لماذا يحبونها بيضاء شقراء؟
لماذا يحبونها بيضاء شقراء؟
مُحاولةُ بعضُ السّمراواتِ أن يُبَيِّضْنَ بَشرَتَهُنَّ ويَصبِغنَ شَعرَهنَّ بالأشقرِ سببها أنَّ كثيرات منهنَّ يرينَ الجَمال في البَياضِ والشّقرة، وأنَّ بعضَ الأزواج في مُجتمعاتِنا تُعجبه البَيضاء الشّقراء أكثر، فتُحاوِل زوجته أن تكون كما يُحِبُّ لِتنالَ إعجابه بها. ولِتَفسيرِ ذلك نفسيَّاً نَرجع إلى مفهومَي النّفس الواقعيّة والنّفس المُثلى عند الإنسان، حيث لكلِّ إنسانٍ تَصوُّر لِنفسه يُسمُّونه النّفس الواقعيَّة، أي النّفس كما هي في الحقيقة والواقِع، وتَصَوُّرٌ لِنفسه كما يَتمنَّاها أن تكون يُسمُّونه النّفس المُثلى، والتّربية والمُجتمع يؤثِّران كثيراً في هَذين التّصوُّرَين، فالّذي يَنشأ في أُسرةٍ يَسمَعُ فيها وهو طِفلٌ تعبيرات الإعجابِ بأصحابِ البَشرةِ البيضاءِ والشّعرِ الأشقرِ، يرضى عن نفسه إن كان هو أبيضَ أشقر، ولا يُحِبُّ نفسه ولا يَراها جميلةً إن كان أسمرَ أسودَ الشَّعر، وهذا يَعني أنَّ النّفسَ المُثلى لديه يكون فيها أبيض البشرة أشقر الشَّعر، وعندما يكبر ويبدأ لديه المَيل إلى الجنسِ الآخرِ فإنَّه يُعجَبُ بِمَن يُشبه نفسه المُثلى، أي بِمَن يَرى فيه الصِّفات الّتي يتمنَّاها لِنفسه، وبالتّالي سيرى الشّقراءَ البيضاءَ أجمل مِن السّمراء سوداء الشَّعر... أمّا إن نشأ في أُسرةٍ تُظهِرُ الإعجابَ بالبشرةِ السّمراءِ والشَّعرِ الأسودِ وكان هو كذلكَ فإنَّه يَرضى عن نفسه وتكون صورةُ النّفسِ المُثلى مِن هذه النّاحيةِ مُطابقةً لِصورةِ نفسه كما هي في الواقِع ولا يكون لديه رغبة في أن يكون لونه مُختلِفاً، وعندما يَبحَثُ عن فتاةِ أحلامِه الّتي تُشبه نفسه المُثلى فإنّه سيبحثُ عن السّمراءِ سوداء الشَّعرِ لا عن البيضاءِ الشَّقراءِ.
إنَّ التّربيةَ في الطّفولة والمُؤثِّرات الأخرى كالإعلام والحكايات وغير ذلك تُؤثِّر في تكوين الحسّ الجَمالي والذّوق لدى كلٍّ مِنّا، وتَجعل أحدنا يَتذوَّقُ الجَمال الأسمر والآخر يَتذوَّقُ الجَمال الأشقر، لكن الأصل أن يكون الإنسانُ راضياً عن نفسه وعن لونه وبالتّالي يَنقُل إلى أطفالِه هذا الرِّضا وبذلك يكونون راضين عن لونهم وقادِرين على تَذوُّقِ الجَمالِ الّذي فيه، فالجَمالُ مَوجودٌ في كلِّ الألوان، حيثُ لِلمَلامِحِ دورها أكثر مِن اللّون، وحيثُ يَتفاوَتُ البيض في جَمالِهم ويَتفاوَتُ السّمر في جَمالهم رُغمَ كونهم مِن لونٍ واحدٍ.
وعندَما كان العَرَبُ هم الغالِبون والمُسيطرون في العالَم كانوا يَتباهونَ بِسمرتهم ولا يُعجَبونَ إلّا بالسَّمراء، وقد قال ابنُ حزمٍ وهو عربي أندلسي أبياتاً يُدافِعُ فيها عن حبِّه لفتاةٍ شقراءٍ مِن أصلٍ أوروبيٍّ على ما يبدو جاءَ فيها:
يُعيبونها عندي بشقرةِ شعرِها فقلتُ لهم هذا الّذي زانها عندي
يُعيبون لون النَّور والتِّبر ضلّةً لرأي جهول في الغواية ممتد
ثمَّ يُتابعُ مُهاجماً السّمر دِفاعاً عن ذوقه الجَمالي وعن جمالِ فتاته... أمّا في هذا الزَّمان حيثُ الغالِبون هم البيض الشّقر مِن الأوربيين والأمريكيين، وحيثُ إعجاب المَغلوبِ بالغَالِبِ فقد تأثَّرَت أذواقُنا وصِرنا نَتَذَوَّقُ جَمالَ الشّقراوات وعَجزنا عن الإحساسِ بجمالِ السّمراوات، لا لأنّهنَّ غير جميلاتٍ بل لِعجزِ أذواقِنا عن الإحساسِ الكاملِ بجَمالِهنَّ.
ولربَّما كانت الرّغبةُ في الزّواجِ مِن البيضاءِ الشّقراءِ تَعبيراً عن الرّغبةِ في التّشبُّهِ أو الاندماجِ بالعُنصرِ المُتفوِّق (الأوروبي الأمريكي) في هذا العصر.
إنَّ الّذي يَتأمَّلُ في بديعِ خَلقِهِ سُبحانه تعالى سَيَجِدُ في الزِّنجيَّاتِ مَلكات جَمالٍ يَفوقُ حُسنهنَّ جَمال معظمِ شقراواتِ العالَم، وكذلك في الألوانِ والأعراقِ الأخرى. ربُّنا عادِلٌ، ولِكلِّ لونٍ جَماله، ولو أنَّ الأفارقةَ كانوا هم الغالبينَ المُتفوِّقينَ عالَميَّاً فإنَّني أتَوقَّعُ أن يَخجلَ كثيرٌ مِن البيضِ الشّقر بلونهم، ولأصبحت الزِّنجيَّةُ بأنفِها العَريض وشَعرِها المُفلفلِ مِقياساً للجَمالِ الأنثوي.