الملل الجنسي في الحياة الزوجية
المـلل الجنسـي في الحيــاة الزوجية
الملل الجنسي في الحياة الزوجية شكوى الرجال غالباً وإن كانت النساء يشتكين منها أيضاً في بعض الأحيان. وتعزى الأمور إلى الملل الجنسي عندما تضعف الرغبة وتقل المتعة ويسود الشعور بأن الاتصال الجنسي بين الزوجين بات عملاً مكررا لا جديد فيه، والمتعة التي يأتي بها قليلة لا تستحق كل تلك الأهمية التي تعطى للاتصال الجنسي، فيزهد الزوجان في الممارسة الجنسية وتقل مرات اللقاء الجنسي، وتؤدى العملية كما لو كان المرء يؤدي واجباً فقد الحماس له، وعندها تتصور المرأة أنها ملت الجنس كله، أما الرجل فيتصور أنه مل زوجته ولم يمل الجنس بحد ذاته.
وهذه الحال المسماة الملل الجنسي ليست كلها مللاً في الحقيقة، إذ على الرغم من وجود بعض الملل من كون الشريك الجنسي (الزوج أو الزوجة) هو نفسه على مدى السنين إلاّ أنه في كثير من الأحيان يكون السبب الحقيقي هو ضعف الدافع الجنسي العام، أي ضعف الشهية الجنسية ضعفاً غير مرتبط بشخص معين، إنما هو مثل ضعف الشهية للطعام لا يمثل مللاً من طعام واحد، بل يمثل تغيراً لدى صاحـب الشهية.. وقد يقال إن القضية مجرد ملل من الشخص الثابت على مدى السنين، لأن الرغبة تشتد والمتعة تزداد فيما لو تم اللقاء الجنسي مع شخص جديد موضع إعجاب، ونقول هذا لا يغير من أهمية ضعف الشهية الجنسية العامة، ومن دورها في المشكلة إذ حتى الذي تضعف شهيته للطعام بسبب مرض عضوي أو نفسي يأكل أكثر لو قدمنا له طعاماً يحبه لم يأكله منذ زمن طويــل، أو لو قدمنا له حلوى لذيذة مثلاً.
إن الشهية الجنسية شهية تتحكم فيها عوامل فيزيولوجية كما هو حال الشهية للطعام، وإن لهرموني التستوستيرون والدوبامين أهمية كبيرة في تقوية الرغبة الجنسية عند الرجل وعند المرأة على السواء، وإن أي ضعف في نشاط هذين الهرمونين سيقلل الشهية الجنسية عند الإنسان، والأمر كثير الحدوث عند الرجال في أوسط العمر (بين الأربعين والخمسين)، ولعل لهدوء الشهية الجنسية عند الرجل في هذه المرحلة من حياته حكمة لأن هذه المرحلة يميل فيها الإنسان الناضج إلى العطاء لأولاده ولأمته وللإنسانية كل بحسب قدراته ومواهبه، وهدوء الرغبة الجنسية لديه يترك له الوقت والطاقة ينفقهما في عملية الإنتاج والعطاء هذه.
أما المرأة التي كانت في شبابها تقدم الجنس لتحصل على الحب، فإنها بعد الثلاثين من العمر تأخذ في تذوق الجنس بحد ذاته أكثر، وتجد فيه المتعة حتى لو كانت جرعة الحب فيه أقل مما كانت ترغب فيه من قبل، والمرأة بهذا تقترب من الرجل أكثر، إذ الرجل منذ مراهقته شديد الميل إلى الجنس والرغبة فيه، ولا يشعر أن تعبيره عن حبه لامرأته ورغبته في الاقتراب العاطفي الحميم منها يمكن أن يكتمل دون جنس، بل إن شهيته للجنس عموماً تكون قوية إلى حد أنه يستسيغ ممارسة الجنس والاستمتاع به، ويشعر بالإثارة الشديدة فيه حتى لو تم ذلك مع امرأة علاقته بها سطحية، هذا في بداية الشباب، لكن مع السنين يزداد شعور الرجل بالحاجة إلى مزج الجنس بالحب مثلما ازدادت حاجة المرأة مع السنين إلى مزج الحب بالجنس.
كان مطلب المرأة الأساس هو الحب، وكان مطلب الرجل الأول هو الجنس، و بمرور السنين يميل كل منهما إلى ما يميل إليه الآخر وتكون النتيجة أنهما كلاهما يصبح لديه الرغبة في الجنس الممزوج بالحب أو الحب الممزوج بالجنس مع تفاوت في النسب في هذا المزيج بحسب صاحب الرغبة.
إذن هنالك تبدلات في الشهية الجنسية عند الرجل والمرأة عندما ينتقلان من الشباب إلى الكهولة، ومن حقائق هذه التبدلات حدوث هدوء في الشهية الجنسية عند الرجل يعزوها الأزواج عادة إلى الملل من زوجاتهم، وإلى الحرمان من تنويع الشريك الجنسي. ولعل من المفيد ذكر بعض الأسباب المؤدية إلى ضعف الشهية الجنسية غير المرحلة العمرية، والتي من أهمها السمنة وأثرها السلبي على هرمون التستوستيرون، والضغط النفسي في العمل الذي يجهد فيه الرجل ذهنه ويريح جسده، بعكس الرجال الذين يمارسون أعمالاً مجهدة جسدياً مريحة ذهنياً، فهؤلاء لا يشتكون عادة من الملل الجنسي ولا يضعون اللوم على غياب التنوع في الشريك الجنسي، لأن العمل البدني يجعلهم في لياقة جسدية عالية رغم تقدم العمر، وهذه العافية البدنية إذا اجتمعت مع راحة البال كانت الشهية للجنس أو للطعام في أحسن أحوالها، وكانت الزوجة ذاتها كافية لتكون الإثارة والمتعة في حال مُرضية تماماً.. إن الشكوى من الملل الجنسي شكوى المتخصصين والطبقة الوسطى وهذا نستنتجه من حقيقة أن الذين يحاولون الخروج من الملل الجنسي في الغرب عن طريق نوادي تبادل الأزواج والزوجات والجنس الجماعي إنما هم في الغالب من أصحاب المهن التي يتركز الجهد فيها على العقل ويكون الكسل من نصيب الجسد.
ثم هنالك دور كثير من الأدوية التي يتناولها الزوج وأحياناً الزوجة والتي تقلل الرغبة الجنسية وتضعف الإثارة ضعفاً يتراوح بين الخفيف والشديد حيث قد يصل إلى حد العنانة عند الرجل والبرود عند المرأة. والأدوية النفسية وأدوية الضغط والحساسية وأدوية غيرها كثيرة يمكن أن يكون لها مثل هذا الأثر السلبي على الشهية الجنسية.
ويبقى أن نذكر الأمراض النفسية مثل الاكتئاب كعوامل تضعف الشهية الجنسية وتضعف الإثارة بشدة، أما عندما يكون الضعف خفيفاً ولا ينتبه الإنسان إلى دور هذه الأمراض النفسية في مشكلته، فإنه يعزوها إلى الملل من الزوجة أو الزوج. المسؤولية أكثر مما له في الحقيقة.
لكن أليس للملل دوره أيضاً؟
في هذا الزمان الذي خرجت فيه المرأة شبه عارية، تعرض مفاتن جسدها على كل رجل له عينان ينظر بهما، اشتد جوع الرجال إلى امتلاك الجمال الجسدي الأنثوي الذي هم في الأصل مفطورون على الانجذاب إليه وحبه والرغبة فيه، وعندما أتيح لكل شاب ورجل أن يرى أجساد أجمل الجميلات على شاشات التلفزيون أو في الشارع أو النادي أو على الشواطئ، صار الجمال الجسدي أهم مكونات فتاة الأحلام، وصارت مقاييس الجمال التي تقنع الرجال عالية لا تبلغها أكثر النساء، لأن الجمال موزع بين النساء مثلما هو الطول مثلاً، الغالبية ذوات جمال متوسط، كما إن غالب الناس ذووا طول متوسط، والأقلية فائقات الجمال وأقلية أخرى قليلات الجمال، وهذا حال طول القامة أيضاً وحال أية صفة خَلْقية تنقلها الجينات كالذكاء مثلاً.
تعودت عيون الرجال على بارعات الجمال، لكن من أين لهم كلهم بملكات الجمال عند الزواج، وهكذا يضطر أكثر الرجال للزواج من امرأة أقل جمالاً مما كانوا يتمنون.
ونتيجة الإثارة والرغبة المحبطة في جمال النساء المعروض أمام الرجال صار الذي يشد الرجل إلى اللقاء الجنسي مع المرأة رغبته في التمتع بالجمال الأنثوي وامتلاكه من خلال الجنس، وما يمكن للجنس أن يحمل من معاني تتراوح بين الحب والرحمة والعدوان والانتقام.. المهم أن الجسد صار محط الاهتمام ومنبع الإثارة الجنسية، واشتد ميل الرجل إلى الجنس وقل تركيزه على الحب، وصار إحساسه بالفوز نابعاً من شعوره أن جسداً أنثوياً جميلاً بين يديه يلمسه ويستمتع به كما كان يحلم وشعرت المرأة بهذا التوجه إلى جسدها لدى زوجها الشاب فتضايقت كثيراً، إذ شعرت أنه نسي الشخص وانجذب للجسد، نسي النفس وانبهر بالأعضاء، نسي الإنسان الذي فيها وصارت بالنسبة له شيء جميل هو سعيد بامتلاكه.
ومع وجود الشهية الشديدة للجنس لدى الشاب، والشباب الطري لدى الفتاة حتى لو لم تكن ملكة جمال، فإن رغبة الزوج الشاب في زوجته والإثارة التي يشعر بها والمتعة الجنسية عندما يعاشرها تكون كبيرة ورائعة، لكن هدوءاً وبروداً متدرجاً يبدأ بالتكوّن مع مرور السنين، ويكون جزء منه بالتأكيد ناتجاً عن ملله من جسد تمتع به آلاف المرات وصار محفوظاً في ذاكرته، ولا جديد فيه إلاّ ظهور ما يسيء إلى جماله من علامات العمر أو آثار عملية جراحية أو غير ذلك، إذ الوردة بدأت تذبل بعض الشيء.
عند هذا المستوى من الملل الجنسي يبحث الزوجان عما يولد إثارة جنسية أكثر، فيحاولان التفنن والتجديد وتقليد ما يسمعان به أو يريانه في الأفلام من ممارسات جنسية قد تكون شاذة أحياناً، لكن الحل مؤقت، لأن التكرار والألفة تضعفان الحس الجسدي لا محالة فتقل الإثارة ويعود الشعور بالملل إلى الظهور.
والبعض يلجأ إلى استخدام التخيلات الجنسية والقصص المثيرة أثناء المعاشرة لزيادة الإثارة لديهما، والنجاح هنا أيضاً مؤقت وغير كامل، وقد يكون اللجوء إلى الخمر أو المخدرات، وهي مواد ضارة، يقال عنها في الطب: إنها تزيد الرغبة وتُضْعِف الأداء، فالخمر مشهور في تسببه بالعنانة عند الرجل حيث يفقد القدرة على المعاشرة الجنسية فقداً نهائياً…
وبعض الرجال يحاول التغلب على الملل بتغيير الشريك الجنسي، أي بمعاشرة امرأة أخرى، إما زوجة ثانية يتزوجها لهذا الغرض أو امرأة يعاشرها بالحرام بحثاً عن المتعة الجنسية المفقودة. وهذا الحل إن كانت المشكلة مشكلة ملل فحسب ولا دخل لضعف الشهية الجنسية فيها ينجح لبعض الوقت، لكن يتكون ملل سريع من الجسد الجديد، إذ لم يعد الجسد الأنثوي كله جديداً على هذا الرجل، إنما الجدة محصورة في ملامح هذه المرأة ولون بشرتها، وهذا يستوعبه العقل والخيال ويحفظه بسرعة، وإذا أضفنا إلى ذلك التشابه بل التماثل في المتعة الحسية في الأعضاء التناسلية عند معاشرة المرأة الجديدة مع المتعة الحسية عند معاشرة الزوجة الأولى، كل هذا يجعل الرجل يعود إلى الإحساس بالملل من جديد. وعندها قد يجد الحل في البحث كل يوم عن امرأة جديدة، أو كما فعل بعضهم في أمريكا ودول غربية أخرى، عندما ذهب الزوجان سويةً إلى نواد للهو الجنسي حيث يعاشر كل منهما من يعجبه شريطة عدم التورط في علاقة عاطفية مع أحد، ثم يعودان إلى بيت الزوجية ليجدا قدراً أكبر من الإثارة الجنسية لديهما، وهذا أكثر الحلول إذلالاً للنفس حيث فيه التشبه بأحد أنواع الشمبانزي (Bonobo) وهو الحيوان الوحيد الذي يمارس الجنس للهو وبشكل إباحي.
والسؤال الذي يبحث عن إجابة تحل المشكلة هو ما العمل للتغلب على الملل الجنسي أو لتجنب حدوثه من البدايــة؟
لقد وجدنا أن الملل ناتج عن التركيز على الجسد (جسد المرأة) وعلى العملية الجنسية ذاتها، أي التركيز على الأعضاء الجنسية وعلى ما تقوم به أثناء المعاشرة، وحتى نتجنب هذا الملل ونتخلص منه إن وجد، يجب أن يعود التركيز على النفوس؛ يجب أن يتذكر الزوجان أن اللقاء الجنسي بينهما هو لقاء شخصين، لقاء نفسين أحبت كل منهما الأخرى، لا لقاء عضوين جنسيين أحدهما مذكر والآخر مؤنث، وحتى نتمكن من التركيز على النفوس أثناء الجماع يجب على الزوجين النظر كل في عيني الآخر، إذ في عيون الإنسان سر يجعلهما تتفلتان دائماً ويستحيل امتلاكهما ذهنياً، إذ العيون تبدو دائماً جديدة، والنظر فيها يجعل المشاعر تنساب عبرها من نفس إلى أخرى؛ إنك تستطيع أن تحفظ في عقلك شكل عينيها، لكن النظر فيهما سيبدي لك جديداً كل مرة مهما طالت السنون، ثم إن المشاعر التي تنساب في الاتجاهين عند التقاء عيون الزوجين أثناء اللقاء الجنسي تجعل من كلمات الحب أكبر مثير للرغبة الجنسية، وبالتالي أكبر منشط للأعضاء الجنسية لتقوم بنشاطها المطلوب أثناء الجماع على أحسن حال، وهذا يعيدنا إلى أهمية العلاقة بين الزوجين التي يجب أن تكون علاقة مودة ورحمة، أي علاقة حب وعلاقة رحمة لا عداوة فيها، وهذا يعني أن تراكم مشاعر الغيظ والاستياء والانزعاج في نفس أحد الزوجين تجاه الزوج الآخر سيعيق الميل الجنسي إليه وسيضعف الإثارة عند معاشرته، الشيء الذي يحدث كثيراً في بعض الزيجات، حيث تجد الزوجة نفسها باردة وأعضاؤها الجنسية جافة عند اللقاء الجنسي لأنها ممتلئة بالغيظ من تصرفات الزوج، وهي لا تجرؤ على مواجهته وقلبها لا يطاوعها على مسامحته والعفو عنه، وكذلك الزوج المستاء من زوجة لا تطيعه مثلاً، تجده يفقد الرغبة الجنسية فيها وقد يفقد القدرة على الاتصال الجنسي بها، لا لأنه مريض عاجز، إذ قد يجد نفسه أنشط ما يكون مع امرأة غيرها، إنما هي المشاعر السلبية التي تحوّل الرحمة بين الزوجين إلى عداوة، وتفقد الزوجين القدرة على الإثارة الجنسية للطرف الآخر.
وكأن الحل والوقاية يكمنان في ممارسة الجنس بين الزوجين على الطريقة التي تحبها المرأة عادة، جنس ممتزج بالحب أو قل حب يتممه الاتصال الجنسي ويكون فيه لقاء الأعضاء التناسلية تعبيراً على لقاء نفسين مثلما هي القبلة الفموية بينهما.
وحتى يستطيع الرجل تغيير توجهه في الجنس من الجسد إلى النفس عليه الغض من بصره، أي عليه النظر في الوجوه والعيون وتجنب تفحص الأجساد ومفاتنها، وهذا لا يعني أن جسد الزوجة لا دور له أبدا، إذ لا بد للحب من الإعجاب بما في ذلك الإعجاب بجسد المحبوبة، إنما هي العودة بالجنس إلى أن يكون تعبيراً عن العلاقة بين الزوجين أكثر منه وجبه حسية تستمد متعتها من احتكاك الأعضاء الحساسة لدى الزوجين ببعضها بعضاً، وعند التركيز على المتعة الآتية من المعاشرة البدنية وحدها لن نستغرب أن يجد الكثيرون العادة السرية أكثر متعة وإشباعاً لهم.
وحتى لو مر بخاطر الزوج وهو يعاشر زوجته أنه الآن يمتلك جنسياً هذه المرأة، وهذا شعور وخاطر يزيد الإثارة عادة، فإن نظره إلى وجهها وعينيها وشعوره أن امتلاكه الجنسي الذي يمارسه إنما هو لهذه المرأة الجميلة الحبيبة شعور أكثر إثارة من الشعور أنه يمتلك جنسياً أجزاء جميلة من جسد أنثوي، لأن الجسد يمكن أن يَمَلَّه الإنسان وبعدها يزهد فيه، ولا يجد في امتلاكه جنسياً أي طعم للفوز، بينما النفس الجميلة التي هو بها معجب، ويطل إلى داخلها من خلال عينين يرى فيهما الحب له والإعجاب به، هذه النفس لا تُملّ ولا يبلى جمالها.
ومما يصرف الانتباه عن النفس التي نعاشرها أثناء اللقاء الجنسي الاهتمام بالمهارة في الأداء الجنسي والتفنن في الحركات والوضعيات والأصوات، ثم الحرص على إمتاع الطرف الآخر ونسيان الاستمتاع للذات، وهذه كلها مدعاة إلى حصول الملل مع السنين، إنما تكون المتعة التي لا يصل إليها الملل عندما يركز كل من الزوجين على مشاعره هو وأحاسيسه، سواء استمتاعه الحسي أو مشاعره نحو الطرف الآخر. وعندما نبه النبي ﷺ الرجل إذا قضى وطراً ألاّ يعجل زوجته حتى تقضي وطراً، كان دقيقاً إذ لم يجعله المسؤول عن وطرها ورعشتها، بل طلب منه أن يمهلها ولا ينفصل عنها ليتيح لها الفرصة لتقضي هي وطرها، وهكذا الحال، فالمرأة ليست المسؤولة عن إيصال الرجل إلى وطره، بل كلاهما يعيش لحظته، وربنا خلق الجسدين المؤنث والمذكر بحيث يكون في استمتاع كل منهما إمتاع غير مقصود للآخر، إنهما جسدان متكاملان، ولا داعي للبهلوانية التي تدعو إليها بعض كتب الثقافة الجنسية أو الأفلام الجنسية التي تصوّر العملية الجنسية عملية جسدية عدوانية تحتاج إلى أبطال الرياضة لأدائها.
ومما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يأمرها عند اللقاء الجنسي بالسكينة، وليس بتكلف الأصوات التي ابتدعتها المومسات لترضي غرور بعض الذكور الذين يريدون إظهار قوتهم العضلية في حلبة المعاشرة الجنسية.
ومع أن الكلام الفاحش أثناء المعاشر الجنسية قد يزيد الإثارة بما فيه من خروج على القيود المفروضة على النفس من قبل المجتمع، لكن ذلك يصل عادة إلى مرحلة الشبع والملل، ويبقى الحب هو الذي لا تشبع منه النفوس ولا تمل.
وليست المرأة التي تثير زوجها عند المعاشرة الجنسية تلك التي تقوم بالحركات والأصوات، بل هي التي تتجاوب معه دون أن تكون هجومية في ممارستها للجنس، أي هي التي لا تخجل من التمتع لكن دون أن تصل إلى حد تكون هي المتمتعة بزوجها، الأمر الذي يسيء إلى شعور الرجل برجولته، إذ المبادرة في الفعل الجنسي صفة الذكر من البشر ومن الحيوانات، والتجاوب والمطاوعة صفة الأنثى، وأي خروج عن هذه الفطرة يسيء إلى الإثارة والانجذاب بين الرجل والمرأة، لذا فإن أحب امرأة إلى الرجل وأعظمها جاذبية له وأشدها إثارة لرغبته الجنسية هي المرأة التي يشعر معها برجولته، المرأة التي تعرف كيف تشعره برجولته وهو مرتاح وبشكل عفوي.
وخلاصة القول، الملل حاصل مما هو جسدي، ودوام الرغبة والمتعة مضمون فيما هو نفسي وشخصي.
ثم إن علينا التذكر أن الحياة الدنيا فيها بعض المتعة وليست متعة كلها كما يراها الذين لا يفكرون بالآخرة وبالتالي يريدون للمتع الدنيوية أن تبلغ أقصى مدىً ممكن، نعم لن ننسى نصيبنا من الدنيا، لكن المتعة في الحياة بما فيها المتعة الجنسية ليست كل شيء.