الضغوط النفسية والتعامل معها
الضغوط النفسية والتعامل معها
يعيش الإنسان بشكل متواصل تحت ضغوط نفسية متنوعة، فهو كائن له رغبات وحاجات وآمال، وكل عائق أمام تحقيق رغباته، يشكل ضغطاً نفسياً عليه، وكذلك كل تهديد، له أو لما يحبه ويحرص عليه، فهو ضغط نفسي عليه. حتى الأشياء السارة والمفرحة، لها ضغطها على النفس البشرية. إن التغيير متعب للنفس البشرية، التي بطبعها ترتاح للثبات والاستقرار، وتهاب الجديد، فحتى الفرح له ضغطه على النفس، بما يثيره من انفعال وتنبه.
الضغوط التي تقع على الإنسان عادة هي، إما ضغوط تبث في نفسه الخوف والقلق وتوقع ما لا يسر، أو ضغوط تبعث في نفسه الحزن والأسى، وربما اليأس، أو ضغوط تشعره بالخزي والمهانة، أو تستثير غضبه وعدوانيته، أو تشعره بالحرمان والاحتياج، أو تسبب له الآلام البدنية، أو تعيقه، فلا يتمكن من تحقيق ما يرغب في تحقيقه.
وتتنوع مصادر هذه الضغوط، حيث بعضها ينتج عن عوامل طبيعية غير مواتية، وبعضها يأتي من الآخرين على شكل ضغوط اجتماعية، تهدف إلى إجباره على السلوك بطريقة لا يرغب فيها، أو تتطلب منه المدافعة عن حقوقه التي يحاول بعضهم أن يسلبه إياها. وقد تأتيه الضغوط من شعوره بالعجز عن أن يعيش بحسب القيم التي يؤمن بها، وقد تكون الضغوط ناتجة عن الفقر، أو الضعف البدني، أو اللون، أو العرق، أو غير ذلك.
يكثر الحديث عن الضغوط، من حيث هي عوامل مؤذية للنفس، لكن للضغوط فائدتها بالتأكيد. فهي تخلق لدى الإنسان الدافع النفسي ليتصرف على نحو معين مفيد له أو لمجتمعه.. ولعل قولهم: "الحاجة أم الاختراع" مثال على كيف يفيد ضغط الحاجة في دفع الإنسان للبحث عن حلول لمشكلاته، فيتطور العلم، وتتقدم البشرية كلها، بفضل ضغوط تعرض لها فرد أو أمة. ولولا الخوف من الرسوب وما يأتي به من خزي، إذاً لتكاسل أكثر الطلاب. ولولا الخوف من التهديدات، لما بُنيت الدفاعات، ولما اخترعت الأسلحة.. والأمثلة كثيرة.
أما الضغوط الشديدة، التي تفوق قدرة الإنسان على تحديها، فإنها تسبب المعاناة النفسية، وقد تؤدي إلى هلاك الإنسان. فالخوف الزائد من الإخفاق والرسوب، يشل التفكير ويؤدي إلى الإخفاق الذي يهابه الإنسان.
يختلف البشر من حيث قدرتهم على تحويل الضغوط إلى تحديات تثير الهمة، وتدفع إلى الاجتهاد من أجل التغلب عليها. البعض بُنيته النفسية ضعيفة، لأنه قابل للقلق الزائد، أو الاكتئاب، أو الأمراض البدنية، لذا هو ينهار تحت ضغوط نفسية يتحملها الناس عادة. وهذا الضعف في أكثر الأحيان ناتج عن عوامل وراثية مهيئة للاضطرابات النفسية، وعن ظروف معيشية وتربوية، لا تساعد شخصية الإنسان على النضج والنمو، واكتساب مهارة حل المشكلات، اللازمة للتغلب على مصاعب الحياة.
أما عن أعراض الضغط النفسي، فإنها تختلف من شخص إلى آخر، بحسب تكوينه، وبحسب قابليته للأمراض المختلفة. البعض تصيبه قرحة المعدة إن هو تعرض للضغوط، والبعض الآخر يرتفع ضغطه، وغيرهم يرتفع السكر في دمه، أو تضعف مناعته، أو يصيبه القلق، أو الاكتئاب، أو الوسواس القهري، أو العجز الجنسي، أو يقع فريسة الإدمان.. وغير ذلك كثير. كل ينكسر عند نقطة الضعف لديه. لكن هناك الكثير ممن يتحملون الضغوط رغم صعوبتها دون أن يمرضوا جسدياً أو نفسياً.
من أهم الاستراتيجيات للتغلب على الضغوط النفسية، النظرة الواقعية للأمور، لأن مشكلات الحياة تؤثر فينا بمقدار ما نراها سيئة. ليست العبرة بالمشكلة، بل العبرة بنظرتنا لها. لذلك علينا دائماً البحث عن الإيجابيات في كل شيء مهما كان بغيضاً. وعلينا أن نترابط ونتحابب إذ ليس كالمساندة النفسية والاجتماعية التي يقدمها الإنسان لأخيه الإنسان شيء يجعله قوياً في وجه المصائب والمصاعب والإحباطات والتهديدات الكثيرة التي يتعرض لها. وعلينا أن ننمي لدينا ولدى أولادنا مهارة حل المشكلات بحكمة وعلينا الاهتمام بالتنمية الروحية لأنفسنا إذ ليس مثل التوكل على الله شيء لمعالجة المخاوف من المستقبل ومن كل مجهول وكذلك الصبر الذي يساعد الإنسان على التكيف النفسي مع الظروف المختلفة وغير المرغوبة وعلينا التعلم والتدرب على ما يلزمنا في الحياة لنبني ثقتنا بأنفسنا في كل مجالات حياتنا.