المقالات
أثر الفوارق الاجتماعية في الحب والزواج
Whatsapp
Facebook Share

أثر الفوارق الاجتماعية في الحب والزواج

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

عندما يقع إنسان في حبّ إنسان آخر، فإنّه يراه كما يشتهي أن يكون عليه محبوبه لا كما هو في الواقع، إنّه يراه إنساناً مثاليّاً لا عيب فيه ولا يعيبه شيء، وتهون في نظره أيّة عيوب في المحبوب، بل قد يرى فيها جوانب جميلة وصفات تمنح المحبوب نوعاً من التّفرّد والتّميّز، وتضفي عليه مزيداً من الرّومانسيّة، إنّ هذه الطّريقة في النّظر إلى المحبوب ورؤيته كائناً مثاليّاً كاملاً لا عيب فيه يسمّيها علماء النّفس (المَثْلَنَة idealization) وهي تجعل المحبّ يتخيّل أنّ سعادته التّامّة ستكون بقرب هذا المحبوب، وأنّه لن يكون لهذا المحبوب بديل يغني عنه، وبذلك يكون الحبّ رومانسيّاً، ويسمّى في تراثنا "عشقاً"، وقد قال النّبي محمّد ﷺ: "حُبُّكَ الشيء يُعمي وَيُصِمُّ"، وهو بذلك يصف عجز المحبّ عن رؤية العيوب في محبوبه.

 

في الحبّ الرّومانسيّ لا تشكِّل الفوارق الاجتماعيّة مشكلة على الإطلاق، بل الحال كما هو في الحكايات حيث تتزوّج سندريلا من الأمير، وحيث يتزوّج صيّاد بنت الملك وما شابه.... لكن المشكلة هي أنّ هذا الحبّ الرّومانسيّ لا يدوم بين اثنين وبخاصّة بعد أن يتزوّجا، وإن طال عمره كثيراً فإنّه لن يزيد على سنوات قليلة جداً، بعدها يبدأ المحبّ في اكتشاف الحقيقة المرّة، وهي أنّه كان مفتوناً بشخصٍ عاديٍّ، فيه بعض الميّزات لكنّه بشرٌ فيه العيوب، وأنّ السّعادة بقربه لم تكن هي السّعادة الّتي كان يحلم بها، إذ ما زالت الحياة مليئة بالمتاعب والمنغّصات، وعندها يُصاب المحبّ بخيبة وزوال وَهْمٍ تجعله يتساءل كيف ربط حياته بهذا الشّخص الّذي أمامه، والكثير جداً من حالات الطّلاق في الغرب حاليّاً تحدث في هذه المرحلة، مرحلة زوال الوهم والخيبة.

 

وهنا يمكن للفوارق الاجتماعيّة أن تعود للظهور كمشكلة تساهم أحياناً في إيصال الزّواج إلى نهاية غير سعيدة. وقد وجدت الدِّراسات أنّ التّشابه بين الأزواج والأصدقاء والمحبّين على كافّة الأصعدة أدعى إلى قوّة العلاقة وديمومتها، والفوارق الاجتماعيّة عادة تتضمّن بعض الاختلاف في الثّقافة والعادات وطريقة النّظر إلى أمور الحياة، وكذلك تتضمّن فارقاً في المستوى الماديّ حيث يكون أحد الزّوجين من أسرة أغنى بكثير من الآخر، وقد تكون هذه النّاحية أقلّ أهميّة عندما تكون الزّوجة هي الأقلّ ثراءً، أمّا إن كان الزّوج هو الأقلّ مالاً فإنّه سيجد صعوبة في تأمين مستوىً معاشي لائق بزوجته، وسيحسّ بالذّنب تجاهها، وسيكون موقفه ضعيفاً في حال الاختلاف.

 

كما إنّ الفوارق الاجتماعيّة إن كانت لصالح الزّوجة جعلت نظرتها إلى زوجها متناقضة مع دوره في القوامة والمسؤوليّة عن الأسرة، وقد يكون في النّفوس بقاياً من القيم الّتي تقدِّس المال أو النّسب مثلاً فتجعل الزّوج الآتي من طبقة اجتماعيّة أدنى عرضةً لعدم الاحترام من قبل الزّوج الآخر، أو لعدم الاحترام من قبل أسرة الزّوج الآخر الّتي تنتمي إلى طبقة اجتماعيّة أعلى، وهذا يجعل الزّواج أقلّ صموداً في وجه الأزمات.

 

إنّ الحبّ يصمد للفوارق لو بقي رومانسيّاً، وإنّ الزّواج يصمد للفوارق إن كانت القيم السائدة في المجتمع قيماً سامية تحترم الإنسان لإنسانيّته وخلقه وعلمه وأعماله الصّالحة، لكن هذا غير متوفّر في الحالات كلّها، لذا كان الأضمن لنجاح الزّواج أن لا يكون هنالك أيّة فوارق اجتماعيّة، والمثل الخليجي يقول : أنّ جمال الثّوب في أن تكون رقعته من جنسه ولونه، وهذا صحيح من النّاحية النّفسيّة وإن كانت الحالات الّتي صمد فيها الزّواج للفوارق الاجتماعيّة موجودة أيضاً.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة