المقالات
الفارق العمري بين الزوجين
Whatsapp
Facebook Share

الفارق العمري بين الزوجين

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

لا تكتمل سعادة الرّجل بامرأة يحبُّها ما لَم يَشعر أنَّه بحصوله عليها كزوجةٍ قد فاز بشيءٍ قَيِّمٍ ونَفيسٍ يَتمنّاه الآخرون... إنَّ الشّعورَ بالفوز والانتصار يَجعَل للأشياء طعماً أحلى وبَهجةً أعظم لدى الرّجل الّذي فَطرَهُ الله قويَّاً يُحِبُّ تَحدِّي العَقبات وتَجاوزها، ويَرى في الحياة سلسلةً مِن الانتصارات على تَحدِّيّاتٍ مُختلفةٍ.

 

إنَّ انتصارَه وفوزَه يُغَذِّي شعوره برجولته ويُضفي معنىً على حياته ويَملأ نفسه رِضاً. وعندما يبحث الرّجل عن زوجةٍ يَنجذِب إلى الّتي يرى حصوله عليها فوزاً وإنجازاً، والجَمالُ سواء جَمالُ الجسم أو جَمالُ الشّخصيّة عاملٌ حاسمٌ في شعوره بالظّفرِ والفَوز، وإن أُضيف إلى الجَمال الحَسَب والنَّسَب والمَنصِب أو الدَّرجة العِلميَّة زادت قيمةُ المرأة في نظره وأحسَّ إن هي صارت زوجته أنَّه محظوظٌ فقد فازَ بجوهرةٍ غاليةٍ.

 

وعندما يكون الرّجلُ شابّاً في العِشرينات مِن عُمرِه تَستهويه الفتاة القريبة له في العُمر، حيث يَجتَمِع فيها الجَمال معَ النَّضج الاجتماعي الّذي يَجعلها صديقةً مُحاورةً تَسْكُن نفسُه إلى صُحبتِها وتأنَس. وعندما يتقدَّم العُمر بالرّجل والمرأة على السّواء وبخاصّة بعد الثّلاثين، يبدأ بالتّدريج البطيء ما يُسمّى في الطّبِّ "التّنكُّس" في الجسد، وما أن يقتربا من الأربعين حتّى يكون الزّمن قد طَبعَ آثارَه في الوجه والشّعر والجسد، وإن كان النّضج النّفسي والرُّشد إلى ازديادٍ واكتمالٍ، وهذا يَعني بلوغ الشّخصيّة أَحسن أحوالها مع عُمر الأربعين.

 

المرأة حول هذا العُمر تُصبِح أكثر تذوُّقاً ورَغبةً في المُتعة الجنسيّة الجسديّة عمّا كانت عليه في العِشرينات مِن عُمرِها حيث كانت تَبحَث عن الحُبِّ والحنانِ أكثر بكثيرٍ ممّا تبحث عن المُتعةِ الجنسيّةِ، والرّجل يُصبِحُ أكثرَ اهتماماً ورَغبةً في العواطف إضافة إلى الجنس، وبالتّالي يُصبِح حبيباً أكمل وأمثَل بالنِّسبة للمرأة الّتي تبقى حتّى نهاية العمر تهتَمُّ بالعَواطِفِ والحُبِّ.

 

ولولا التّنَكُّس في الخلقِ مع التّقدُّم في العُمر، ولولا ظهور علامات الكِبَر ومن بعدها الشّيخوخة، ولو نَضجَ الإنسان في شخصيّته وعواطفه مع السّنين وبقيَ مُحافِظاً على شبابه، فإنَّه لن يبقى مَجالٌ للجيل النّاشِئ من النِّساء والرِّجال الشَّباب كي يَفوزوا بقلوب أترابهم المُماثِلينَ لهم في العُمر، إذ عندما تَجمَعُ المرأةُ بين جمالِ بنت العِشرين وشبابها وبين نُضجِ بنت الأربَعين واكتمال أُنوثتها، لو حَدَثَ ذلك لَمالَ إليها كلُّ الرِّجال، الكِبار والصِّغار، ولَتركوا الجميلة الشّابّة الصّغيرة لأنَّ الأُخرى أَنضَجُ أنوثةً منها إضافة إلى جمالها وشبابها، وكذلك لو بَقِيَ الرّجل شابّاً في الجسد ونَضجَ في الشّخصيّة بحيث صار أَكمَل في الرُّشدِ والحِكمةِ وفي قُدرتِه على العَطاءِ العاطفيِّ فإنَّه سَيُنافِسُ الشّبابَ الصِّغارَ وسَيَتَفَوَّقُ عليهم ويَفوزُ بقلوبِ الفتيات من دونهم... لكن الخَلَّاق العَليم قدَّرَ حياة الإنسان أطواراً بحيث يأخُذ الكُلُّ فرصته، ولا يذهب جيلٌ بنصيبِ جيلٍ آخر.

 

لكن المُشكلة أنَّ الرّجلَ المَفطورَ على حُبِّ الجَمالِ الأنثويِّ وتَقديره وإغلائه بحيث يراه شيئاً رائعاً يَستَحِقُّ أن يَبذلَ من أجل الفَوز به ما يَستطيع، هذا الرّجل يَستَمرُّ في تذوّقِ جمال الشّابّات الصّغيرات مهما تَقَدَّم هو في العُمر، ومهما انتشر البَياض في شَعرِه أو التّجعُدات في وجهه، وحتّى مع الهدوءِ الّذي يُصيبُ شهيَّته الجنسيّة بعد الأربعين عندما يَبدأ الهرمون الذّكَري في الانخفاض لديه، فإنَّ حبَّه للجَمال وتَمنيه أن يَمتلِكَ الجَمال الأنثوي يَبقى قويّاً، إذ كثيرٌ مِن الرِّجال يَتَذَوَّقون الجَمال الأنثوي كما يَتَذَوَّقُ الفنانُ جَمالَ اللّوحةِ الجميلة، ويُحِبُّون امتلاكه والفَوز به مهما تَقَدَّمَ بهم العُمر. والرّجل عندما يتزوَّج في شبابِه يَحصَلُ على زوجةٍ بِحَسَبِ إمكاناته الماليّة والاجتماعيّة، لِذا في الغالِب ما تكون صِفات الّتي يَتزوّجها أقلّ من صِفاتِ فتاةِ أحلامه، عِلماً أنَّ فتاة الأحلام تَميلُ دوماً لأن تَكون صورةً لامرأةٍ مثاليّةٍ في جمالها ورِقتِّها وأدَبِها... ورُغمَ أنَّ أكثرَ الرِّجال لا يَفوزون بفتاةٍ تُمَثِّلُ فتاة أحلامهم، فإنَّهم غالباً ما يكونون سُعداءَ بما أعطاهم الله وراضين ويُحِبُّون زوجاتهم رُغم أنَّهنَّ أقلُّ جمالاً ممّا كانوا يَحلمون به، وتَمرُّ السّنون، وتَكبر الزّوجة ويَكبر الزّوج، وفي أغلبِ الأحيان تتحسَّن الإمكانات الماليّة والمَكانة الاجتماعيّة للرّجل مع بلوغه الأربعين وما بعدها... ومن جهةٍ أُخرى فإنَّ الأربعين وما بعدها مرحلةٌ يتوقّفُ فيها الإنسان عموماً ليُراجع حساباتَه، حيثُ يُفيقُ مِن غَفلتِه عن الموت الّذي ينتظر الأجل المُسمّى، فيَنتبه الإنسانُ إلى أنَّ ما مضى من العُمر أكثر ممّا بَقِيَ، ثمَّ تبدأ الأمراضُ وتَضعُف القوّة، وكلُّ ذلك يجعلُ الإنسان أكثر وعياً لحقيقةِ أنَّ فرصته في الدُّنيا تَسير نحو نهايتها، فيُعيدُ الإنسان حساباته ويُراجِع أولوياته، ويُحاوِل استدراكَ ما فات، ومِن ضُمنِ ذلك ما فاته في الحُبِّ، وهذا يَنطبِق على الرَّجل أكثر بكثيرٍ ممّا يَنطبِق على المرأة، وإن كان هنالك نساءٌ يُحاوِلْنَ في هذا العُمر استدراكَ ما فاتَهُنَّ في مَجال الحُبِّ، لكن تراجُع الجَمال الجسدي للمرأة مع التّقدُّم في العُمرِ يَجعل فرصها أقلّ كثيراً مِن فرص الرّجل، لذلك كانت النِّساءُ الباحثاتُ عن الحُبِّ في هذه المرحلة أقلّ كثيراً من الرِّجال.

 

وعندما يُحاوِلُ الرّجل فوق الأربعين استدراك ما فاته في مجال الحُبِّ والفوز بالجَمال الأنثوي الّذي يتعشّقه، فإنّه يَميلُ ويَنجذِبُ إلى المرأة الّتي تَجمَعُ بين الجَمالِ والشّبابِ والنّضجِ الأنثوي، وهذه الصِّفات تَجتمِع عادةً في النِّساء ما بين العشرين والثّلاثين.

 

أمّا الّتي هي تحت العشرين فهي أقلُّ جاذبيّةً للرّجل متوسِط العُمر لأنَّها ما زالت فيها بَراءَةُ الطّفولة، وهذا يُقلِّلُ مِن جاذبيّتها الجنسيّة لرجلٍ يَبحث عن زوجةٍ جميلةٍ يتزوَّجها لا عن بنتٍ جميلةٍ يَتبنَّاها.

 

بعضُ الرِّجال يَبحثون عن الصّغيرة سواء كانت ناضجةً أو مازالت مراهقةً لأنَّ في أعماق نفوسِهم خوف من الشّيخوخة ووهمٌ أنَّ الارتباطَ بفتاةٍ صغيرةٍ والعيش عيشة الشّباب الصِّغار وحتّى اللّبس كما يَلبسون يَجعل الشّباب يعودُ ويَدومُ رُغم التّجاعيد والوَهن الجسدي، وهذه حالةٌ تنتج عن رَفض التّقدُّم في العُمر ولو كان الرّفض غير منطقي، وهي حالةٌ من عدم النّضج النّفسي وتنطبِق على حالاتٍ قليلةٍ من الرَّجال، لكنَّها حالاتٌ موجودةٌ قد يُصادِف الإنسان حالةً منها فيما حوله.

 

عندما يتقدَّم الرّجل في العُمر ويَبلُغ الأربعين وما بعدها تقلُّ فرصه في التفات الشّابّات إليه وانجِذابهنَّ إليه، لكن إن كان على شيءٍ من الوِسامة، وإن كان غنيَّاً وذا مركزٍ اجتماعيٍّ، فإنَّه يبقى جذَّاباً للكثيرات. فالمرأة الّتي تَبحث من خلال ارتباطها برجلٍ عن الحُبِّ والحَنانِ وعن الحِمايةِ والكفايةِ، والّتي بالتّالي تَنجذِب إلى الرّجل القَوي -والشّاب أقوى دائماً- هذه المرأةُ تُعطي المَكانة والنّضج وقوّة الشّخصيّة والغِنى أهميّةً أكبر من جَمالِ الجَسدِ وقوّته طالما كان هنالك حدٌّ أدنى معقولٌ منهما لدى الرّجل. أي الأولويّة عندها للصِّفات غير الجسديّة، بعكس الرّجل الّذي يُعطي الأولويّة للجَمال الجسدي، هذه المرأة يُمكِن أن تَنجذِب إلى رجلٍ أكبر منها بخمسة عشر أو عشرين عاماً لأنَّها وَجَدَت لديه ما تَبحثُ عنه كلُّ أُنثى من الحُبِّ والحَنانِ والحِمايةِ والكِفايةِ، والرّجلُ الأكبرُ في العُمر عادةً أقدرُ على إعطائها هذه الأشياء وبخاصّة الحُبّ والحَنان الّذي يُعوِّضُ عن الحَنانِ الوالدي المفقود لديها.

 

كثيرٌ من النِّساء الشّابّات يَحلمْنَ بالزّوج الّذي يكون زوجاً عاشقاً وأباً حنوناً ورحيماً في الوقت نفسه. وهذا شيءٌ لا يستطيعه الشّابُّ عادةً، والشّاب في الغالِب يَتضايق عندما يَشعر أنَّ زوجته تُريد منه أن يَعطِفَ عليها ويُدلِّلها كما يُدلِّل الأب ابنته، إنَّه يَنزعج إن كانت لزوجته مُتطلّباتٌ اعتماديّةٌ زائدةٌ، بينما الرّجل الكبير يكون في طورٍ من النّمو النّفسي الاجتماعي يَجعله قادراً على العطاءِ العاطفيِّ والماديِّ أكثر بكثيرٍ من الشّاب.

 

لذا ليس غريباً أن تُحِبَّ شابّةٌ في العِشرين رَجلاً في الأربعين أو الخامسة والأربعين حبَّاً صادقاً قائماً على الإعجاب والامتنان الحقيقيين، ولا غرابة في أن تكون شابّةٌ سعيدةٌ في زواجها من رجلٍ في عُمرِ أبيها، إذ هي طبيعة الأنثى هكذا، ولكلِّ امرأةِ ظروفها واحتياجاتها النّفسيّة وغير النّفسيّة الّتي تختلِف عمّا تحتاجه امرأة أُخرى، ولا يشترط أبداً أن يكون هنالك شيءٌ شاذٌ أو مَرَضيٌّ أو غير طبيعي في مِثل هذا الحُبِّ وهذا الزّواج. صحيحٌ أنَّ الفَقر يدفع الكثير من الشّابّات للزّواج من رجلٍ مُرتاحٍ ماليّاً، وهذا يعني أنَّه في الغالب أكبر منهنَّ بكثير، لكن هذا لا يعني أنَّهنَّ بِعْنَ أنفسهنَّ أو أنَّ أهلِهنَّ قد بعنَهنَّ بالمال، وإن كانت هنالك حالاتٌ من هذا القَبيل حيث تُجبَرُ الشّابّة على الزّواج من الكبير الغَني أو تَقبَل هي رُغم أنَّها لا تميلُ إليه، إنَّما تُريد المال وبعدها لكلِّ حادثٍ حديث، لكن هنالك الكثير من حالاتِ الزّواج القائمة على الحُبِّ والإعجابِ بين شابّةٍ فقيرةٍ ورجلٍ يكبرها بخمسة عشرة أو عشرين سنة، لكنَّه أَمَّنَ نفسه ماديّاً، ولَن تحتاجَ أن تتحمَّلَ معه مشقَّةَ السِّنين الصّعبة من بناءِ النّفس الّتي يَمرُّ بها أغلبُ الأزواج الشّباب؛ عدا عن أنَّها ستكون في الغالب أقرب إلى فتاةِ أحلامه وسيبقى سعيداً بها بقيّةَ حياته ومُستبعد أن يُفكِّر بالزّواج عليها إلّا إن كان بينهما من الخلافات ما يجعله غير سعيد معها.

 

إنَّ الزّوج الكبير يكون في الغالب أكثر صبراً وتَحمُّلاً لأخطاءِ زوجته، حيث يجمع بين الزّوج والأب إلى حدٍّ ما.

 

والحقيقة أنَّ أكثرَ النّاس يتفهَّمون زواج الشّابّة من الرّجل الكبير ولا يَستغربونه إلّا عندما يكون الفارق كبيراً جدّاً بينهما، كأن يتزوَّج رجلٌ في السّبعين من عمره فتاةً في الثّامنة عشرة من عمرها، لكن أكثر النَّاس يَصدمهم زواج شابٍّ في الثّلاثين مثلاً من امرأةٍ في الثّالثة والأربعين، أو ما شابه من الحالات الّتي تكون فيها الزّوجة أكبر من زوجها بسنين كثيرة.

 

هذه الحالاتُ موجودةٌ لكنَّها أقلّ بكثيرٍ من حالاتِ زواج الشّابّةِ بالرّجل الكبير، وذلك لأنَّ الرّجل يَهتَمُّ بجَمال الجسد الّذي يتوفَّر عند الشّابّات المُماثلات له في العمر أو الأصغر منه أكثر بكثيرٍ ممّا يتوفَّر عند النِّساء اللّاتي يَكبرنه في العُمر، ومع أنَّ هنالك رجالٌ لم يَشبعوا من الحنان الوالدي ويَنجذبون إلى المرأة النّاضجة الّتي تَكبرهم في العُمر، فإنَّه لا بُدَّ أن يتوفَّرَ فيها من الجمالِ الأنثوي قدراً جيِّداً رُغم العُمر بحيث تكون جذّابةً جنسيّاً للزّوج الشّاب، ولا بُدَّ لها من أن تُشبِعَ لديه حاجته إلى الحُبِّ والحنانِ وحاجته إلى تقويةِ شعورِه برجولته، وتَنمية هذه الرّجولة من خلال إعطائه مكانته في الأسرة والرِّضا بدوره القِيادي وقوامته عليها معَ أنَّه أصغرُ منها في العُمر، حتّى يَنجحَ زواجهما. وليس الرّجل الّذي يتزوّج امرأةً أكبر منه عُمراً رجلاً شاذّاً ولا مريضاً، إنَّما هو رجلٌ طبيعيٌّ لَم يَشبَع في طفولته من حنانِ الأمِّ وحنانِ الأب، ووجَد امرأةً تُشبِعُ حبّه للجمالِ الأنثوي وتُرضِي شهوته الجنسيّة وتفيضُ عليه من حنانها، فأحبَّها وتزوَّجها وعاشَ سعيداً معها.

 

إنَّ الفارقَ في العُمر لا يُشكِّل عائقاً في تكوين علاقاتِ الحُبِّ الإنسانيّةِ إلّا مِن حيث الانجذاب الجنسي، وهذه قضيّةٌ تختلِفُ من شخصٍ إلى آخر، والعُمرُ فيها يُشَكِّلُ مشكلةً لدى الرِّجال أكثر من النِّساء، لكن يُمكِن للرّجل أن يَجِدَ امرأةً تَجمَعُ بين الجَمالِ والنّضجِ فيكون سعيداً بها ومعها. وكلَّما كانت الحياةُ بسيطةً والثّقافةُ في المُجتمعِ غير متنوِّعة كلَّما تَشابهت أفكارُ الشّابِّ والكبار من الجنسين، وبَدَت الحياةُ متشابهةً على مرِّ السِّنين، وكان الزّواجُ بين الصّغير والكبير ناجحاً، أمّا في المُجتمعاتِ المُعاصرةِ فقد وجِدَ أنَّ الإنسانَ يَمرُّ في حياتِه بأطوارٍ نفسيّةٍ اجتماعيّةٍ تتغيّرُ فيها أولويّاته واهتماماته من طورٍ إلى طور، فبعدَ الطّفولةِ تأتي المُراهقة وهَمّ تكوين الهُويّة المعروف في هذه المرحلة، ثمَّ مرحلة العِشرينات من العُمر حيث أهمّ ما يُفكِّر فيه الرّجل أو المرأة هو الفَوز بشريكِ حياةٍ مناسبٍ وتوطُّد العلاقة معه والتّمتُّع بها، ثمَّ تأتي الثّلاثينيّات من العُمر فيهتمُّ الرّجلُ بمهنته أكثر وتهتمُّ المرأةُ بأطفالها، وبعد الأربعين يَدخُل الرّجل النّاضِج السّوي نفسيّاً في مرحلةٍ من الإنتاجيّةِ العاليةِ في عملِه وحبّ العَطاء لأُسرته ولأمَّته ورُبَّما للإنسانيّة جميعها، كلٌّ بحسب إمكاناته وقُدُراته ومجال اختصاصه. وزواجُ الكبيرِ من الصّغيرةِ في هذه الحالة سيعني أنَّه هو في مرحلةِ الاهتمامِ بالنُّمو المِهني أو في مرحلةِ العَطاءِ والإنتاجيّة، وهي في مرحلةِ الحُبِّ والأُلفةِ والصُّحبةِ، وفي الغالب لَن يَجِدَ الزّوج لديه من الاهتمامِ أو الوقت ما يُشبِعُ رغبةَ زوجته الشّابّة لقضاءِ الأوقاتِ الرُّومانسيّةِ الحلوةِ وللحديث عن الحُبِّ وعن أحلامِ المُستقبل... هنالك شيءٌ ستُحرَمُ منه الشّابّة الّتي تتزوّج بالكبير لكن هكذا الدُّنيا، لا يستطيع فيها الإنسان أن يَحصلَ على كلِّ شيء، وعليه أن يَختارَ ما هوَ الأهمّ بالنِّسبة له ثمَّ يُرَضّي نفسه بذلك ويَصبر على ما حُرِمَ منه، ويُقنِعُ نفسه أنَّ الإنسانَ عليه أن يَعتمِدَ على ذاتِه لإسعادِ نفسه لا أن يَنتَظِر الزّوج أو الزّوجة لِتُسعده في كلِّ المجالات.

 

ومِن روائع الأمور أنَّ نبيّنا محمّد ﷺ كانت أحبُّ زوجتين إليه خديجة رضي الله عنها الّتي تزوّجها وهو في الخامسة والعشرين بينما كانت هي في الأربعين، وعائشة الّتي كانت في الحادية عشرة وهو قد تجاوزَ الخمسين. وحياته مع كلٍّ منهما تُمَثِّل قصةَ حُبٍّ زوجيٍّ رائعة الفصول والنِّهاية. فالنّبي محمّد ﷺ الّذي وُلِدَ يتيماً ثمَّ ماتت أمُّه وهو في السّادسة من العُمر ثمَّ مات جدُّه وهو في الثّامنة من العُمر ليعيش بينَ أولادِ عمِّه أبي طالب، هذا اليتيمُ لَم يَشبَع من حنانِ الأمِّ والأب، ولا غرابة أن سَعِدَ بالزّواج مِن امرأةٍ تَكبَره خمسة عشر عاماً، فكانت خيرَ مُعِينٍ ومُسَانِدٍ له عندما تَحَمَّلَ أعباءَ النُّبوَّة... ثمَّ عندما نَضجَ النّبي محمّد ﷺ بما يَكفي وبَلَغَ الأربعين ونَزلَ عليه الوحي، وصار هو مصدر الحنان والمُؤازرة النَّفسيّة للمؤمنين الّذين معه سَعِدَت عائشة الخارجة مِن الطّفولة لِتَوِّها، في زواجها منه وحبِّه لها أيَّما سعادة، وبالطّبع كان النّبي محمّد ﷺ يَتَمَتَّعُ بالمَكانةِ الاجتماعيّةِ الّتي تَجعلُ أيّ فتاةٍ تُعْجَبُ به وتُحبّه مهما كان الفارقُ العُمري بينهما، لذلك أحبَّته عائشة وأحبَّها ومات ورأسه في حجرها في تعبيرٍ عن سَكَنِ كلّ منهما إلى الآخر حتّى النِّهاية.

 

وقصّة حبّه ﷺ لخديجة الكبيرة ولعائشة الصّغيرة تُؤكِّد لنا أنَّ مِثل هذه الزِّيجات طبيعيّةٌ جدّاً بِشرط أن لا تكون الفتاةُ مجبرةً عليها أبداً. والأصل فيها أن تكون زيجات سعيدة لا يُعاني فيها أحد مِن فارِقِ العُمر. لكن الّذي يَحدُث أحياناً أنَّ الإنسانَ يَنجَذِب إلى رجلٍ أو امرأةٍ بسبب صفة فيه أو فيها أَعجبته ويتزوَّجان، ثمَّ تُصبِح تلك الصِّفة الّتي جمعتهما سبباً للخِلافِ والنُّفورِ ورُبَّما الطّلاق. فالمرأة الّتي يُعجبها الرّجل القَوي الشّخصيّة الّذي يُسيطِر على مَن حوله ويَقودهم، يأتي يوم تَنضُج فيه وتُحِبُّ أن تُمارسَ استقلاليَّتها فَتَصطَدِم بِتَحَكُّمِ زوجها بها وتَحدُث المُعاناة، ومُشكلة التّحكُّم بالطّرفِ الأصغرِ تَحدُث عند وجودِ فارق عُمري كبير، فالرّجل الكبير الّذي تزوَّج شابّةً صغيرةً وتَعوَّد أن يَرسم لها خطوات حياتها يَجِد صعوبةً في التّخلِّي عن هذا الدّور، وذلك يَجعلها تحسُّ بالاختناق بسبب أَوامره وقيوده.

 

وكذلك الشّاب الّذي تزوّج امرأةً أكبر منه وتَقَبَّلَ في السِّنين الأولى تَسلُّمها لِقيادةِ الأُسرة، يأتي يومٌ يَنضجُ فيه ويُريد أن يُمارِسَ رجولته في الأُسرة وقَوامته عليها فَيَصطَدِم بِمَيلِ زوجته إلى التّحكُّم فيه رُبَّما بِدافعِ خوفها مِن فَقدِه وهو الشّاب الصّغير بينما هي المرأة المُتوسِّطة في العُمر، فَتُشَدِّد عليه الخِناق، ويَزدادُ شعوره أنَّها تُعامله كَطفلٍ حتّى تَصِلَ الأمور إلى الطّلاقِ أحياناً.

 

عند الزّواج معَ وجود فارق عُمري كبير، على الزّوج الأكبر الانتباه إلى احتياجاتِ الزّوج الأصغر، وإلى أنَّ شخصيّةَ الأصغر سوف تتبدّلُ معَ العُمر ولا بُدَّ مِن مُراعاةِ ذلك حتّى يَبقى سعيداً معه.

 

وطالما أنَّ الزّواج بين الأَصغر والأكبر تمَّ دون إكراهٍ، إنَّما كان عن انجِذابٍ وحُبٍّ، وطالما استمرَّ الحُبُّ وشَعَرَ كلٌّ مِن الزّوجين أنَّ الطّرفَ الآخر لا يُقَصِّر في حقِّه، فَلَن يأتي اليوم الّذي يَشعُر فيه الأًصغرُ بالغُبْنِ أو الخَجَلِ بالزّوجِ الأكبر، لكن عندما تُجبَرُ امرأةٌ شابّةٌ على الزّواجِ مِن رَجُلٍ كبيرٍ، ثُمَّ لا يَنجَح في كَسبِ قلبها وحبِّها وإعجابها به، فإنَّها منذ البداية ستَخجَلُ به، وهذا ممّا يُنَغِّصُ عليها كثيراً، إذ المرأة بِفِطرتها تَحلُم بالزّوج الّذي تُباهي به وتَقولُ دونَ خَجَلٍ "أنا زوجةُ فُلان"، فليس هنالك رجلٌ يُعَرِّفُ نفسه للنّاس على أنَّه زوجُ فُلانة مِن النّاس، لكن كلّ الزّوجات يُعَرِّفْنَ أنْفسهنَّ على أنَّهنَّ زوجات رجالٍ مُعَيَّنين، إلّا عندما يكون الرّجل مَوضِعَ خَجَلٍ بالنِّسبة لها لأنَّه ليس مُحترَماً في المُجتمَعِ أو لأنَّه بَغيضٌ لها وتَكرَه الحياةَ معه والارتباطَ به.

 

أمَّا الشّاب الّذي يتزوّج بأكبر منه، فقد يأتي يومٌ يكون هو فوق الأربعين وهي تَقتَرِبُ مِن السِّتين، والنّاسُ يَظنُّونها أمّه، وقَد يحرجه ذلك، لكن ما دامَت لا تُنافسه على القَوامةِ على الأُسرةِ فَلَن يُشَكِّلَ ذلك مُشكلة، وقد يتزوّج بثانيةٍ أصغر منه في العُمر لِيَعِفَّ نفسه مِن شوقها إلى الجَمال الأنثوي وهو ما زال في عِزِّ رجولته، وقد نَضَجَ وصار يُسعده أن يُعطي الحُبَّ والحنانَ بعد أن تجاوزَ مرحلةَ الأخذ العاطفي إلى مرحلة العَطاء.

 

أمّا ما يَخصُّ الرّغبة الجنسيّة فإنَّ الهدوء الّذي يُصيبها عند الرّجل بعد الأربعين لا يُشكِّل مُشكلةً إلّا في الحالاتِ المَرَضِيَّةِ كالاكتئاب أو العُضويَّةِ الّتي تُضعِف الانتصاب، وهذه تَكثُر مع العُمر لكنَّها تَحدُث حتّى لدى الشّباب في العِشرينات مِن العُمر، ويَجِب أن تُعالَج عند حدوثها، والعُمر بحدِّ ذاته قلَّما يُشكِّلُ مُشكلةً إن وُجِدَت العافية، وبخاصّة أنَّ الرّجلَ المُعافى وإن هدأت رغبته يبقى يتأثَّر بمُبادرات زوجته ويَستجيبُ لها، إنَّما يَقلُّ تَفكيره بالجنس وانشغاله به وتَقلُّ مبادرته إليه.

 

أمّا المرأة فلا تَضعُف رغبتها في أوسطِ العُمر، بل بعدَ الثلاثين تزدادُ رغبتها في الجنس بالتّدريج ولا يَبقى تركيزها على الحُبِّ والعاطفة كما كان عندما كانت صغيرة، لذا تبقى قادرةً على الاستجابة لزوجِها الشّاب بما يُشبِع رغبته؛ هذا كلّه عند غيابِ الأمراض وبخاصّة الاكتئاب النّفسي.

 

وفي الختام يجب علينا أن نتذكَّرَ أنَّ المُهم مِن الزّواج أن يُحقِّقَ السّكن النّفسي للزّوجين، وفي أغلب الحالات الّتي فيها فارق عُمري كبير يكون هذا الفارق مِن العوامل الّتي تَجعل الزّواج ناجحاً في إسعادِ هذين الزّوجين وتحقيق السّكن النّفسي لهما، لذا يجب أن ننظُر دائماً باحترامٍ لهذه الزِّيجات، وإن كان هذا لا يَمنع مِن توعية الشّباب والشّابّات حول هذا الزّواج حتّى يَتَخذُّوا قراراتهم على عِلم فلا يَتَفاجَؤوا بما لَم يَحسبوا حسابه في المُستقبل ولا يَندموا على ما فعلوا.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة