الأثر النفسي للحجاب -نظرات نفسية في حجاب المرأة المسلمة-
الأثر النفسي للحجاب -نظرات نفسية في حجاب المرأة المسلمة-
Whatsapp
Facebook Share

الأثر النفسي للحجاب

-نظرات نفسية في حجاب المرأة المسلمة-

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

خلق الله البشر جنسين النساء والرجال، وجعل بينهما مودة ورحمة، والمودة هي الحب المتبادل بينهما، وهذا الحب يقتضي انجذاب الرجال إلى النساء وانجذاب النساء إلى الرجال؛ وحتى يكون الانجذاب بين الجنسين نفسياً وليس غريزياً كما هو انجذاب الذكور والإناث في عالم الحيوان، جعل الله في الرجال ما تتمناه النساء من صفات وميزات، وجعل في النساء من الصفات والميزات ما يحبه ويتمناه الرجال، وبذلك يعجب الرجال بالنساء وينجذبون إليهن، وتعجب النساء بالرجال وينجذبن إليهم.

 

لقد أعطى الله الرجل من القوة العضلية وطول القامة ومن روح الاستقلالية والقدرات القيادية ومن حب الإنجاز وتحقيق المكانة، أعطاه من هذه الصفات أكثر مما أعطى المرأة وإن كانت المرأة تمتلك منها ما يكفيها لأداء دورها في الحياة، لكن الخالق العظيم أعطى المرأة بالمقابل من الجمال واللطف والرقة والمروءة التي تجعلها لا تتردد في رعاية من يحتاج رعايتها طفلاً كان أو كبيراً، وأعطاها قدرة على التقبل للآخرين أكثر مما أعطى الرجل وبخاصة أن الرجل مفطور على المنافسة والفردية.

 

وفي الحال الطبيعية يكون الرجل راضياً بذكورته ولا يقبل أن يتخلى عنها، وتكون المرأة راضية بأنوثتها ولا تقبل أن تتخلى عنها. لذلك عندما ينظر الرجل إلى جمال المرأة وإلى أنوثتها المتجسدة في صفاتها وميزاتها النفسية إضافة إلى أنوثتها الجسدية، عندما ينظر إليها ويعجب بها يرغب في أن ينظر أكثر وأن يرى من جمالها أكثر مما يرى، ويرغب أن يلمس جسدها الجميل وأن يتحد به من خلال الاتصال الجنسي، وحتى يحق له ذلك لابد له من أن يتزوجها ويضعها تحت جناحه حيث يشعر أنها له، وأنها جوهرة عليه الحفاظ عليها وحمايتها حتى لو توجب عليه التضحية بنفسه، فقد أصبحت عرضه ولا رجولة لمن لا يصون عرضه.

 

أما المرأة التي نالت الجمال والرقة فإنها تعجب بقوة الرجل التي تتجلى في قوته العضلية وفي قوة شخصيته، وفي مكانته في المجتمع وفي قوته المالية أو العلمية أو الأدبية.. إنها تعجب بكل ذلك وتتمناه لنفسها، لأنها إن ملكته كانت لها الحماية والكفاية وشعرت بالأمان وهي ترى الرجل القوي متعلقاً بها ومعجباً بجمالها وأنوثتها.

 

ولو تأملنا نمو الإنسان من الطفولة إلى الشباب لرأينا كيف يباهي الصبي الصغير بقوته ومهاراته الحركية منذ طفولته، ويكبر ويبقى همه تنمية هذه القوة وتلك المهارات، ومع البلوغ العقلي يدرك الصبي أن للقوة أشكالاً غير العضلات المفتولة والقدرة على القتال أو السباق في الرياضة فيكتسب هماً جديداً وهو تنمية قوته في المجالات التي تناسب ميوله ومواهبه.. أما البنت فإنها منذ طفولتها تشعر أن الجمال هو النعمة الكبرى التي تتميز بها النساء، وتسعد البنت الصغيرة بما تسمعه من المديح لجمالها، و يتكون القدر الأكبر من تقديرها لذاتها على أساس أنها كائن جميل ينال إعجاب الآخرين ويبهر أنظارهم. وتكبر الفتاة و يكبر معها اهتمامها بجمالها وكيف تعتني به أو تزيده بوسائل الزينة المختلفة. وعندما تبلغ الفتاة عقلياً تدرك أن هنالك جمالاً للنفس والروح يضاف إلى جمال الجسد ليجعل المرأة أكثر أنوثة وأشد جاذبية للرجل.

 

وحتى يفوز الرجل بإعجاب النساء يستعرض قوته بأشكالها المختلفة، وبالمقابل تعرض المرأة جمالها وأنوثتها كي تفوز بإعجاب الرجل والقضية تتجاوز حدود الإعجاب والانجذاب إلى حد الاحتياج، حيث يحتاج الرجل إلى امرأة تعينه في الحياة على تحقيق ما يطمح إليه ولهذا قالوا: "وراء كل عظيم امرأة"، والمرأة تحتاج إلى الرجل كي تحقق واحدة من أهم مهامها و أحلامها، إنها الأمومة: ولادة الحياة و إخراج كائن بشري من بين أحشائها ثم تربيته حتى يكبر و يشتد عوده.. إن الميل الفطري للأمومة ميل عظيم، ولا يشعر الرجل به إلاّ في سن متأخرة حين تتراكم نجاحاته و يتذكر أنه في حاجة إلى من يرثه ويكمل مشواره، وإن كان بعض الرجال يرى الإنجاب وكثرة الأولاد إنجازاً بحد ذاته ويسعى إليه من سن الشباب لكن أغلب الرجال لا يحركهم دافع الأبوة للزواج.. والمرأة التي تتشوق للإنجاب والأمومة تحتاج إلى الرجل في البداية حتى تحمل، ثم تحتاجه حتى يعينها في حملها وبعد ولادتها كي تتفرغ لتحقيق أمومتها ما استطاعت أو بقدر ما تحتاج هذه الأمومة من تفرغ. ولا بد لذلك من أن يلتزم الرجل بالمرأة وبولدها من خلال الزواج وتحمل المسؤولية الأبوية السنين الطويلة. وحتى يقع الرجل في الفخ جعل الله فيه رغبة جنسية حاضرة دائماً تجعله يرغب في التمتع الجنسي بأي امرأة تعجبه عندما يراها ويرى جمالها وحسنها، فيشتهيها جنسياً.. يحلم بامتلاكها جنسياً دون أن يحلم بالزواج منها لأن النفس البشرية تفر من حمل المسؤولية. والحصول على امرأة اشتهاها يمثل للرجل فوزاً وانتصاراً عندما يتم دون زواج ودون الثمن المتوجب من الالتزام بهذه المرأة.. إن الامتلاك الجنسي لامرأة معينة يعطي الرجل متعتين، المتعة الجنسية الآنية والجسدية والمتعة المعنوية حيث الشعور بالفوز والانتصار على المرأة ذاتها لأنه نال منها دون مقابل، وانتصار على العقبات والعوائق وهذا شئ تحبه نفس الرجل. ولذلك وصف الله الرجال الذين يزنون بقوله: ﴿فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: 7] أي المعتدون، لأن الزنا حتى لو كان معه حب فإنه عدوان على الأنثى.. والرجال يدركون ذلك بالفطرة لذلك يغار الأخ على أخته و قد يذبح الرجل الذي عاشرها جنسياً دون زواج، أما بعد عقد الزواج فإنه يهنئهما ويبارك لهما. إذن النظر إلى جمال المرأة نظرة اشتهاء فيه رغبة في امتلاك ما ليس له، ولا يخلو الاشتهاء من التخيل الذهني للامتلاك الجنسي، أي يزني بها في خياله، لذلك فإن الاشتهاء بحد ذاته عدوان، والذي يقف في وجهه عادة مشاعر الرحمة، حيث تساهم الرحمة بالجزء الأكبر من الناهي النفسي، أي الدافع الذي يُبْعِد الأب عن اشتهاء ابنته، والرحمة تمنع الابن من أن يشتهي أمه أو أخته.. ومشاعر الرحمة عندما تملأ نفس رجل ما تجعله يغض من بصره فلا ينظر إلى النساء نظرة الاشتهاء والتفحص لمواطن الفتنة والجمال في أجسادهن، بل ينظر إليهن كبشر ونفوس ذات مشاعر وآمال واحتياجات وليس كأجساد خلقت لمن يريد أن يلهو بها.. وفرق كبير بين نظرة الاشتهاء ونظرة الرحمة.. وفي نظرة الرحمة ينظر الرجل في وجه المرأة وبالذات في عينيها إن كان يخاطبها ويغض طرفه عما هو ظاهر من شعرها أو جسدها كي لا يشتهيها.

 

إن الرجل مبرمج على اشتهاء المرأة التي تعرض أمامه مفاتن جسدها، والاشتهاء فعل لا إرادي يحتاج إلى الرحمة لتمنع حدوثه، لكن المرأة التي تعرض مفاتنها تمتحن الرحمة التي عند الرجل، و في أغلب الأحيان تغلب الشهوة ما لدى هذا الرجل من رحمة في قلبه وتكون نظرته لها نظرة اشتهاء سماها صديق لي صحفي "رغبة في الافتراس".

 

إن المرأة التي تتبرج وتتزين تشعر بالسعادة والثقة بالنفس وهي ترى نظرات الرجال تلاحقها لأنها لا تدري أن نظراتهم هذه نظرات اشتهاء جنسي.. أي نظرات إعجاب بجسدها وإهمال لها كإنسان، إنها تقيس الأمور على نفسها، فهي إن أعجبت برجل لا تشتهيه جنسياً، بل تمتلأ بمشاعر الحب والتقدير وإن تمنته لنفسها فإنها تريده زوجاً وليس ضجيع فراش تمتص ذكورته وفحولته ثم ترميه، لأن المرأة بالفطرة تغلب عليها العواطف الرومانسية وتعجب بالرجل كإنسان لا كجسد، والمرأة ببراءتها تظن أن الرجال الذين ينظرون إليها في الطريق ينظرون إليها نظرة الإعجاب والرحمة والرومانسية كما تفعل هي إن أعجبها أحدهم، ولكن الحقيقة أنه ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ﴾ [آل عمران: 36]. هنالك اختلاف في الطباع والميول بين الجنسين، وهذه الناحية من الاختلاف تجهلها أغلب النساء، ولو علمنها وتذكرنها لترددن كثيراً قبل عرض مفاتنهن على الرجال، لأن المرأة تكره أن تكون موضع اشتهاء كل من هب ودب، وتكره أن ينظر إليها أي رجل كجسد جميل لا كإنسان جميل حتى لو كان هذا الرجل زوجها.

 

وهذا لا يعني أن الرجال سيئون لأنهم يشتهون أي جميلة يرونها حتى لو كان لدى أحدهم زوجة جميلة، الرجال جميعهم المتزوج والأعزب الأصل عندهم اشتهاء الجمال الأنثوي المعروض، ولولا هذه العلة فيهم لما تزوج أغلبهم، ولولا البرود الظاهري للمرأة من حيث الجنس واحتياجها إلى الحب كي تتفجر رغبتها الجنسية لما سعى الرجل القوي وراء المرأة الضعيفة محاولاً كسب ودها ورضاها، إن هدوء الشهوة الجنسية لدى المرأة وشدتها لدى الرجل تجعل للنساء على الرجال سلطة وقوة توازن ضعفهن واحتياجهن. ولو كان الرجال مثل النساء من حيث الرغبة الجنسية لما تزوج أكثرهم، ولو كانت النساء في الشهوة الجنسية مثل الرجال لانتفت الحاجة لدى الرجال إلى الزواج إذ ستسعى إليهن النساء مقدمات أنفسهن بالمجان وكان في ذلك ذلهن وتحملهن مسؤولية الانجاب والتربية وحدهن.

 

إن للخالق حكمته العظيمة فيما وضع في نفوس الرجال والنساء من مشاعر وميول مختلفة أحياناً ومتشابهة أحياناً أخرى.

 

وهنا يأتي دور الحجاب حيث لا يرى الرجل من المرأة إلاّ وجهها وكفيها وربما قدميها، وحيث ثيابها سميكة لا تشف وفضفاضة لا تصف، ففي وجود الحجاب لا يبقى للرجل شيء ينظر إليه إلاّ وجهها حيث عيناها وحيث الرجل مضطر إلى التذكر أن هذا الكائن الجميل الذي أمامه إنسان ونفس بشرية ذات مشاعر وأفكار وأحلام وآمال واحتياجات، وإن هو وجدها جميلة نظر إليها نظرة مودة ورحمة لأن الوجه وحده لا يثير شهوة الرجل الجنسية إنما يجذبه إلى المرأة ذلك الانجذاب الودود الرحيم الذي تتمناه، والوجه موطن الجمال الأساسي عند المرأة الذي يدعو الرجل إلى الزواج منها إلاّ إن كان في جسدها عيب كبير يجعله لا يرغب فيها، إن المرأة المحجبة تفوز بإعجاب الرجال وبلطفهم ورحمتهم وتحمي نفسها من أن يشتهوها اشتهاء للجسد كله عداوة. والرجل يتأثر بالدرجة الأولى كما ذكرت بوجه المرأة ثم بشخصيتها وأنوثتها المتجلية في سلوكها وطباعها، أما الجسد فيجعله يتمناها لفراشه لا أكثر وليس رفيقة عمر وشريكة حياة. والتي لم تعجبه وهي في حجابها من خلال جمال وجهها وجمال نفسها لن تعجبه إن رأى مفاتن جسدها، وحتى لو ظن الشهوة حباً وتزوجها لأنه تأثر بمفاتن جسدها فإنه سريعاً ما يمل الجسد وتبدو له غير جذابة. والجسد الجميل إن كان لامرأة يراها رجل ما قبيحة لا يثير فيه الرغبة فيها لأن عنصر الفوز والانتصار مفقود هنا، لأنه حتى لو تمتع به فإنه لن يشعر أنه حقق شيئاً لأنها في عينيه ليست جميلة. هذه حقائق نفسية يجب أن تفهمهما المرأة كي تعلم أن الحجاب لا يفوّت عليها فرص الإعجاب والاستلطاف من الرجال، إنما يحميها من مشاعر الاشتهاء التي ترفض أن تكون محلاً لها.

 

ثم إن الحجاب حماية للرجال من مشاعر الإحباط التي يولدها فيهم النظر إلى أجساد النساء في الطرقات والتلفزيون مما يولد في نفوسهم الاشتهاء لهن دون أن يكون بمقدورهم الوصول إلى ما اشتهته أنفسهم، ولا يكون نصيبهم من ذلك إلا نظرات الشهوة المؤلمة، وقديماً قال ابن الجوزي رحمه الله: "من كثرت لحظاته -أي نظراته للنساء- دامت حسراته".

 

كما إن الحجاب يحمي النساء من آثار الإحباط الذي يولده التبرج والتعري في نفوس الرجال، حيث بينت الدراسات النفسية أن الإحباط يولد العدوان نحو سبب الإحباط، وهذا يعني أن المرأة التي تظهر مفاتنها للرجال وهي لن تمكنهم من نفسها ليتمتعوا بها تقوم بإثارة الإحباط في نفوسهم مما يجعل مشاعرهم نحوها فيها عدائية وعدوان، وهذه مشاعر مضادة ومعاكسة للرحمة التي لابد منها مع المودة لتكون العلاقة بين الجنسين في أحسن أحوالها. إن مشاعر العداوة الناتجة عن الإحباط تقوي في الرجال الرغبة في الامتلاك الجسدي الجنسي للنساء، ويصبح حتى الحب بين رجل وامرأة مختلطاً بهذه الرغبة وهذه العداوة مما يفسد صفاءه ونقاءه، ويجعله غير الحب الذي تسعى إليه المرأة وتتمناه من الرجل، لأنها دائماً تريده أن يحبها هي وأن لا يركز على جسدها، تريده أن يحبها الحب الممزوج بالرحمة مما يجعله لا يرضى لها إلا ما يرضاه لأخته أو ابنته، وهذا يعني أنه لا يرضى لها أن يتمتع بها بالحرام أبداً، هذه هي المودة والرحمة التي يفسدها التعري وإبراز المفاتن.

 

والنساء يعتقدن أن الرجل المتزوج وبخاصة إن كانت زوجته جميلة لن ينظر إليهن نظرة اشتهاء إن رأى جمالهن ومفاتنهن، وهذا اعتقاد خاطئ، لأن الرجل يشتهي ولو كان عنده مئة زوجة جميلة وحبيبة، لأنه إن رأى جمالاً أنثوياً جديداً ومختلفاً عما لديه اشتهاه، وفي الحقيقة تبدو كل امرأة جميلة مختلفة وجديدة للرجل وتثير فيه الرغبة فيها، ذلك أن الرجل مفطور على التعدد في الحب والمرأة مفطورة على الإفراد، وليس الذكر كالأنثى.

 

وينعكس عري النساء وتبرجهن المبذول في كل مكان بشكل سلبي على الحياة الجنسية للزوجين، لأن الرجل بفطرته يثيره جسد المرأة ويجعله راغباً في الاتصال الجنسي بصاحبته، لكن رؤية النساء الكثيرات كل يوم وبعضهن فائقات الجمال ومنتقيات لهذا الغرض، رؤيته لهن كاشفات عن كل مفاتنهن، ولم يبق من جسد المرأة شيء لا يراه الإنسان خارج بيته إلا عورتها المغلظة، ولو كانت تلك العورة جميلة لكشفتها للناظرين، لكن الخالق سمّاها سوأة ولحكمة عظيمة جعلها قليلة الجمال، الزوج يرى ذلك كل يوم، فتحدث لديه ألفة لما يرى والألفة تضعف الحس والتأثر، وهذا يعني أن الزوج بحاجة إلى شهية جنسية قوية وإلى علاقة مودة ورحمة حقيقية حتى يرغب في زوجته جنسياّ، الرغبة الحارة التي ترضي شعور المرأة بأنوثتها وشعورها أنها محبوبة من زوجها. ولو تخيلنا مجتمعاً لا يرى فيه الأزواج إلا نساء محجبات لبقيت للزوجات فتنتهن وأثرهن المثير لرغبة أزواجهن مهما كان جمالهن عادياً، ولأصبحت الحياة الجنسية للزوجين حياة رائعة مشبعة للطرفين. ويبقى السؤال عما يمكن فعله في هذا الزمان، والجواب هو أن يغض الرجال من أبصارهم فيكسبوا الراحة النفسية وتعود إلى نفوسهم مشاعر الرحمة نحو النساء ونحو الجميع وتعود زوجاتهم فاتنات في نظرهم.

 

إن السفور يضع جميع النساء في منافسة جمالية مستمرة، لأن الجميلات جداً هن الأقلية، وحتى هؤلاء لا يخلو من التشكك بجمالهن إلا بعضهن، فكيف الباقيات ذوات الجمال العادي المتوسط، لذلك تلجأ بعض النساء إلى وضع المساحيق بطريقة مثيرة للاستغراب ويلبسن الضيق والشفاف والقصير ليعوضن عن قلة جمالهن، وإن كان ذلك كله لن يغير من الحقيقة شيئاً، إن المرأة خلقت كائناً محباً يحرص على المودة والتآخي مع الآخرين وروح المنافسة لديها ضعيفة إن قورنت بالرجل المفطور على المنافسة والفردية، والسفور يثير في النساء روح المنافسة ويشكل ضغطاً نفسياً شديداً عليهن كما يشكل ضغطاً مالياً أيضاً، أما المتزوجات فيبقى السفور مصدر تهديد لهن كلما نظر أحد الأزواج إلى امرأة سافرة فيها من الجمال ما ليس في زوجته، فتشعر تلك الزوجة بالخوف من أن تفقد حبه وإعجابه بها أو أن تأخذه تلك المرأة منها. وقد يثير ذلك غيرتها ويوتر العلاقة بينها وبين زوجها.

 

وفي هذه المنافسة الجمالية التي يوجدها السفور لن تنعم فائقة الجمال بالتفوق إلا إلى حين، لأن جمال المرأة كما قالوا عنه هو وردة، والوردة دائماً تذبل بعد حين، وتنضم فائقات الجمال إلى جماعة المحبطات عندما تظهر ورود جديدة تنبض بالشباب.

 

إن المتحجبات في راحة من هذه المنافسة، ولو ساد الحجاب في المجتمع لاستراحت النساء كلهن، الجميلات جداً ومتوسطات الجمال، لأن من أصعب الأمور على النفس أن تكون في منافسة دائمة في شئ ليس في يديها، إذ الجمال هبة من الخالق ولا فضل للجميلة فيه على العادية، فهو شيء لم تحرزه بجهدها واجتهادها، ثم إن المنافسة مزعجة جداً للنساء المفطورات على التآخي مع بعضهن البعض.

 

والحجاب مريح للأزواج، لأنه يطمئن الرجل أن الرجال الآخرين لن يستطيعوا رؤية مفاتن زوجته الجسدية ولن يقدروا على اشتهائها أو تخيل الاستمتاع بها طالما أنهم لم يروها.

 

والرجال الذين يعرفون بفطرتهم أن الزنا عدوان، حتى لو كان بالنظر والخيال، يزعجهم جداً أن يقع هذا العدوان على زوجاتهم ويرون فيه عدوان عليهم أنفسهم و إنقاص من قدرهم. ويميزون بين المعاشرة الجنسية الحلال حيث بموجب عقد الزواج يحل للزوجين أن يستمتع كل منهما بالآخر وبين الزنا حيث فيه الفوز بما ليس له، ولذلك استخدمت العملية الجنسية كعبارة إهانة وتحقير وسب للآخرين في أغلب اللغات. إن الحجاب نعمة على الزوجين وليس قيداً.

 

وفي الختام أود أن ألفت الأنظار إلى أن المرأة تتحجب لتحمي نفسها من أن ينظر إليها كجسد يشتهى وليس كنفس بشرية تحترم ولا تتحجب لتقي الرجال فتنتها أي هي تتحجب من أجل نفسها وليس من أجل الرجال، فربنا رحيم وعادل وحكيم ولم يفرض على المسلمة أن تستر كل شيء عدا وجهها وكفيها من أجل الرجال بل من أجل نفسها، أما الرجال فعليهم الغض من أبصارهم إن هم أرادوا أن يحموا أنفسهم من الفتنة وبخاصة أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس كما قال ﷺ. وبالتالي لا يتوجب على الجميلة ستر وجهها لأنها ستفتن الرجال، سداً للذرائع كما يدعي بعض الفقهاء.. الافتتان مشكلة الرجال وليس مشكلتها وعليهم هم التعامل مع مشكلاتهم. وقد يستغرب بعضكم ما أقول لأننا نشأنا على فقه يرى أن تحجب النساء إنما فُرض من أجل الرجال لدرء الفتنة عنهم، وهذا يعكس الروح الذكورية التي كانت عند فقهاء المسلمين القدامى حيث كانوا أبناء عصرهم ومجتمعاتهم وأسرى الثقافة السائدة حينها. ما أقوله يؤكده حكم فقهي ثابت عن رسول الله ﷺ في ما يخص عورة الأَمَةِ أي الجارية المملوكة المسلمة، فعورتها في دين الله كعورة الرجل من سرتها إلى ركبتيها حتى في الصلاة طالما هي عبدة مملوكة، ولحظة تنال حريتها وتعتق يتوجب عليها الحجاب المفروض على بلقي المسلمات، والحكمة في ذلك أن فرض الحجاب عليها وهي أَمَةٌ مملوكة لحمايتها من أن ينظر إليها كجسد يشتهى وليس كنفس بشرية تُحترم سيكون تكليفاً لها لا معنى له، إلا لو كان تحجيب النساء هو من أجل الرجال كما يظن أغلب المسلمين.. كانت تُعامل كجسد في كل أحوالها يتفحصها من يريد شراءها في سوق النخاسة كما يتفحص دابة يريد أن يشتريها، وتبقى تعامل كشيء مملوك طالما لم تنل حريتها، ولا معنى لتكليفها بمشقة الحجاب وهي التي تباع وتشترى ولسيدها حق الاستمتاع بجسدها كما لو كانت زوجته إلا إن زوّجها لرجل حر أو عبد، فعندها لا يحل له لمسها، ولا النظر إلى ما بين سرتها وركبتيها؛ والإماء كنّ في القديم وبخاصة في مجتمع المسلمين بعد رسول الله ﷺ الذين نعموا بالثراء ورغد العيش، كنّ كثيرات جداً ربما أكثر من الحرائر، وكنّ جميلات يؤتى بهن من الشرقيات أو الأوربيات أو الإفريقيات، وكنّ بالتأكيد فتنة للرجل الذي لا يغض من بصره، ومع ذلك لم يفرض ربنا عليهن الحجاب حماية للرجال، لكن بمجرد تخلصهن من العبودية ونيلهن لحريتهن صار المفروض أن يُنظر إليهن كنفوس بشرية تستحق الاحترام وأراد ربنا منهن أن يحمين أنفسهن من أن ينظر أحد إليهن كأجساد تشتهى ويغفل عن إنسانيتهن.

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة