العلاقة العاطفية والجنسية بين الزوجين -أسباب ازديادها...
العلاقة العاطفية والجنسية بين الزوجين
-أسباب ازديادها وفتورها-
قد يسرق السّارق لأنّه ليس لديه ما يكفيه من الطّعام والشراب، ولكن ليس هذا هو السّبب الوحيد للسّرقة، فأكثر السّرقات تتمّ بقصد الحصول على المزيد وزيادة ثروات قائمة... كما إنّ السّرقة ليست هي الحل الوحيد لمشكلة الفقر، فإنّ الغالبيّة العظمى من الفقراء لا يسرقون.
وبالمثل فإنّ بعض الرِّجال وبعض النِّساء قد ينحرفون ويتورطون في علاقات جنسيّة آثمة بسبب نقص في الإشباع الّذي يحصلون عليه من خلال حياتهم الجنسيّة، لكن هذا ليس السّبب الوحيد للانحراف وللعلاقات المحرّمة خارج الحياة الزّوجيّة، كما أنّ هذا الانحراف ليس هو المخرج الوحيد من المشكلات الزّوجيّة المؤديّة إلى ضعف في الإشباع داخل الزّواج.
إنّ ضعف العامل الأخلاقي يأتي في مقدمة العوامل الّتي تقود إلى العلاقات الجنسيّة المحرّمة، وهذا لا يقلّل من أهميّة البحث في أسباب إخفاق العلاقة الزّوجيّة أحياناً في تحقيق الإشباع لأحد الزّوجين أو لكليهما.
والإشباع العاطفي في الحياة الزّوجيّة يعتمد على توفّر حد أدنى من الإعجاب بين الزّوجين، وحد أدنى من العطاء المتبادل والتحقيق المتبادل لرغبات الطرفين وحاجاتهما النّفسيّة والجسديّة.
وحتّى يكون هنالك حد أدنى من الإعجاب لدى كلّ من الزّوجين بزوجه يجب ألّا يكون هنالك نفور من الطرف الآخر، والإحساس بالنّفور مؤشر هام يأتي من القلب ليقول أنّ هذا الشخص ليس محط الإعجاب وبالتالي من الخطأ الزّواج منه... وبقدر ما يكون هنالك من إعجاب يكون هنالك انجذاب وبخاصّة في اللقاءات الأولى...
وبقدر ما يكون هنالك من تشابه في الذّكاء والثّقافة والدين واللغة والعادات والهوايات والاهتمامات....
بقدر ما يكون هنالك إعجاب، وتكون فرصة الحب أكبر... ثمّ بقدر ما يكون كل طرف مصدر إسعاد وإرضاء للطرف الآخر، أي مصدر إشباع بالمصطلح النفسي بقدر ما ينشأ الحب القائم على قاعدة قويّة من الإعجاب... لذا فإنّ الإساءة تُضعِف الحب حتّى لو كان الإعجاب شديداً، فالإنسان مفطور على محبّة من أحسن إليه وكراهية من أساء إليه... والزّوجة المتمرِّدة على زوجها يقلّ حبّه لها حتّى لو كانت ملكة جمال، وكذلك الزّوج الّذي يجرح مشاعر زوجته ويهينها تكرهه حتّى لو كان فارس الفرسان....
ولا يكتمل الإشباع العاطفي في الحياة الزّوجيّة ما لم تكن العلاقة الجنسيّة بينهما مُرضيّة ومشبعة للطرفين.
والحالة المثاليّة هي أن يكون الاتصال الجنسي اتصال بين نفسين يشدّهما الحب المتبادل ومشاعر الرّحمة، أي كلّ منهما يحبّ الآخر (مودّة) وكلّ منهما لا يحمل مشاعر غضب أو رغبة في الانتقام من الآخر (رحمة)، فتكون العلاقة (مودّة ورحمة)، وعندها يكون لقاؤهما لقاء نفسين ولقاء قلبين، ويكون الجنس أمراً متمِّماً لهذا اللِّقاء وبعداً آخر يُكسِب لقاءهما قدراً أكبر من العمق والقرب، ويولِّد المزيد من الحب.
ولكن هذه الحال المثاليّة مفقودة في كثير من الأحيان، وذلك لأسباب كثيرة، أهمُّها: ألّا يكون هنالك إعجاباً كافياً بالطرف الآخر كما يحدث في الزّواج الّذي ترتَّبه الأسر ولا تراعي فيه رغبة الشّاب أو الفتاة، بل تضغط عليه أو عليها ليتمّ الزّواج لأنّ ذلك يحقِّق للأسرة مصلحة أو يُرضي هوى الأب أو الأم.... ومن الأسباب أيضاً أن تكون النّفس مشحونة بالمشاعر السلبيّة العدائيّة تجاه الطّرف الآخر بسبب إساءاته المتكرِّرة خلال الحياة الزّوجيّة... وعند توفُّر الإعجاب وغياب الإساءات يكون لدى البعض أحياناً خوفاً من العلاقات الحميمة جداً وكأنّ لديه خوفاً من الاندماج النفسي مع الشّخص الآخر خشية أن يفقد تفرده وذاتيته في هذه العلاقة الحميمة، فيكون لديه تهرُّب من تعميق العلاقة إلى ذلك المستوى الحميم، ويكون الهروب أثناء العلاقة الزّوجيّة إلى التركيز على الناحية الجسديّة وعلى أعضاء معيّنة، ويتحوَّل الاتصال من اتصال بين شخصين وبين نفسين إلى اتصال بين جسدين أو بين عضوين.
إن الجنس المتركِّز حول الجسد وحول الأعضاء ذات العلاقة يمكن أن يقود إلى الملل وضعف الإثارة، ممّا يدفع إلى البحث عن ممارسات شاذّة رغبة في التّجديد للتغلُّب على عنصر الملل من أجل الحصول على إثارة أكبر....
ويدفع أيضاً إلى البحث عن شريك جديد وتغيير الشريك من حين إلى آخر وذلك تجنُّباً للملل وبحثاً عن الإثارة. وهذا ما يعاني منه المجتمع الأوروبي الّذي أراد أن يجعل من الأمور الجنسيّة أموراً تتمّ كالطعام والشراب، لكنّه أُصِيب بكل أنواع الشذوذ والانحراف لأنّ العلاقات هنالك كثيراً ما تكون جسديّة إلى حد كبير.
فالإنسان قد يمارس الجنس كشيء مكمِّل للحب، وقد يمارسه استجابة لضغط غريزي ناتج عن النّشاط الهرموني لديه، وقد يمارسه لدوافع أخرى لإشباع رغبة بامتلاك شيء جميل رآه لدى غيره، وهو هنا يكون نوعاً من العدوان على الآخرين. وقد يمارسه لتحقيق نصر وفوز وظفر وذلك ليعوِّض عن إخفاقاته وإحباطاته في مجالات الحياة الأخرى، وليكون ذلك إنجازاً بالنسبة له يعطي حياته معنى، وهذا الجنس لا يمكن أن يكون قائماً على المودّة والرّحمة، إنّما هو تغلُّب وهزيمة للآخرين، وكأنّه ظفر بصيد يملأ النّفس سروراً بهذا النّصر ولا يكون للصّيد قيمة في نظره إلّا ما دام بعيداً وما دام يلاحقه، حتّى إذا أمسك به وحقَّق شهوة الفوز والتّملُّك لديه صار صيده في نظره لا قيمة له ورماه كما يُرمَى الثّوب المُتسخ.... وللأسف فإنّ كثيراً من الرِّجال ينظرون إلى النِّساء من هذا المنطلق، ويخوضون مغامرات كثيرة خارج زواجهم ليملؤوا فراغ حياتهم من المعنى والإنجاز، وكأنّهم لاعبو كرة يُمَتِّعُهم تحقيق مزيد من الأهداف ولكن لا يربطهم بالمرأة ذلك الشّعور الودّي الرّحيم الّذي يرى فيها إنساناً مثلهم مساوياً لهم في الكرامة....
ولا يستغربن أحد قولنا أنّ الجنس يمكن أن يدفع إليه شعور عدائي، ففي كل المجتمعات تكون أقذع المسّبات والشّتائم جنسيّة، وأكثر حالات الاغتصاب تتمُّ بدافع الانتقام لا بدافع الشّهوة الحقيقيّة.
والجنس يمارَس بين الأزواج وبين غير الأزواج بدافع التّخلُّص من التّوتُّر والقلق في بعض الأحيان، لذا وُصِفَتْ بعض حالات الإدمان على الجنس مثلما هنالك إدمان على الخمر أو المخدرات.... وعلى ذكر الخمر والمخدرات فإنّها تسبِّب في كثير من الأحيان بحدوث علاقات محرَّمة وتتسبّب بانتقال الأمراض الجنسيّة الخطيرة، لأنّ الّذي لعبت الخمر برأسه وثارت شهوته يَخْدَعُ نفسه أو يَقْبَلُ بخداع الآخرين له ويتورّط في علاقات مع أناس مرضى وحاملين للإيدز أو غيره.....
ولا ننسى أنّ هنالك أسباباً مرضيّة تُؤثِّر على الإشباع العاطفي والجنسي بين الزّوجين، كالقلق والاكتئاب والإدمان والإعاقة وغيرها ممّا يُمكن أن يتسبّب باضطرابات جنسيّة وظيفيّة لدى أحد الزّوجين، ويجب اللجوء إلى الطبيب لحلِّها وليس اللجوء إلى الانحراف والعلاقات المحرّمة المؤذية.
ومن أكبر الأخطاء أن ينتقم أحد الزّوجين من خيانة الزّوج الآخر له بأن يفعل هو مثل فعله وأن يخونه، فالخطأ لا يصحَّح بخطأ.
كما على كل الأزواج أن يدركوا أنّه من الطبيعي أن يذهب الحب الرُّومانسي الّذي كان قبل الزّواج وفي بدايته بعد مدّة من الزّواج ليحلّ محلّه حبّ هادئ يُشبه الصّداقة، وهذا الحب هو المناسب للزّوجين ليعودا إلى ممارسة حياتهما الاجتماعيّة بشكل مُنتج، وكي يقوما بمتطلبات تربية الأطفال، فالعشّاق لا يستطيعون ذلك لأنّ العشق الرُّومانسي يستهلك طاقاتهما وأوقاتهما.... وتحوّل الحبّ من الرُّومانسيّة إلى حبّ الصّداقة بعد بداية الزّواج بمدّة قد تطول أو تقصر يجب ألّا يفسّر بأنّ الحب قد انتهى بينهما فتسيطر عليهما مشاعر الخيبة والحزن على الأحلام الّتي لم تتحقّق، إنّما هذا التّحوّل هو الطّبيعي الّذي وجدته دراسات علماء النّفس في جميع الزيجات تقريباً.