المقالات
زواج الفتاة من الكهل
Whatsapp
Facebook Share

زواج الفتاة من الكهل

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

عندما يُكلِّفُ شابٌّ أمَّه أن تَبحثَ له عن عروسٍ فإنَّها تبحثُ له عن أصغرِ وأجملِ فتاةٍ يُمكِنُ الفوزُ بها، والأمُّ هنا تُراعي مصلحةَ ابنها في فتاةٍ جميلةٍ، وكلَّما كانت الفتاةُ أصغرَ عُمراً كلَّما كان ذلك أحسن، لأنَّه مهما كَبرَ ابنها فستبقى لديه زوجةً شابَّةً لَم يَذبل جمالها؛ صحيحٌ أنَّ جمالَ المرأةِ أسرعُ ذبولاً وأنَّ العُمرَ يَظهرُ عليها أسرع مِنَ الرّجلِ، وأنَّ ذلك قد يَجعل الرَّجل في أوسطِ العُمرِ إن كانت زوجته مُماثلةً له في العُمرِ يَتَطلَّعُ إلى الشّابَّاتِ وجمالهنَّ، هذا كلّه صحيحٌ، لكن الصّحيح أيضاً أنَّ الإنسانَ يَمرُّ في حياته عبرَ أطوارٍ مُتعاقبةٍ مِن حيثُ النّموِّ النَّفسيِّ الاجتماعيِّ، حيثُ يَنشغِلُ في كلِّ طورٍ مِن هذه الأطوارِ باهتماماتٍ تختلفُ عن اهتماماتِه في الطّورِ السّابقِ أو الطّورِ اللّاحق... أمّا عندما يكونُ فارِقُ العُمرِ بين الزّوجِ والزّوجةِ لا يَزيدُ عن سنواتٍ قليلةٍ فإنَّ نَضجَ الأُنثى الّذي يَسبِقُ نَضجَ الذّكَرِ في مرحلةِ المُراهقةِ وبدايةِ الشّبابِ بسنتينِ على الأقل، هذا النّضجُ والفارقُ الضّئيلُ في العُمرِ يَجعلُ كلّاً مِنَ الزّوجِ والزّوجةِ يَعيشانِ الطّورَ نفسه مِن حيثُ النّموِّ النّفسيِّ الاجتماعي، وحتّى نُطَبِّقَ هذا الكلام على حالةِ هذه السَّيِّدةِ الّتي تَزَوَّجت وهي بنتُ خمسة عشر رَجلاً في الثّانيةِ والثّلاثين، نذكُرُ أنَّ الإنسانَ في مرحلةِ المُراهقةِ الّتي كانت فيها هذه الشّابّةُ عندما تَزوَّجت يكون مُنشغلاً بِتكوينِ الهويَّة، أي تحديدِ مَن سيكون وماذا سيكون في حياته، وتحديد الأفكارِ والعقائدِ والتَّوجُّهاتِ السِّياسيَّةِ والمِهنيَّةِ ونوعيَّةِ الحياةِ الّتي يُريدها والأهدافِ الّتي يُريدُ أن يُحقِّقَها في حياته، ومثلُ مَنْ مِنَ النّاسِ يُريدُ أن يكونَ بما في ذلك هل سيتزوَّجُ أم لا، وهل سيتزوَّجُ في أقربِ فرصةٍ أم سَيُؤخِّرُ ذلك حتّى ينهي دِراسته أو حتّى يكوِّنَ نفسه مهنيَّاً وماليَّاً.

 

وواضحٌ أنَّ هذا الزّوجَ كان قد اتَّخذَ قراره أن لا يَتعجَّل في الزّواجِ، لأنَّه لا يُريدُ بدء أُسرة وهو مُبتدئٌ ماليَّاً، فانتظرَ حتّى تَجاوزَ طَور الشّبابِ المُبكِّر بينَ العِشرينَ والثّلاثينَ حيثُ يكونُ الهَمُّ الأكبرُ للرّجلِ والمرأةِ على السّواء تكوين أسرةٍ والارتباط بشخصٍ مناسبٍ مِنَ الجنسِ الآخرِ والارتواءِ مِنَ الدفءِ العاطفي الّذي تُقدِّمه هذه العلاقة الّتي يَضمنُ الزّواجُ استقرارها معَ الشّعورِ الجميلِ الّذي تُعطيه الأمومة للمرأةِ والأبوَّة للرّجلِ، لقد تجاوزَ هذا الرّجل هذا الطّور ودَخَلَ في الطّورِ الّذي بعده وهو طور الشّبابِ المُتأخِّرِ أو الكهولةِ المُبكِّرةِ قبلَ أن يَتزوَّجَ، والرّجل بينَ الثّلاثينَ والأربعينَ يُرَكِّزُ بِشدَّةٍ على مهنتِه والتَّرقِّي فيها سواء مِن حيث الشّهاداتِ أو الخِبرةِ أو الرّتبةِ، إذ المَفروض أنَّه بينَ العِشرينَ والثّلاثينَ أعطى للحياةِ العاطفيَّةِ حقّها مِنَ الاهتمامِ وصارَ لديهِ أولادٌ واستقرَّت حياته الزّوجيّة.

 

والّذي حَدَثَ أنَّ فتاةً في الخامسةِ عشرة وهي على أعتابِ طَورِ الاهتمامِ بالحُبِّ والعاطفةِ والرّابطةِ الزّوجيَّةِ، تَزَوَّجها رجلٌ آخِذٌ في الغَوصِ في مَشاغِلِ العَملِ والمهنةِ وتكوينِ النَّفسِ مِنَ النّاحيةِ الماليَّةِ، وليس في مزاجِ مُسايرتها في تمضيةِ الوقتِ الثّمينِ معها لِتبادُلِ الرَّومانسيَّةِ والتَّمتُّعِ بالقُربِ الجسديِّ والعاطفيِّ مِن شريكِ الحياةِ، إنّه يُريدُ زوجةً يُكملُ بها الّذي كانَ ما يزالُ ناقصاً في حياته بحيثُ لا يبقى فيها خانات فارغة. هذا القولُ يَنطَبِقُ على الرَّجلِ الّذي يُصَنَّفُ نفسيَّاً على أنَّه مُدمِنُ عملٍ ولا يُعطي لكلٍّ ذي حقٍّ حقّه في حياته.

 

وبالمُقابل عندما تتزوّجُ فتاةٌ في الخامسة عشر مِن عُمرِها بشابٍّ يَكبرها بسبعة عشر عاماً وأموره الماليّة جيِّدة فإنَّها تتوقَّعُ منه الاهتمامَ الزّائد والتّدليلَ إذ تكونُ في نَظره كالجَوهرةِ الثّمينةِ لأنَّها أصغرُ منه بكثيرٍ تَجمعُ بينَ الجَمالِ والشّبابِ، ولأنّه دونَ أن يَشعُرَ يُدَلِّلها تَدليلَ الزّوجِ لزوجته وتدليلَ الأبِّ لابنته، وهنا تكونُ الصفقةُ عادلةً حيثُ يَتَقَدَّمُ العُمرُ بهما لِيَدخُلَ هو أوسط العُمرِ وتكون هي في مُقتَبَلِ الشّباب، ولا يكونَ لديه مِنَ الفَراغِ والطّاقةِ العاطفيَّةِ ورُبَّما الجنسيَّةِ ما يُشبعُ كلّ رغباتِها، لكنَّه يُعَوِّضُ عن ذلك مِن خلالِ حبِّه الممزوجِ بشيءٍ مِنَ الأُبوَّةِ ومِن خلالِ تدليلِه لها وحرصه على سعادتها، وعطائه لها الكثير في الأمورِ الماديَّة، وهكذا هي الحياة، قَلَّما تُعطي أحدنا كلّ شيء، زيادة في شيءٍ تُعَوِّضُ حرماناً في شيءٍ آخر.

 

لكن المشكلة في حالةِ السَّيِّدةِ التي نتحدث عنها لا تَكمنُ في فارقِ السِّنِّ الّذي له إيجابيَّاته وله سلبيَّاته ممّا قد يَجعل المُحصِّلة طيِّبة بحسبِ أولويّاتِ كلِّ فتاة، المشكلة هنا أنَّ الزّوجَ مُدمِنُ عملٍ وضعيفُ الشَّهيَّةِ الجنسيَّةِ الّتي لو كانت طبيعيَّةً لديه لأجبرته على الاقترابِ عاطفيَّاً مِن زوجته أكثر بحيثُ يُحقِّقُ لها ولو حدَّاً أدنى مِن حاجتها إلى الحُبِّ الزّوجي.

 

والرِّجالُ مُدمنو العملِ مَيَّالونَ إلى أن يكونوا عَمليينَ وإلى أن يَعتَبروا العَواطفَ والرّومانسيَّاتِ أموراً قليلةَ الأهميَّةِ بغضِّ النَّظرِ عن عُمرِ الزّوجةِ، وإن كانَ تَقارُبُ الأعمارِ يَجعلُ المُشكلةَ أقلّ حدّةً وبخاصّة إن كان هنالك إعجابٌ شديدٌ بالزّوجةِ يَشدّه إليها ولو في السّنواتِ الأولى مِنَ الزّواجِ على الأقل. 

 

يجبُ على كلِّ الرِّجالِ سواء كانوا مُدمني عملٍ أو غير مُدمنين للعمل، عليهم أن يَتذكَّروا أنَّ أهمَّ إنجازٍ تُحقِّقه المرأة هو حُبُّ رَجلٍ يُعجبها لها، أي أن يكونَ هنالك رجلٌ هي به مُعجبةٌ وهو لها مُحبٌّ، والزّوجُ هو ذاكَ الرّجل عادة، لِذا عليه أن لا يَحرمها مِنَ الشّعورِ أنَّها حقّقت في حياتها شيئاً مِن خلالِ إشعارِها بحبِّه لها، وذلك يَحتاجُ إلى كلماتِ الحُبِّ يُسَمِّعُها إيَّاها ولو كلّ يوم مهما طالَ عمرُ زواجهما، ومِن خلالِ المُغازلةِ والمُلاطفةِ والاحترامِ والإقبالِ عليها عاطفيَّاً وجنسيَّاً، حيثُ تَشعر الزّوجةُ أنَّها مُهمَّةٌ لِزوجِها وأنَّها شيءٌ في حياته له قيمةٌ وله لزومٌ ممّا يُعطيها الشّعور بالرِّضا والأمان.

 

والّذي يَجبُ ذكره أنَّ فارقَ العُمرِ بينَ الزّوجينِ ليس عائقاً للحُبِّ بينهما، حيثُ يُمكن أن تكونَ شابَّةٌ في العِشرين عاشقةً لِرَجلٍ في الخمسين إن كان له مِنَ المَكانةِ والشّخصيَّةِ ما يَجعلها تُحبّه وتتعلَّقُ به أكثر ممّا تتعلَّقُ بِشابٍّ مِن عُمرِها، إذ لكلِّ إنسان قيمه الخاصّة وأولويَّاته في الحياةِ ومعاييره في تَقييمِ الآخرين.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة