الغيرة والشك
الغيرة والشك
الغيرة شعور يدفع الإنسان إلى حماية ما يغار عليه، لذا فإنّها دائماً تتضمَّن مشاعر الغيظ والعداء، وتَظهر في السّلوك على شكل غضب وعدوان، هذا ما نراه في طفل صغير يغار من أخٍ جديد جاء ينافسه على اهتمام أمّه به، وهذا ما نراه في غيرة أحد الزّوجين على الآخر عندما يشعر أنّ الطّرف الآخر بحاجة إلى حمايته من الآخرين.
المرأة بغريزتها تُدرِك هذا المعنى في الغيرة، لذا نجدها تسعد وتُسَرُّ إذا غار زوجها عليها وترى ذلك علامة على حبّه لها، وإن لم يُبْدِ الزّوج الغيرة المتوّقعة والمرجوّة تشكّكت في مدى حبّه لها وحرصه عليها.
صحيح أنّ أحد دوافع الغيرة والاندفاع للحماية هو الحب، لكن الحب ليس الدّافع الوحيد وراء الغيرة وبخاصّة غيرة الرّجال. الغيرة تشتدّ كلّما كان الرّجل أقلّ ثقةً بنفسه، وكلّما رأى نفسه أقلّ من باقي الرّجال وكان في زوجته من الجمال ما يلفت النّظر، عندها يشعر دائماً أنّ زوجته معرّضة لأن تُفتن برجلٍ آخر ولأن تُعجب بغيره، وشعوره بالتّهديد أنّه قد يفقد هذه الزّوجة يجعله في غيرة دائمة تدفعه في كثير من الأحيان إلى خنق حريّة زوجته وحبسها في سجن من صنعه يبرّره بفتاوى دينيّة متشدّدة أو بأعراف وتقاليد تجاوزها الزّمن؛ ثمّ هو دائم التّحقير لها ووصفها بالغباء والقبح وغير ذلك ليحطّم ثقتها بنفسها فلا تتطلّع إلى غيره، وهنا يظهر لنا بوضوح كيف أنّ الغيرة لم تكن وليدة الحب للزّوجة بل نتيجة الحب للذّات مع عقدة نقص واستعداد لظلم الآخرين من أجل نفسه.
والرّجل بفطرته يُدرك أنّ نيل رجل آخر من زوجته جنسيّاً سواء كان ذلك مجرّد الفوز بنظرة إلى مفاتنها أو لمسة لجسدها أو ما هو أكثر من ذلك، يُدرك الرّجل أنّ ذلك نوع من العدوان على زوجته أولاً وعليه هو ثانياً، لذا كان الرّجال دائماً مستعدين للقتال في سبيل أعراضهم، لكن ذلك لا يدلّ بالضّرورة على حبّ الزّوج لزوجته، إنّما يغار عليها لأنّه يريد أن يحمي نفسه وقدره ومكانته من أن يتمكّن أحد من أن ينال منه عن طريق زوجته أو أخته أو ابنته، فتكون الغيرة دافعاً للحماية لكن ليست لحماية الزّوجة أو الأخت بقدر ما هي لحماية شرف الزّوج وكبريائه، لذا نرى بعض الرِّجال يذبح زوجته أو ابنته أو أخته إن نال منها أحد، يذبحها بلا رحمة ليغسل عاره مع أنّها قد تكون ضحيّة وقد لا يكون الذّنب ذنبها فيما حدث أو لا يكون ما حدث شيئاً كبيراً.. ومرّة أخرى نرى الغيرة انتقاماً وحماية للذّات لا دليلاً على الحب.
وعندما تنتج الغيرة عن ضعف الثّقة بالنّفس فإنّها تتحوّل إلى اتّهام وشك في الزّوجة بلا دليل، والّذين يقعون في سلوك الاتّهام والشّك غير المبرّر بزوجاتهم أشخاص إمّا هم وسواسيّون يضعون الاحتمالات الصّغيرة جداً ويفترضون حدوثها، أو هم أناس لهم طبع زوري شكّاك بحيث لا يكادون يثقون بأحد، أو أناس مرضى بمرض الشّك والغيرة المرضيّة حيث تسيطر عليهم شكوك وأوهام أنّ الزّوجة تخونهم فيلجأ الزّوج في هذه الحالة إلى اتّهامها المتكرّر، وإلى مراقبتها والتّنصّت على مكالماتها، دون أن يقنعه شيء ببراءتها، والغيرة المرضيّة لا تتحسّن بالإقناع، إنّما هي أوهام تتحسّن بأدوية نفسيّة خاصّة، لكن المؤسف أنّ من يعاني من مرض الشّك والغيرة المرضيّة لا يشعر ولا يصدّق أنّه مريض ولا يقبل أبداً الذّهاب إلى الطّبيب النّفسي إلّا إن أُجبر على ذلك إجباراً.
والمرأة الّتي زوجها يشكّ فيها وهي بريئة امرأة معذّبة، لأنّ أغلى ما لديها عرضها وهو يتّهمها فيه، ولأنّ أقرب النّاس لها هو من يتّهمها دون مبرّر، والزّوجة في هذه الحالة عليها أن تكون واضحة أمام الزّوج بحيث لا تترك داعياً للشّك لديه، فإن استمرّ شكّه واتّهامه لها فعليها تقييم الموقف، إذ بعض هؤلاء الأزواج المصابين بالغيرة المرضيّة ينتهي به الأمر بقتل زوجته أو إيذائها إيذاءً بالغاً، فإن شعرت أنّ الزّوج لديه من العدوانيّة ما يجعله يؤذيها يوماً ما فلتحزم أمرها إذ خيرٌ لها أن تبقى بلا زوج من أن تكون ضحيّة رجل مريض يرفض العلاج، أمّا إن كان شكّاكاً لكنّه غير عدواني فإنّ الزّوجة يمكنها أن تكون حازمة معه وترفض سلوكه وتطلب منه الامتناع عن اتّهامها إن كان يريد أن تستمرّ حياتهما الزّوجيّة، هذا بالطّبع إضافة إلى حرصها على الوضوح في جميع تصرفاتها مراعاة لطبيعة زوجها، وأحياناً تنجح الزّوجة بمفردها أو بمساعدة الآخرين في إحضار الزّوج للعلاج، وذلك يتوقّف على شدة مرضه ومقدار عدوانيّته.