زينة المرأة
زينة المرأة
Whatsapp
Facebook Share

زينة المرأة

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

أن تتجمَّل المرأة، فهذا هو الشّيء الطّبيعي الفطري، إذ ليس فينا من لا يحبّ الجمال، وبالتّالي المتوقّع أن نحرِصَ كلّنا رجالاً ونساءً على أن نبدو جميلين.. وهذا يعني العناية بالمظهر الخارجي كالثّياب والشّعر والعطر، والمكياج للنّساء.

 

والمرأة السّويّة ذات الشّخصيّة المتوازنة تعتني بجمالها، وبمظهرها، وتتزيّن بطريقةٍ تبدو معتدلةٍ وطبيعيةٍ؛ إنّها تتجمّل لتبدوَ جميلةً، ولا تفرط في ذلك لتصبحَ امرأةً بالألوان من أجل أن تلفت النّظر إليها بشدّة، فهنالك فارقٌ بين الزّينة من أجل الجمال دون الحرص على لفت الأنظار، وبين الزّينة من أجل لفت الأنظار، حيث تكون زينةٌ مبالغاً فيها وبالألوان المستخدمة فيها، وتصفيفة الشّعر، وزيّ اللّباس.

 

المرأة التي تتزيّن للفت الأنظار إليها تُذكِّرني بالطّاووس ذي الألوان الزّاهية والريش الكثير الملوّن المنتشر والمشية المتبخترة. إنّها تلفت الأنظار إليها وتَجبِر الرّجال الّذين يرونها على أن ينظروا إليها نظرة جسديّة، حيث يتركّز اهتمامهم على الجسد، ويقلّ التّركيز على النّفس وعلى الإنسان صاحب هذا الجسد. والمرأة الّتي هذه عادتها في اللّباس والزّينة يغلُب أن تكون ذات شخصيّة مسرحيّة (Histrionic) كما تُسمّى في الطّبّ النّفسي، وهي شخصيّة ميّالة إلى الدّراميّة والافتعال والمبالغة في كلّ شيءٍ، وكأنّها تُمثِّل على مسرحٍ حيث المبالغة من أجل إثارة العواطف والانطباعات لدى الجمهور. وهذه الشّخصيّة قليلة النّضج وميّالة إلى الاعتماد على الآخرين بشدّة، وبالتّالي ميّالة إلى الأخذ العاطفي وعاجزة عن العطاء العاطفي إلى حدٍّ كبيرٍ.. وهي تُنشِئ علاقات مع الآخرين بسرعةٍ وسهولةٍ، لكن هذه العلاقات تميل إلى السّطحيّة رغم الدفء الظّاهر فيها. إنّها تصنع قصّة من أيِّ شيءٍ عاديٍّ، فتراها تتصرَّف وتصف نفسها وكأنّها تعيش دور أميرة... أما إن كانت ظروفها المعاشيّة صعبة فتؤدِّي دور الشّهيدة والضّحيّة أو المُضحيّة.

 

ومن جهة أخرى فإنّ الحرص على المظهر الخارجي وعلى التّجمُّل يعكس نظرة المرأة إلى نفسها، وتقويمها وتقديرها لنفسها هل تعتبر نفسها ذات قدر وقيمة أو أنّها ترى نفسها تافهة وأقلّ من الآخرين؛ والّتي ترى نفسها أقلّ من غيرها وتسيطر عليها عقدة الدّونيّة تميل إلى إهمال نفسها وإلى عدم التّجمُّل والتَّزيُّن، ولا تُبالي إن رآها الآخرون في حالةٍ رثّة.. فالّذي لا ينظر إلى نفسه باحترامٍ وتقديرٍ لا يرى بأساً في عرضها بصورةٍ غير جميلة. والعناية بالزّينة والمظهر قد تكون زائدة، وتستمرّ في أخذ شكلٍ لا يتناسب مع العمر عند المرأة المتوحّدة مع شكلها.

 

فالإنسان نفسٌ متكاملةٌ وليس مظهراً خارجياً فحسب، لكن بعض النِّساء يعتبرن جمالهنّ أعظم وأهمّ شيء فيهنّ، وينسين أهميّة النّفس والشّخصيّة والخُلْق والمشاعر والثّقافة وفعل الخير. لذا فهذه النّوعيّة من النِّساء تُقاوم القَبول بالتّقدُّم في العمر وتصرُّ على الظّهور والتَّزيُّن بطريقةٍ كانت مناسبة لهنّ في عمرٍ أصغر بكثيرٍ من عمرهنّ الحالي، وقد يُقال عن المرأة الّتي تفعل هذا "عجوزٌ مُتصابيةٌ" إن استمرّت في ذلك إلى عمرٍ مُتقدِّمٍ جداً. والمرأة الّتي تساوي بين نفسها وجمالها، ويكون مفهومها عن نفسها أنّها كائنٌ جميلٌ، قد تجد صعوبةً في الالتزام بالحجاب وستر جمالها عند الخروج من البيت لأنّ جمالها في نظرها كلّ شيء.

 

أمّا من حيث دلالة مظهر المرأة على حالتها النّفسيّة، فإنّه يدلُّ على أشياءٍ كثيرةٍ.. فالمرأة الّتي تُعاني من الاكتئاب النّفسي أو الّتي تعيش الحزن والحِداد بعد وفاة عزيزٍ تُهمل زينتها وتفقد الرّغبة في العناية بمظهرها؛ وعلى العكس فالمرأة المصابة بحالة "هوسٍ" تُبالغ في زينتها بشكلٍ لا يتناسب مع شخصيّتها وعادتها قبل المرض، وبشكلٍ لا يتناسب مع تقاليدها ومع المقبول من المجتمع الّذي تعيش فيه.. ذلك أنّها في حالةٍ من السّعادة والثّقّة بالنّفس الزّائدة بشكلٍ مَرَضيٍّ ودون أساسٍ من الواقع، هي سعيدةٌ جدّاً لكن دون سببٍ، وترى نفسها قادرةً على كلِّ شيءٍ وجميلةً وفائقةً بشكلٍ مبالغٍ فيه بشدّةٍ، وهذا مرضٌ يُعالَج بأدوية معيّنة. وكذلك المُصابة بالفِصام العقلي تُهمِل نفسها إلى حدٍّ كبيرٍ.

 

أمّا المرأة السّعيدة ذات الشّخصيّة المتوازنة الّتي لا تُعاني من عقدة الدّونيّة والنَّقص فتعتني بجمالها ومظهرها اعتناءً معتدلاً ليس فيه ابتذال أو مبالغة أو افتعال.

Copyright 2017 ©. All Rights Reserved.