الحكمة من مناسك الحج
الحكمة من مناسك الحج
في كل عام، ومع اقتراب ذي الحجة، تهفو أفئدة مؤمنة كثيرة إلى بيت الله الحرام، وتتوق للحج إليه.. إنها تحلم برؤية البيت العتيق، والطواف حوله، والصلاة عنده، وتشتاق إلى الصفا والمروة لتسعى بينهما كما سعت هاجر.
إنها تتوق إلى عرفة، وإلى مزدلفة، وتتمنى أن تمسك بالحصى، وترجم تلك المواقف التي ظهر فيها الشيطان لسيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- محاولا إخراجه من إسلامه، وانقياده لله تعالى.
ويبقى السؤال الذي يخطر في البال: ما الحكمة من تلك الفريضة التي تحتاج إلى المشقة البالغة، والمال الكثير لأدائها؟ فالمؤمن يعرف أنه لا بد هنالك من حكمة وراء أي تكليف يكلفنا الله به، وبالتأكيد هنالك حكمة من أن الحج محدد بمكان واحد معين يقصده الحجيج من كل مكان، وليست الحكمة محصورة في المناسك نفسها من طواف، وسعي، ووقوف في عرفة، أو رمي للجمرات، أو حلاقة للشعر، أو ذبح للهدي. ذلك أن كل هذه المناسك يمكن القيام بها في مكان إقامة المؤمن، مثلما تقام الصلاة في كل حي أو بلدة. وكنت فصلت القول حول الأثر النفسي لكون الحج محدداً في مكة المكرمة وعند أول بيت وضع للناس، وبين الصفا والمروة وعند زمزم والجمرات.
سؤال متكرر: ما الحكمة، وما السر في الطواف حول الكعبة بعكس عقارب الساعة سبعة أشواط؟ وما الأثر النفسي لهذا الطواف؟
وسؤال مثله عن السعي بين الصفا والمروة وعن تكبد المشقة للوقوف بعرفة في وقت محدد من العام، ثم الوقوف بمزدلفة وبعدها منى، ورمي الجمرات، وحلق الشعر، أو تقصيره.
وقد يقول قائل: إن الطواف حول الكعبة بعكس عقارب الساعة يشبه دوران الكواكب في أفلاكها، وإن السعي بين الصفا والمروة إعادة لما قامت به هاجر وهي تبحث عن الماء لرضيعها.. وإن رمي الجمرات تكرار لما فعله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وهذا كله صحيح، ولكن أين الحكمة في ذلك؟ الحكمة التي تقتضي الرحلة الطويلة، والمشقة العظيمة، التي يزيدها أن هذه المناسك يجب أن تؤدى في موسم معين من السنة مما يؤدي إلى التزاحم عليها؟ أليس من الواضح أن التشبه بدوران الكواكب في أفلاكها، وإعادة ما فعله إبراهيم وهاجر لا يستدعي تلك المشقة البالغة؟ أو لم يقل النبي ﷺ عن الحج: إنه جهاد المرأة والضعيف لما فيه من مشقة وجهد؟
يبدو أن الحكمة المقنعة غائبة هنا، ولكن قد يكون غيابها هو الحكمة بعينها.
عندما يتلقى الإنسان أمراً صادراً عن شخص آخر بفعل شيء ما، سواء كان هذا الشخص صاحب سلطة عليه أو لم يكن، فإنه ينفذ هذا الأمر الذي تلقاه مدفوعاً في أغلب الأحيان بأحد ثلاثة دوافع، أو بمزيج اثنين منها، أو أكثر.
الدافع الأول هو الخوف من عاقبة فورية للعصيان، ويكون التنفيذ خضوعاً للإكراه، والتهديد، والابتزاز، فإنك قد تنفذ أمر لصٍّ مسلح بأن تخرج محفظة نقودك، وتضعها في يده، وقد يتخلى طفل صغير عن لعبة تشبث بها، ويتركها لأخيه عندما يستشعر من نبرة صوت أمه أو أبيه قرب العقوبة.. وقد يغادر الإنسان أرضه وداره حفاظاً على حياته، أو عرضه أو دينه.. والخضوع للإكراه يختلف عن الطاعة.
أما الدافع الثاني الذي قد يقود المرء إلى تنفيذ ما صدر إليه من أوامر، فهو الاقتناع العقلي بهذا الأمر، ورؤية مصلحة له في القيام به، أو أن يكون القيام به يشبع رغبة نفسية لديه، ويرضي هواه. ويكون التنفيذ هنا ناتجاً عن موافقة الأمر لهوى الإنسان أو قناعته، فهو طاعة للهوى القلبي، أو القناعة العقلية، أو كليهما، وليس طاعة لصاحب الأمر.
أما الدافع الثالث فهو الطاعة لصاحب الأمر، إذ ينفذ الإنسان الأمر الصادر إليه طاعة للذي أمره، وإرضاء له دون خوف من سيف مسلّط على رقبته، أو إيذاء متوقع عند الرفض، وينفذه بغض النظر عن قناعته بالأمر الذي صدر إليه، وبغض النظر عن موافقته لهواه أو معارضته له.. إنه يطيع مُسَلِّماً قياده للذي أمره، لا يقاوم الأمر، ولا يتذمر، ولا يجادل، ولا يتردد. وهذا ما فعله إبراهيم عليه السلام عندما تلقى أمر ربه أن يحمل زوجته الضعيفة هاجر مع ابنها الرضيع إسماعيل عليه السلام، تلك الزوجة الشابة الحبيبة، وذلك الابن الغالي الذي أتى بعد طول انتظار، يحملهما ليتركهما في وادٍ غير ذي زرع حيث لا مؤنس ولا معين.
لقد أطاع إبراهيم عليه السلام، وهو المسلم المثالي في طاعته لله تعالى، ولم ينتظر أن تتبين له الحكمة كي ينفذ أمر الله، على الرغم من أن الأمر كان مخالفاً لهوى قلبه المحب لزوجته وابنه، ومخالفاً لعقله الكبير الذي على الرغم من كبره لا يعلم الغيب.
والطاعة والإسلام لله تعالى كان خلق هاجر عندما تركها إبراهيم مع رضيعها في ذلك الوادي القاحل، واستدار قافلاً فسألته: لمن تتركنا؟ آلله أمرك بهذا؟ فلما قال: نعم، قالت: إذاً لن يضيعنا الله. إنها الطاعة لله والتوكل عليه.
وتمر السنون، ويكبر الرضيع، ويصير شابا وقرة عين لأبيه العجوز الكبير.. فيأتيه أمر جديد: أن يذبح ولده الحبيب بيده دون ذنب اقترفه.. إنه أمر يخالف هوى إبراهيم، ذلك الأب المحب الرحيم، ويخالف عقله وقناعته، إذ ما الحكمة التي يمكن لإبراهيم أن يراها في أن يذبح ابنه بيده؟
ولم يكن لدى إبراهيم قناعة أو هوى يوافق هذا الأمر، ولم يكن واقعاً تحت الإكراه والتهديد.. لكن المسلم المثالي هو الذي ينقاد لله ويطيع، ذلك العبد الحقيقي الذي لا يتمرد على خالقه، ولا يتذمر من أوامره، ولا يتردد في تنفيذها..
لم يضع إبراهيم وقتاً، بل نقل الأمر إلى ولده الحبيب ليشاركه طاعة الرب العظيم فقال:
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ ...﴾ [الصافات: 102]. لم يكن إبراهيم مترددا ينتظر التشجيع، أو التثبيط من إسماعيل، إنما أراد أن يخيّر إسماعيل في أن ينصاع لأمر الله طاعةً واستسلاماً، أو يقوم إبراهيم بتنفيذ أمر الله، سواء تعاون إسماعيل أو قاوم، ولكن إسماعيل سليل الأب المسلم المثالي والأم المسلمة المثالية كان مسلماً حق الإسلام مثلهما، فقال: ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: 102].
وفي الطريق إلى مكان الذبح يظهر الشيطان لإبراهيم محاولاً بعث روح التمرد والعصيان فيه، فيرميه إبراهيم ويرجمه بالحجارة عند تلك المواضع التي يرجمها الحجاج.
ويجتاز إبراهيم وإسماعيل اختبار الطاعة لله تعالى، ويفدي الله إسماعيل بذبح عظيم، فالله أرحم من أن يفجع والداً محباً مطيعاً لله مثل إبراهيم بولده وبيده، لكنه البلاء والاختبار.
﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)﴾ [الصافات: 103 - 107].
أما نحن فإننا عندما نقطع المسافات الشاسعة، وننفق الأموال الطائلة، كي نذهب إلى هناك، ونعيد تمثيل أفعال إبراهيم، وهاجر، وإسماعيل التي تجسدت فيها طاعتهم المطلقة لله، طاعة مجردة عن القناعة العقلية، أو الهوى القلبي، إننا عندما نقوم بذلك نقوم بطاعة مماثلة لطاعة إبراهيم، وهاجر، وإسماعيل، إذ نتكبد المشاقّ، ونضحي بالمال من أجل أن نقوم بمناسك لا يرى فيها عقل الإنسان ما يبرر تلك المشقة، والنفقات، والتزاحم، نؤديها بحماسة واندفاع على الرغم من خفاء الحكمة فيها، وغيابها عنا.
فبغياب الحكمة المقنعة من تلك المناسك تتخلص طاعتنا لله في أدائها من أي شائبة تشوبها من طاعتنا لعقولنا أو قلوبنا، فليس فيها ما يشبع الفكر إقناعاً، أو يحرك الأهواء ويستفزها.
هناك حيث يتدافع الأمي مع العالم العبقري ليرمي كل منهما حصياته، وهناك حيث يسعى الرجال والنساء بين كتلتين صغيرتين من الصخر إحداهما الصفا والثانية المروة، ويكررون السعي سبع مرات.
إنها مناسك تتجسد فيها طاعة أسرة نموذجية في إسلامها القياد لله تعالى إسلاماً كاملاً جعلها قدوةً وأسوةً، نسافر إلى هناك من أجل أن نقلد ونحيي بعض أفعالها تقليداً ظاهره البساطة والبدائية، وجوهره الطاعة الحقيقية، على الرغم من الذكاء والثقافة والعلم الراسخ. لذلك يعود المؤمن الذي يحج الحج المبرور من حجه ونفسه أكثر انقياداً لله تعالى؛ وأكثر إسلاما واستسلاما له، فقد مارست الطاعة الحقيقية المطلقة الخالصة لله تعالى، مارستها مع الألوف المؤلفة من المسلمين، ورددت معهم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك). إنه إعلان للاستعداد الدائم للاستجابة الفورية لله تعالى دون تردد ولا تذمّر، ولا جدال (لبيك اللهم لبيك).
أليست الحكمة العظيمة كامنة في غياب الحكمة المقنعة من تلك المناسك المعظمة؟! ﴿ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
عندما يصل الإنسان إلى البلوغ العقلي الذي يتزامن في الحالة الطبيعية مع البلوغ الجنسي، يشتد ميله إلى الفردية والاستقلالية، ويأنف من تبعيته السابقة للكبار فيأخذ في المحاولة كي يشق طريقه في الحياة بشكل مستقل وبطريقته الخاصة. في هذه المرحلة تتحدد ملامح الهوية التي يرتضيها لنفسه، وذلك إما نتيجة بحث شخصي ومحاولات يقوم بها المراهق يتشبّه فيها كل مرة بشخص قد أُعجب به، فيقلده في لباسه، أو طريقة كلامه أو نشاطاته حتى يتوصل إلى الصفات والأهداف الحياتية، والمهنة، والآراء، والاتجاهات التي يرضاها لنفسه، ويعتبرها خاصة به يعيش بها ولها.
والذي يعنيه علماء النفس بالهوية هو: جواب الإنسان على سؤاله لنفسه: (من أنا؟ وماذا أريد أن أكون، وأن أحقق في حياتي؟). إن هوية الإنسان تشتمل على مشروع حياته بكل جوانبه كما يحدده هو، أو كما يحدده له المجتمع متمثلاً بوالديه، ومدرّسيه، وباقي مصادر السلطة في المجتمع، ويقبل هو بهذا المشروع، ويحدد هويته على أساسه.
والهوية كما ذكرت تتضمن جواب الإنسان على سؤاله: (من أنا؟)، وعلى سؤاله: (إلى أين أنا ذاهب في هذه الحياة؟)، وهناك في الحج تتأكد صفة الإسلام كوصف أساسي للمسلم، فلو سأل: من أنا؟ لأسرع الجواب إلى ذهنه مبتدئاً بأنا مسلم.. فالحاج يعيش أياماً عدة مع الآلاف الكثيرة من المسلمين الذين أتوا من كل بلاد العالم، لا يجمعهم هنالك رابط أقوى من إسلامهم وإيمانهم بربٍ واحدٍ، وكتابٍ واحدٍ، ونبيٍ واحدٍ.
ومع أن إحساس الإنسان بتميزه القومي أو الوطني أو العرقي أو اللوني كمقوّم هام من مقوّمات هويته يشتد إن وجد في بيئة غريبة، في بلد غير بلده، وبين أناس من غير جنسه، فإنه في الحج الذي يأتي فيه المسلمون من كل قطر ولون وعرق ولغة توحدهم ملابس الإحرام، وهتافات: (لبيك اللهم لبيك)، هنالك يضعف إحساس المسلم بكل جوانب هويته التي تميزه عن باقي المسلمين من الشعوب الأخرى أو الأعراق والألوان المختلفة، ويبرز جانب الإسلامية والعبودية الموحدة لله تعالى الطائعة لأوامره، الملبية لندائه، وبذلك تترسخ الصبغة الإسلامية لهوية الحاج، ويتعمق شعوره بالإسلام لله تعالى كمميز له عن البشر الذين تمنعوا عن الانقياد لمولاهم، أو تمردوا عليه وحاربوه.
ولعل هذا أهم أثر نفسي لكون الحج مؤتمراً عاماً سنوياً للمسلمين، إنه مؤتمر، ومخيم، ودورة، وأكثر من ذلك.
قال ﷺ: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (متفق عليه).
وقال أيضاً: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (متفق عليه).
لقد جعل الله في النفس الإنسانية القدرة على إدراك أخطائها، ومحاسبة ذاتها، فيكون شعورها بذنبها، ولومها لنفسها حافزاً لها، لتتوب، وتصلح ما أفسدت، وتعوّض الآخرين عن إساءتها إليهم.
ولوم النفس يدل على الخير في هذه النفس التي تحاسب ذاتها، وتعترف بخطيئتها.
أما النفس الظالمة المكابرة المتبعة لهواها، فقلما تلوم نفسها، إنما هي دائما تتعامى عن أخطائها وعيوبها وتضع اللوم على الآخرين، وتحمّلهم مسؤولية ما أصابها، وما أصابهم على يدها.
فعندما عصى آدم وزوجه ربهما وأكلا من الشجرة التي نهاهما عنها قالا: ﴿...رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، أما عندما عصى إبليس ربه ورفض السجود لآدم فإنه اتهم الله أنه أغواه، ورفض إبليس أن يرى خطيئته، بل أنكر مسؤوليته عما فعل، فقال: ﴿...رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)﴾ [الحجر:39 - 40] وقال: ﴿...فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 16 - 17].
ولأن النفس اللوامة تصدر عن موقف إيماني لا يبطر الحق، ولا يغمط الناس، ولا يستعلي على رب العالمين، موقف من طبعه الإقرار بالحق، لا الكذب على النفس وعلى الغير؛ لأن النفس اللوامة تصدر عن مثل هذا الموقف، فقد أظهر المولى تقديره لها عندما أقسم بها فقال: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)﴾ [القيامة: 1 - 2].
لكن لوم النفس إن زاد عن حده تحول إلى مرض نفسي يشل الإنسان ويثبطه ويصبغ حياته بالكآبة والحزن والقلق وعدم الطمأنينة، فالذي يغلبه الشعور بالذنب يعيش خائفاً من أن يعاقبه الله في الدنيا والآخرة، ويزداد خوفه من أن يداهمه الموت قبل أن يتحرر من خطاياه، وبذلك يصبح قلقاً، ويكره نفسه لما تسببت به من معاصٍ بحق الخالق وإساءاتٍ بحق الناس فيكتئب.
وعلى الرغم من أن باب التوبة مفتوح دائماً، وعلى الرغم من أن الله قال في الحديث القدسي: "فاستغفروني أغفر لكم" فإن الكثير من النفوس المؤمنة ذات الضمائر الحية يبقى فيها قدر من الشعور بالذنب ولوم النفس، بانتظار طاعة كبرى كالحج، طاعة مجسدة، فيها المشقة والبذل، كي تحس تلك النفوس المتحرجة بأنها قد عوضت عما أخطأت بحق مولاها، فتطمئن إلى أنها رجعت من حجها كيوم ولدت نقية من الخطايا، قد غفر لها، وفتحت لها صفحة جديدة، فيكون في إحساسها ذاك راحة لها، وتحرر من الشعور بالذنب، ولوم النفس، وبالتالي شفاء من القلق والاكتئاب الناتجين عنهما، وهكذا يعود المؤمن من حجه المبرور أكثر عافية نفسية، تملؤه السكينة والطمأنينة، مندفعاً بحماسة ليخطّ في صفحته الجديدة كل فعل خير يرضي الله تعالى.
فالحمد لله الذي شرع لنا الحج، وجعل لنا عليه الأجر العظيم.