينَ (34) [الجاثية: 31-34].

 

والله تعالى لن يعطيهم فرصة ثانية، لأنه لو أعطاهم فرصة ثانية لاقتضى أن يزيح ذكرى موقفهم لديه ورؤيتهم لناره إلى اللاشعورهم، مثلما أزاح موقف الإشهاد الذي تمر به ذريَّة بني آدم وهم في بطون أمهاتهم، وذلك كي يكون الإيمان به بالغيب، فيكون داعياً لثوابه، إذ يكون نابعاً من حريَّة الإنسان دون أي إكراه عقليٍّ.

 

وقد قال تعالى عن المجرمين أنه لو أعادهم إلى الدنيا لعادوا إلى ما نُهُوا عنه من معصية وكفر...قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ يَـٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا۟ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا۟ لَعَادُوا۟ لِمَا نُهُوا۟ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ (28) وَقَالُوٓا۟ إِنْ هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) [الأنعام: 27-29].

 

وهؤلاء المطالبون بالدليل الحسي الملموس هم أنفسهم عندما يحيط بهم الموج من كل جانب، ويشعرون أن الموت قريب منهم يتنازلون عن كبريائهم، ويؤمنون بالله، ويتضرعون له مخلصين له الدين بشهادة ربِّ العالمين على إخلاصهم.

 

قال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍۢ طَيِّبَةٍۢ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌۭ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍۢ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ (22) فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَـٰعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23) [يونس: 22-23].

 

وقال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا۟ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت: 65].

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة