المقالات
العنف الأسري
Whatsapp
Facebook Share

العنف الأسري

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

كثيراً ما تحمل إلينا الصّحف أخبار جرائم وأعمال اعتداءٍ جسديٍّ ولفظيٍّ ونفسيٍّ بشعة تقع من شخصٍ على واحدٍ من أفراد أُسرته كالأب أو الأمّ أو الأخ أو الأخت أو الزّوج أو الزّوجة أو حتّى الأطفال. ونستغرب عادةً وقوع هذه القَسوة ضمن الأسرة الواحدة لكنّنا ننسى أنّ أوّل جريمة قتلٍ عرفتها البشريّة كانت قتل أخٍ لأخيه، عندما قتل قابيل أخاه هابيل.

 

يرتبط أفراد الأسرة الواحدة عادةً بعلاقاتٍ قويّة، لكن العلاقة لا يشترط فيها أن تكون حبّاً خالصاً رغم أنّها تقوم مثل الحب يجعل الإنسان يحرِص على البقاء قريباً ممّن تعلّق به، ومثال ذلك تعلُّق طفلٍ بأمٍّ لا تعامله بالحبِّ والرّحمة والحساسيّة لاحتياجاته. وهذا التّعلُّق يُفسِّر به علماء النّفس بقاء كثيرٍ من النِّساء مرتبطاتٍ بأزواجٍ يضربونهنّ ويمارسن معهنّ أصناف الإهانة والإذلال والتّخويف المُتكرّر.. إنّ مفهوم العلاقة أوسع من مفهوم الحبّ، والّذي يجمع بين النّاس في أُسَرٍ واحدةٍ هو العلاقة بالدّرجة الأولى وليس الحب، لكن إن وجِدَ الحبّ والرّحمة في هذه العلاقة كانت العلاقة مثاليّة وكانت الحياة سعيدةً حقّاً.

 

وضمن الأسرة الواحدة تمتلئ النّفوس أحياناً بمشاعرٍ سلبيّةٍ مختلفة قد تُرافق الحب، وقد لا يكون هنالك حبّ معها، ومِن هذه المشاعر الحسد والغيرة والتّنافس والغيظ والحقد والرّغبة في الانتقام... وهذه مشاعر لها أسبابها في نفس صاحبها أو هي ردُّ فِعْلٍ على أفعال القريب الموجّهة نحوه وعلى إساءاته لصاحب هذه المشاعر. وعادةً تبقى هذه المشاعر إمّا مكبوتة أو مكظومة، لكن بعض المواقف تدفع بها إلى الوعي أو تجعلها واضحة في السّلوك.

 

ومشاعر التّنافس والحسد والغيرة هي أشدُّ ما تكون بين أفراد الأسرة من الجنس الواحد، كالأب وأبنائه والأخ وأخيه، وكذلك بين الإناث، أمّا مشاعر الغيظ والغضب فإنّها تتعدّى حدود الجنس الواحد، وقد تمتلئ بها النّفس نحو الأب أو الأمّ لأنّها كثيراً ما تكون ناتجة عن عدم قيام الأب أو الأم بإشباع رغبات أطفالهما كلّها فيكون هنالك إحباط لدى الأطفال يُوَلِّد هذه المشاعر، وقد تنتج الرّغبة في الانتقام عن هذه المشاعر أو عن مشاعر الحسد والغيرة عندما يرى أحد الأبناء أنّ أخاه أو أخته استأثر بنصيبٍ أوفى من حبّ الوالدين واهتمامهما، وهذا يذكِّرنا بأخوة يوسف الّذين أرادوا قتل يوسف وكادت أن تقع جريمة قتلٍ ضمن الأسرة الواحدة، ومع ذلك فقد وقعت جريمةَ رميه في البئر وتركه إمّا ليموت أو ليأخذه النّاس عبداً.

 

والمشاعر ضمن الأسرة الواحدة سواء بين الزّوجين أو الإخوة أو الوالدين وأولادهما تمتاز عادةً بأنّها شديدة مكثّفة سواء كانت مشاعر إيجابيّة أو سلبيّة، فكم من أمٍّ حنونٍ جعلها غيظها من طفلها المُزعج تتمنّى موته أو تتمنّى لو تقتله بيدها، وكم من زوجٍ أو زوجةٍ تمنّى أحدهما موت الآخر في لحظةِ غيظٍ وانزعاجٍ، لكن المشاعر شيءٌ والفعل شيءٌ آخر، ثمّ إنّها عادةً مشاعر عابرة يتبعها عند هدوء النّفس مشاعر الحبّ الكبير والاستعداد للتّضحية والفِداء لهذا المحبوب.

 

لكن المشكلة تكون عندما يتعوّد شخصٌ ما حلَّ مشكلاته بالعنف ويتكرّر حصوله على ما يريد عن طريق العنف دون أن ينال جزاءه، والمشكلة تكون على أسوأ ما يكون عندما يكون هذا الشّخص متمرِّداً على الحلال والحرام لا ضمير لديه ولا إحساس بالآخرين، فتكون شخصيّته سيكوباثيّة فاسدة ومتمرّدة وبلا قيم، عندها قد يَقتُل شابٌّ أمّه الّتي رفضت إعطاءه المال ليشتري به مخدّراً أُدمنَ عليه، فيقتلها ببشاعةٍ ودون مشاعر ولا يحسُّ بعدها بتأنيب الضّمير. وكذلك عندما يقتُل أحدهم أباه ليرثه بسرعةٍ، أو تقتل إحداهنّ زوجها لتتمتّع بماله مع عشيقٍ لها... وأمثلة كثيرة أخرى على ما يمكن أن يصل إليه إنسان سيكوباثي بلا ضمير.

 

وللقيم السّائدة في المجتمع أحياناً دورها في حدوث جرائم بشعة بلا تأنيب ضميرٍ من أفرادٍ ليسوا سيكوباثيين، ومثالها الجرائم الّتي تقع في حقِّ النِّساء غسلاً للعار الّذي يتصوّر رجال الأسرة أنّه وقع عليهم، وفي هذه الحالات تصبح المرأة الّتي جلبت العار لأسرتها عدوّاً في نظرهم يجب استئصاله دون رحمةٍ أو تردّد.

 

أمّا بين الزّوجين فكثيراً ما تكون جريمة قتلِ الزّوجة خاتمةً لمسلسلٍ مأساويٍّ من الاضطهاد لهذه الزّوجة، حيث يتكرّر ضرب الزّوج لها، وتخويفه وإهانته لها، وعادةً يميل هذا العدوان على الزّوجة إلى أن يكون كلّ مرّةٍ أشدّ وأقسى من المرّة السّابقة، حيث تُستَعمَلُ فيه الأدوات والأسلحة، وحيث يَبلُغ ذروته بجريمةِ قتلِ الزّوجة، لذا من أخطر الأمور صبرُ الزّوجة على رجلٍ من هذا الصّنف الّذي كثيراً ما يكون مُتعاطياً للخمرِ أو المخدراتِ، وذلك على أملٍ كاذبٍ في أنّه سيتحسّن يوماً ما.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة