المقالات
الحب عند الرجل والمرأة
Whatsapp
Facebook Share

الحب عند الرجل وعند المرأة ♥

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

عندما يقول الدّكتور أحمد عكاشة -وهو المرجع في الطّب النّفسي- إنَّ الرّجل الذّي يُخلِص لزوجته ثلاثين عاماً رجلٌ يحتاج إلى العلاج، فإنَّه يُريد أن يُؤكِّد على حقيقةٍ نفسيّةٍ وهي أنَّ الرّجل مفطورٌ في حبِّه للنِّساء على التّعدُّد، على عكس المرأة المَفطورة على الإفراد في حبِّها للرّجل، والدكتور هنا لا يَقصُد المَرض والعِلاج بالمعنى الحَرفي، إذا ليس في أيِّ تصنيفٍ للأمراض النّفسيّة مرضٌ اسمه الإخلاص للزّوجة، إنَّما هو يَقصُد أنَّ الزّوج الذّي يُحِبُّ زوجته طيلة ثلاثين عاماً دون أن تَميل نفسه إلى سواها أبَداً هو استثناء للقاعدة، ومُختلفٌ مِن هذه النّاحية عن باقي الرِّجال.

 

الحكاية تبدأ منذ السّنوات الأولى مِن العُمر عندما يَكتشف الطّفل أنَّ النّاس جنسان الذّكور والإناث، وأنّه بحكم تكوينه الجسدي إمّا صبي أو بنت. الصّبي ببنيته العضليّة القويّة وبالهرمون الذّكري الّذي يجري في عروقه ويَزيده عدوانيّة ينشأ وهو يَجِد نفسه في استعراض قوّته ومُنافسة غيره، أمّا البنت الّتي تَجِد لها جسداً جميلاً ويَمتَدح جمالها الأهل، وتَسري في دمائها الهرمونات الأنثويّة الّتي تجعلها أقلّ مِن الصّبي عدوانيّة، ولا تُسيطِر عليها روح المُنافسة الّتي تملأ نفوس الذّكور، هذه الأنثى تنشأ على المباهاة بجمالها لا بعضلاتها، وعلى العلاقات الودِّيَّة والأخويّة مع الإناث الأخريات، لا على المُنافسة والاستقلاليّة الّتي يَنشأ عليها الذّكور.

 

ويَكبر الصّبي، وتَكبر البنت، ويَدخُلان طَور المُراهقة والبلوغ الجنسي والعقلي، ويَنظر كلٌّ منهما إلى الآخر فتمتلئ نفسُ الفتى إعجاباً بجمال الفتاة ونعومة جسمها وصوتها ولُطفها وغير ذلك من صفات الجمال الّتي يُحبّها، لكنّه لا يُريد أن يكون فتاةً، فهو راضٍ عن نفسه وذكورته ومُباهٍ بها وبما فيها من قوّةٍ واقتدارٍ، ولا يكون هنالك أمامه مِن سبيلٍ لامتلاك كلِّ الصّفات الإنسانيّة الرّائعة الّتي تَجمَع بين جمال الأنثى وقوّة الذّكر إلّا أن تكون له فتاة جميلة خاصّة به يَشعر من خلال ارتباطها به وارتباطه بها أنَّه حصل على الجمال الّذي أُعجِب به.

 أمّا هي الّتي كبُرَت ونَظَرَت حولها فرأت فتىً مُفعَماً قوّةً وجُرأةً ولا يخلو من الوِسامة، تذكّرت أنَّ جمالها الأنثوي النّفيس في حاجةٍ إلى قوّةٍ تَحميه وتُؤَمِّن له ما يحتاج ممّا لا يُمكِن الحصول عليه إلى بقوّة الذّكر، فقدَّرت القوّة البشريّة حقّ قَدرها، وأدركت قيمتها، فامتلأت نفسها إعجاباً بالذّكر الّذي يَمتلكها وانجذبت إليه تُريد أن تكون له ويكون لها، لتجتمع لها بذلك صفات الكمال الإنساني كلّها، وهكذا تَسكن نفسها وتَطمئن في كَنف ذَكَرٍ محبٍّ، كما تَسكُن نفسه وتَطمئِن عندما يفوزُ بحبِّ أُنثى جميلة وتقبلها ورضاها به صديقاً وحامياً وراعياً.

 

هي تتبعه وتُطيعه وتَستسلِم له، وهو يُدلِّلها ويُعاملها مثل درّة وجوهرة غالية، يُداري مشاعرها ويَتغزّل بجمالها ويَسعَد بمُلامستها، ويَحلُم بإسعادها وتحقيق رغباتها، وهكذا تُحقِّق الزّوجيّة في خلق الإنسان غايتها، فتتشكَّل أسرةٌ من رجلٍ وامرأةٍ يجمعهما المودّة والحبّ المُتبادَل، وتَمتلِئ نفساهما بالرّحمة لا بالعداء والمُنافسة، ويرزقهما الله الذّريّة الصّالحة فتُحقِّق هي ذاتها من خلال الأمومة، ويُحقِّق هو ذاته من خلال رئاسته لهذه الأسرة وقوامته عليها حيث يَستشعِر المسؤوليّة عن كفايتها وحمايتها.

 

لقد فَطَر الخالق الرّجل على حبِّ الجمال الأنثوي والرّغبة في امتلاكه من خلالِ الحبِّ والزّواج، وجعل رَغبةَ الرّجل في المرأة وانجذابه لها فورية بمُجرّد أن يرى جمالها، إنَّها جوهرةٌ وهو جامعٌ للجواهر النّفيسة بالفِطرة، وكلّما رأى جوهرةً جديدةً جميلةً بَهره جمالها وتاقت نفسه إلى امتلاكها، إذ للجمال وجوهٌ متعدِّدةٌ لا تُحصى، وامتلاك أحدها لا يعني أبداً أنَّ النّفس لن تَنجذب إلى غيره ما دامت نفساً مُحبّةً للجمال.

 

الرّجل الذّي يُحبُّ زوجته الحبَّ الكبير، ثمَّ يَنجذِب إلى امرأةٍ ثانيةٍ ويُحبُّها لا يَشعر أنَّه خائنٌ، وذلك لأنّه قادرٌ على حبِّ الثّانية دون أن يَنقُص حبّه للأولى أبداً، إنّه قادرٌ على أن يُحبَّ أكثر من امرأة، مثلما أنَّ المرأة قادرةٌ على أن تُحِبَّ أولادها كلَّهم في وقتٍ واحدٍ وبالقَدر ذاته من الحبِّ لكلٍّ منهم. أمّا المرأة الّتي تُحِبُّ زوجها فإنَّ ولاءها له غيرُ قابل للتّجزئة، وما دامت المرأة سعيدةً في كَنف زوجها فإنَّها لا تَنجذب إلى غيره مهما رأت فيه من صفات، لأنَّها راضيّةٌ بالرّجل الّذي وهبته جمالها وخصوبتها ورعايتها وفازت بحبِّه وعطائه وحمايته، وهي ليست مثل الرّجل تتوق نفسها إلى الجمال الجسدي المُذكّر كلّما وقعَت عينها عليه، إنّما هي تَنجذب إلى الرّجل الّذي يحبّها ويُقدِّرها ويَراها جميلةً جذّابةً، لأنَّ حبَّه لها وانجذابه إليها وإعجابه بجمالها ضمانةٌ لها أنَّه سوف يَستمرُّ في حمايتها وتأمين احتياجاتها وتحقيق رغباتها.

 

وبما أنَّ القَوامةَ للرّجل بالفطرة كان الوَلاء في الأسرة له، أي أنَّ ولاء المرأة يكون لزوجها قبل أن يكون لأحد غيره، أمّا الزّوج فولاؤه للجماعة أي للأمة، أمّا علاقته بزوجته وأولاده فهي علاقةُ التزامٍ ومسؤوليّة وكَفالة أكثر منها علاقة ولاء. وقَد بيَّنت الدِّراسات النّفسيّة الّتي دَرَسَت صداقات الأطفال والمُراهقين كيف أنَّ جماعات الأصدقاء بين الذّكور تتشكّل من خلال علاقة الذّكر بالجماعة أكثر منها من خلال علاقته وارتباطه بفردٍ مُعَيَّنٍ في هذه الجماعة، بينما جماعات الصّديقات فتتكوّن بالدّرجة الأولى من خلال ارتباط كلّ فتاةٍ بفتاةٍ أُخرى وارتباط الأخرى بثالثةٍ وهكذا، ارتباطاً حميماً وعميقاً.

 

إنَّني أُدرِك أنَّ ما قُلتُه يَبُثُّ القَلق في نفوس الزّوجات والنِّساء عموماً، لأنّه بكلِّ بساطةٍ يَعني أنَّ أزواجهنَّ قابلون للميل إلى الأُخريات مهما فَعلْنَ، وأنَّ جمال الزّوجة وتَفانيها في إرضاءِ الزّوج لا يُشَكِّل ضمانةً لها أنَّ زوجها لَن يَنظُر إلى غيرِها. هذا صحيحٌ ، لكنَّ الصّحيح أيضاً أنَّ الرّجل المُستقيم حتّى لو نظر إلى غير زوجته وانجذب إليها فإنَّه في الغالب لن يَتجاوز إلى الفعل، حيث الفعل يَعني إنشاء أسرة جديدة بالتزامات أُسريّة كاملة، ومع اعتذاري للنِّساء فإنَّ الأمر في الغالب لا يَستحِقُّ هَمَّه ووجع الرّأس والأعباء والمسؤوليّات المُترتّبة عليه، خصوصاً إن عَلِمَ الرّجل أنَّ انبهاره بالمرأة الثّانية سيزولُ بعد الزّواج بسنةٍ أو على أبعدِ حدٍّ بسنتين. وإذا عَلِمَ أنَّ زواجه من الثّانية لن يُشبِع رَغبته في الجمال الأنثوي الّذي لا تُحصى أوجهه ومظاهره الفاتنة. وفرقٌ ما بين النّظرِ والتّمنِّي والفعل والالتزام.

 

ثمَّ إنَّ ما ذكرته يجب أن يُطَمئن المرأة إلى أنَّها إن كانت زوجةً صالحةً وفازت بِحُبِّ زوجها فإنَّ إعجابه وانجذابه بمئة امرأةٍ غيرها لَن يُنْقِصَ من حبِّه لها شيئاً، والجميع يَعلم أنَّ عائشةَ رضي الله عنها كانت أوّل زوجة تزوّجها الرّسول محمّد ﷺ بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة، وكانت أحبّ زوجاته إليه بعد خديجة، وأنَّه تزوّج بعدها باقي زوجاته اللّاتي كان يُحِبّهنَّ كما يُحبّها، لكنّها بَقيت الأحبّ إلى قلبه إلى آخرِ يومٍ في حياته حيث مات ورأسه في حجرها.

 

وكلّما حقّقت الزّوجة لزوجها الإشباع الجنسي والإشباعي الرّجولي، الإشباع بالمُعاشرة والإشباع بالطّاعة والاتّباع بحيث يَشعر برجولته معها، كلّما حقّقت له ذلك كلّما قلَّ حماسه للالتزام بامرأةٍ ثانيةٍ مهما أعجبته ومَالَ إليها، وبالمُقابل كلّما أَخفقت الزّوجة في إرضاء رجولة زوجها وفي التّجاوب الجنسي معه كلّما كان لديه دافعٌ أقوى للتّورُّط والالتزام بزوجةٍ ثانيةٍ تُحقِّق له ذلك، وإنَّ أحبَّ امرأةٍ إلى قلبِ الرّجل هي الّتي يَشعر وهو بِقُربها أنَّه رجلٌ: إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حَفِظَته في ماله وعِرْضه.

 

إنَّ الحُبَّ والمَودّةَ والعلاقةَ القويّةَ بين الزّوجين تتغلّبُ على أيّ مللٍ يكون بينهما، لأنَّ الرّجل كلّما تَقَدَّمَ في العُمرِ طَلبت نفسه الحبّ مع الجنس ولَم يَعُد يَقتَنِع بالجَسَد وحده كما هو حال المُراهق والشّابِّ الصّغير، لذا كانت العلاقة الوَدودة بين الزّوجين ضمانٌ أكيدٌ عندما يَذْبُل الجمال الجسدي للمرأة في أوسط العمر وما بعده.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة