حول الحب الرومانسي
حول الحب الرومانسي
Whatsapp
Facebook Share

حول الحب الرومانسي ♥

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

إنَّ مجنون ليلى وقيس لُبنى نموذجان من التّاريخ العربي للحبِّ الرّومانسي الّذي ما كان يكاد يُعرَف في أوروبا في ذلك الزّمان، ثمَّ بدأ الأوربيُّون يعرفونه بالتّدريج البطيء منذ القرن الثّاني عشر ميلادي، حيث كانت مسرحيّة شكسبير (روميو وجولييت) بمثابة النّموذج الأوربي المشهور للحبِّ الرّومانسي.

 

ويقوم الحبُّ الرّومانسي أو ما سمّاه الباحثون العرب "العشق" يقوم على الحلم بالسّعادة الكاملة، تأتي من العيش بقرب الحبيب وعلى الاعتقاد بكمال الحبيب والعجز عن رؤية العيوب فيه، وهو ما يُسمِّيه عُلماء النّفس "المَثْلَنَة" أي النّظر إلى الحبيب على أنَّه إنسانٌ مثاليٌّ، وأنَّه هو الإنسان الّذي يحلم المحب بالارتباط به طيلة العمر، وأنَّه لا أحدٌ غيره يُمكن أن يَحِلَّ محلّه ويَعيض عنه، والصّورة المثاليّة هذه يراها المحب في محبوبه ويُسقطها من نفسه على هذا المحبوب الّذي يبدو لباقي النّاس إنساناً عاديّاً مثل باقي البشر.

 

ولَمَّا كان العشق أو الحبّ الرُّومانسي يقوم على الحلم بالسّعادة التّامّة في قُرب المحبوب وعلى أساس "مَثْلَنَة" المحبوب واعتقاد الكمال فيه، فإنَّ هذا العشق ينمو ويزدهر ويدوم في جوٍّ مِن عدم التّأكُّد وصعوبة الوصل بسبب العقبات الّتي تحتاج إلى المُغالبة في سبيل الوصول إلى المحبوب، أو بسبب الصّدود من المحبوب وأمل المُحب أنَّه سينجح يوماً في استمالة قلب محبوبه وكسب ودَّه ومن ثمَّ النّعيم بقربه.

 

إنَّ حلم السّعادة المُطلقة الّتي يتوقّعها العاشق، وكذلك وَهْمُ الكمال في المَعشوق لا يَصمدان أمام الواقع، وذلك عندما يتحقّق الحلم ويفوز العاشق بمعشوقه وينال قُرْبَه ويجمعهما بيت الزّوجيّة، حيث يتوفّر كلٌّ منهما للآخر كلَّ الوقت، هنالك يكتشف العاشق أنَّ معشوقه بشرٌ ككلِّ البشر فيه الضّعف والعيوب البشريّة، كما يكتشف أنَّ قُرْبَه وإن جَلَبَ له بعض السّعادة فإنّه لم يجلب كلَّ السّعادة ولم يحلَّ كلَّ المشكلات، إذ ما تزال هنالك في الحياة مُنغصَّاتٌ ومَصاعبٌ ومُشكلاتٌ، لذا فإنَّ قصص العشق الّتي خلّدها التّاريخ والأدب هي دائماً قصص عشقٍ حالت الظّروف دون بلوغه غايته بالزّواج من المحبوب، ولو أنَّ قيس تزوّج ليلى لَشُفِيَ من جنونه بها، هذا ما تقوله الدِّراسات النّفسيّة المُعاصرة على كلِّ حالٍ.

 

كان العرب قبل الإسلام وبَقوا كذلك بعد الإسلام يرون في إعلان رجلٍ عن حبِّه لامرأة منهم ما يَجلب الخزي والعار وبخاصة إن قال فيها الأشعار فيُحَرِّمونها عليه ويرفضون تزويجها له، مع أنَّ النّبي محمّد ﷺ قال: "لم نَرَ للمُتحابين غير النِّكاح" وذات مرّة شَفعَ لعاشقٍ عند زوجته السّابقة الّتي لم تستجب لتوسلاته فأشفق النّبي محمّد ﷺ عليه وكلّمها مِن أجله.

وعندما تَحُولُ الظّروف بين المُحبِّ في الحبِّ الرّومانسيِّ وبين الفوز بحبيبه يدوم هذا الحب الّذي يأخذ على الإنسان تفكيره ويشغله اللّيل والنّهار فيوصف العاشق بالجنون، لكنّه جنون الهوى وليس جنون العقل.

 

واشتهار الرّجال بالجنون ناتجٌ عن طبيعة الرّجل الّذي يقوم بالسّعي للزّواج من المرأة الّتي عشقها، ويرى ذلك مسؤوليّته، بينما المرأة يمنعُها الحياء والقيود الاجتماعيّة من أن تقوم بغير الانتظار عادةً، حيث من العسير عليها أن تتزوّج ممّن تحب إلّا برضى أهلها، لكن الحبَّ الرّومانسي بما فيه من أحلامٍ غير واقعيّةٍ واعتقاد للكمال في المحبوب لا يَقتصِر على الرِّجال، بل تعيشه النِّساء بالشّكل نفسه، حيث عاطفيّة النِّساء لا تقلُّ عن عاطفيّة الرِّجال، وإن كانت الدِّراسات المُعاصرة أَظهرَت حِرْصَ الرّجل على الزّواج ممّن أحبّ، حيث يَهمُّه أن يُحبَّها هو بالدّرجة الأولى ثمّ أن تُحبَّه هي، بينما النِّساء يَحرِصْنَ على الزّواج ممّن يُحِبّهُنَّ، حيث يَهُمُّها أن يُحِبَّها هو بالدّرجة الأولى ثمَّ أن تُحِبَّه هي، ويُفسَّر ذلك بأنَّ حُبَّ الرّجل لها يُشكِّل ضماناً لمُستقبلها معه، بينما الرّجل يكون أقلَّ قلقاً من هذه النَّاحية.

Copyright 2017 ©. All Rights Reserved.