أثر بعض الاضطرابات النفسية في الحياة الزوجية
أثر بعض الاضطرابات النفسية في الحياة الزوجية
Whatsapp
Facebook Share

أثر بعض الاضطرابات النفسية في الحياة الزوجية

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

أ. القلق

ب. الاكتئاب

ج. القهار (العصاب الوسواسي القهري)

د. الفصال (Dissociation)

ه. الزور (البارانويا)

و. التعاطي والإدمان

ز. عيوب الشخصية

  1. الشخصية الزورية (Paranoid Personality)
  2. الشخصية العزلية (Schizoid Personality)
  3. الشخصية الوسواسية القهرية (Obsessive Compulsive Personality)
  4. الشخصية المعتمدة
  5. الشخصية المسرحية الاستعراضية (Histrionic Personality)
  6. الشخصية الفاسدة المريدة (السيكوباثية) (Psychopathic Personality)

 

إنَّ الحياةَ الزّوجيّةَ تقومُ على علاقةٍ بينَ نفسينِ بَشريّتين وعلى التَّفاعُلِ والتّواصُلِ بينهما، وإنَّ أيَّ اضطرابٍ في واحدةٍ مِن هاتينِ النَّفسَينِ أو في كليهما لا بُدَّ أن يُؤثِّرَ سَلباً في العَلاقةِ بينهما وفي طبيعةِ تفاعلهما وتَواصلهما، الأمرُ الّذي يَجعلُ لِمعرفةِ هذه الاضطراباتِ وطرقِ عِلاجها أهميَّةً كُبرى مِن أجلِ حياةٍ زوجيَّةٍ أفضل لكثيرٍ مِنَ الأُسر.

 

لَن أتَحدَّثَ في هذه المقالة عن الاضطراباتِ العقليَّةِ الكُبرى إذ هي مِنَ الوضوحِ والشِّدَّةِ بحيثُ لا يَخفى وجودها على أحدٍ ولا يَتردَّدُ أحدٌ في السّعي لِعلاجِها في أسرعِ وقتٍ، لكن حديثي سَيتناولُ إن شاءَ الله اضطراباتٍ نفسيَّةٍ أكثر شيوعاً وأقلّ شِّدَّة وَحِدَّة، وهي لذلك قد تُؤثِّرُ في الحياةِ الزّوجيَّةِ لأُسرٍ كثيرةٍ ولِفتراتٍ طويلةٍ دونَ أن يَنتبهَ الزّوجانِ إلى وجودِها وإلى أنَّها هي وراء الكثير مِن مُعاناتِهم ومَصاعبِهم.

 

سنتحدَّثُ إن شاءَ الله عن القَلقِ النَّفسي وما أشيَعهُ في هذا العَصرِ، وعن الاكتئابِ النَّفسي وآثارِه معَ التَّذكيرِ به في فترةِ ما بعدَ الولادةِ وفي سِنِّ اليأسِ، وعن عُسرِ المَزاجِ ما قبل الطّمثِ، وعن القُهارِ أو ما يُسمّى الوسواس القهري، وعن الفُصالِ أو ما يُسمَّى الهستيريا، وعن الزَّوَرِ أي البارانويا وما ينتِجُ عنها مِن غيرةٍ مَرضيَّةٍ، وعن التّعاطي والإدمان، وعن عيوبِ الشَّخصيَّةِ المُختلفة.

 

إنَّه مِنَ الصّعبِ جدَّاً بل قد يكونُ مِنَ المُستحيلِ أن تُوجَدَ حياةٌ زوجيَّةٌ مُثْلى ومُشبعة للطّرفينِ تُحقِّقُ لكليهما السّكنَ النّفسي ما لَم يَتَمَتَّع كِلا الزّوجين بحدٍّ أدنى مِنَ الصِّحَّةِ النَّفسيَّة.

 

أ. القلق

 

ليس مِنَّا مَن لَم يَذُق طَعمَ القَلقِ النّفسي ولو مرَّةً في حياتِه في موقفٍ أو ظرفٍ أو أزمةٍ ممّا لا تَخلو منه حياة أحد. لكن يُمكِن لِمشاعرِ القَلقِ أن تكونَ مَرضاً مُزعجاً حيثُ تَسودُ أغلب الوقت، وهي إن كانت في الغالِبِ مُتعلِّقةً بأمورٍ في العَملِ أو الدِّراسةِ أو الصِّحَّةِ أو الحياةِ الزَّوجيَّةِ نفسها أو غير ذلك، لكنَّها تكونُ أشدّ ممّا يَستدعيه الأمر، وربّما لا يكونُ في الأمرِ ما يَستَدعيها أصلاً، ويَعجَزُ الإنسانُ القَلِقُ عن التَّحكُّمِ بقلقه، ممّا يُفقده راحته واطمئنانه ويَجعله مَشدوداً مُتوفزاً مُتَرَقِّباً، ويَصعبُ عليه التَّركيز الذّهني، ويَضطربُ نومه فَيُصابُ بالأرقِ أو تَقَطُّعِ النَّومِ أو يكون نومه غير مُريح، وتَنشَدُّ عضلاته وتَكثرُ لديهِ الآلامُ والصّداعاتُ نتيجةَ ذلك، ويُصبحُ سريعَ التَّعبِ مُرهَقاً أغلب وقته دونَ سبب، ويَزدادُ نَزقاً وعصبيَّةً فَيَغضبُ لأمورٍ تافهةٍ ويَثورُ لأسبابٍ ما كانت ستُثيره لولا القَلق النَّفسي الّذي غلبه وسيطرَ عليه، ويَركبه الهمُّ فَتَقلُّ رَغبته في اللّقاءِ الجَسدي ويَضعف تَجاوبه وقدرته، وقد يكونُ الأمرُ على العَكسِ مِن ذلك حيثُ تُصبحُ الرّغبةُ شديدةً وكأنَّه يُعالِجُ قلقه بالمُتعةِ الجنسيَّةِ الّتي عندها لا يَهمُّ فيها القربُ العاطفي بِقدَرِ ما يَهمُّ فيها التّنبُّه الجسدي وحالة الاسترخاءِ الّتي تتلوها. ولا ننسى أثرَ القَلقِ في الشّهيَّةِ للطّعامِ فهو سببٌ رئيسٌ للسّمنةِ أحياناً وسببٌ أساسٌ للنَّحافةِ الزّائدةِ أحياناً أُخرى.

 

وواضحٌ أنَّ الزّوجَ القَلِقَ العَصبي أو الزّوجةَ القَلِقَةَ المُتَوتِّرة المهمومة لَن يَقدرا على التّفاعلِ مع شريكِ الحياةِ تَفاعلاً مُرضيَّاً، بل العَصبيَّة تُعَقِّدُ الأمورَ وتُوَلِّدُ مَشاعِرَ الغيظِ والاستياءِ والعِداءِ لدى الطّرف الآخر، فيَصدر عنه مِنَ الأفعالِ والأقوالِ ما لا يَسرُّ، فتزدادُ الأمورُ سوءاً ويَزدادُ العَصبيُّ غضباً وَحِدَّةً ويَتَصَوَّرُ أنَّه مُحِقٌّ في غضبِه وأنَّ مُشكلتَه هي في الزّوجةِ ذاتِ المَزاجِ النّكدِ أو الزّوجِ الّذي ابتعدَ عاطفيَّاً ونَفسيَّاً، وقد لا يَنتبه الإنسانُ القَلِقُ إلى أنَّ عَصبيَّته النّاتجة عن قلقِه النّفسي هي السّبب الّذي أَوجَدَ كلّ هذه الصّعوبات في حياته الزّوجيّة، وقد لا يَنتبهُ الطّرفُ الآخرُ إلى هذا السّببِ أيضاً فَيَظُنُّ أنَّ عصبيَّةَ الزّوجِ أو الزّوجةِ إنَّما هي سوء خُلقٍ وشَراسة طَبعٍ وقِلَّة مودّة.

 

المهم أن يَنتبهَ الأزواجُ والزّوجاتُ إلى هذا السّببِ لِبعضِ مُشكلاتهم فَيُبادِروا إلى طَلَبِ العِلاجِ، حيثُ قد يكونُ القَلَقُ ناتجاً عن ضغوطِ الحياةِ والعَجزِ عن التَّعامُلِ والتَّكَيُّفِ معها، وقد يكونُ مَرَضيَّاً، وقد يَنتُج عن السّببينِ كليهما، والعِلاجُ النّفسي والدّوائي مفيدٌ وناجِحٌ في الغالِبيَّةِ العُظمى مِن الحالات.

 

ب. الاكتئاب

 

إنَّ نسبةَ مَن يُصابونَ بالاكتئابِ النّفسي ولو مرّة في حياتِهم تَصِلُ إلى 10% وفي النِّساءِ تَصِلُ إلى 15%.. وفي الاكتئابِ النّفسي يكونُ مزاجُ الشّخصِ كئيباً وحزيناً أغلب وقته وأغلب أيّامه، وتَقلُّ رَغبته في النّشاطاتِ الّتي كانَ يَستَمِدُّ منها المُتعة أو كانَ مُتحمِّساً لها، ويُصبحُ غير قادر على الاستمتاعِ فَتَقلُّ شهيَّته للطّعامِ وإن كانَ العَكسُ في بعضِ الحالاتِ حيثُ تَزدادُ الشَّهيَّةُ بشدّة، ويُصابُ بالأرقِ أو على العَكسِ يَكثرُ نومه بشكلٍ غير طبيعي، ويُصيبه الإعياء والإرهاق ويَفقد طاقته وحيويَّته المُعتادة، ويَضعف تَركيزه الذّهني وذاكرته ويَجِد صعوبةً في اتِّخاذِ القَرارات، ويُعاوده التّفكيرُ بالموتِ فيُصبح مُتشائماً لا يَجِد جدوى مِنَ العَملِ والتّخطيطِ للمُستقبل، وقد يُصيبه البطءُ النّفسي الحَركي أو على العَكسِ يُصبحُ مُتَوتِّراً وعصبيَّاً، كما تَضعف رغبته الجنسيَّة على درجاتٍ قد تَبلغ حدَّ العَجزِ عند الرَّجلِ والنَّفورِ والامتناعِ والبرودِ عند المرأةِ، كما تَكثر الأعراضُ البدنيَّةُ الَّتي ليس لها سببٌ عضوي.

 

والمهم بالنِّسبةِ لَنا ليست حالاتُ الاكتئابِ الشّديدةِ الواضحةِ رُغمَ آثارِها البالِغةِ على الحياةِ الزّوجيَّةِ، إنَّما يَهمُّنا حالات الاكتئابِ النّفسي مُعتَدل الشِّدَّة الّذي قد لا يَنتبه الشّخصُ لوجوده، أو لا يَنتبه إلى ذلك زوجه... إذ في هذه الحالات يَحدُث سُوء تفسير لسببِ العَصبيَّةِ أو ضعف الرّغبة الجنسيّة، فالعَصبيَّةُ تُفَسَّرُ على أنَّها سوءُ أخلاقٍ ونَقص في المَحبَّة، والنُّفورُ مِنَ العَلاقةِ الجنسيَّةِ يُفَسَّرُ على أنَّه نفورٌ مِنَ الطّرفِ الآخرِ ورَفضٌ له، فَيَنضافُ ألَمُ الإحساسِ بالنبذِ والرّفضِ إلى ألَمِ الحِرمانِ والإحباطِ، وتَمتَلِئُ نَفسُ الطّرفِ الثّاني غيظاً على الأوّلِ وقد تتفاقَمُ المُشكلات، معَ أنَّ الحالةَ مَرَضٌ قابِل للعِلاجِ النّفسيِّ والدّوائي.

 

واكتئابُ ما بعد الوِلادةِ يكونُ في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ مُعتَدِلَ الشِّدَّةِ لا يُشَخِّصه الشّخص العادي غير المُتخصِّصِ، لِذا قد تطولُ المُعاناةُ دونَ طلبٍ للعِلاج، معَ أنَّ نسبة السَّيِّدات اللّواتي يُصيبهنَّ الاكتئاب ما بعد الولادة تَصِلُ إلى 15%، وإضافة إلى أَثرِ هذا الاكتئابِ على العَلاقةِ معَ الزّوجِ فإنَّهُ يُعيقُ العَلاقةَ الطَّبيعيَّةَ مع المَولود، وهذا يُضيفُ مَزيداً مِن الأهميَّةِ للانتباهِ له وعِلاجه المُبَكِّر.

 

ومِنَ المُفيد أن نَذكُرَ حالاتِ عسرِ المَزاجِ الّتي تُصيبُ الكثيرَ مِنَ النِّساء خلالَ الأسبوعِ السّابقِ للطّمثِ وتَتَحسَّنُ خلالَ أيّامٍ مِن بِدئه، حيثُ يَكتئبُ مَزاجُ المرأةِ وتُصبِحُ قلِقةً مُتَبَدِّلةَ المَزاجِ عصبيَّةً سريعة الغَضبِ، وتَقلُّ رَغبتها في أداءِ واجباتِها وغير ذلك مِنَ النَّشاطات.

 

والعِلاجُ النّفسي وأحياناً الدَّوائي مفيدٌ في الحالاتِ الشّديدةِ مِن عسرِ المَزاجِ ما قَبلَ الطّمث، وإلّا فإنَّ هذه الحالات قد تُسيءُ إلى الحياةِ الزّوجيَّةِ وبخاصة أنَّها تَحدُث في النّصفِ الثّاني مِنَ الدّورةِ الشّهريَّة، أي النّصف الّذي تَميلُ فيه الرّغبةُ الجنسيَّةُ عند كثيرٍ مِنَ النِّساءِ إلى الهدوء.

 

ج. القهار (العصاب الوسواسي القهري)

 

وفي هذا المَرضِ تُسيطِرُ على الشّخصِ أفكارٌ أو نَزعاتٌ أو تَخيُّلاتٌ مُستمرة أو مُعاودة لا يَرغَبُ هو فيها ويُحاوِلُ طردها مِن عقلِه لكنَّه يَعجَزُ عن ذلك، وبخاصة أنَّه يَعتبرها سخيفة وغير مُناسبة وهذه هي الوساوس، أمّا الأقهارُ (الأفعالُ القَهريَّة) فهيَ إمّا تَصرُّفاتٌ حَركيَّةٌ مثل غسل اليدينِ المُتكرِّرِ أو التّرتيب والتّفحُّص والتّأكُّد مِنَ الأشياءِ بشكلٍ مُتَكَرِّرٍ جدَّاً، أو هي أفعالٌ عقليَّةٌ يَجِدُ الشّخصُ نفسه مَدفوعاً للقيامِ بها مثل تِردادُ كلماتٍ مُعيَّنةٍ بعقلِه أو عَدُّ أشياء مُعَيَّنة فيما حوله وما شابه.

 

وفي القُهارِ يحسُّ الشّخصُ بتَوتُّرٍ شديدٍ وانزعاجٍ إن هو لَم يَستَجِب للرّغبةِ القَهريَّةِ في القِيامِ بفعلٍ مُعيَّنٍ أو التّفكيرِ في أمرٍ مُعيَّنٍ... والقُهارُ يَجعلُ الإنسانَ بطيئاً إذ يَضطرُّ إلى إعادةِ بعضِ أفعالِه مرّاتٍ ومَرّات، فَيضيعُ وقته وعادة يَستخفي بأعراضِه ولا يُطلِعُ عليها أحداً ويَختَلِقُ الأعذارَ والحججِ لِيُبَرِّرَ الوقتَ الطّويلَ الّذي يَقضيه في الحمّامِ أو الصّلاةِ أو العَملِ، أمّا الزّوجة المُوسوسة بالنّظافةِ فسوفَ تَجعلُ الزّوجَ والأولادَ في تَوتُّرٍ دائمٍ ما لَم يَقبلوا الالتزامَ بقواعِد النّظافةِ المُبالَغِ فيها والتّعقيمِ الّذي لا داعيَ له الّتي تَفرضها عليهم وقد يكونُ الزّوجُ هو المُصاب.

 

وهذا المَرَضُ يُسَبِّبُ نوعاً مِنَ الغِيابِ لأحدِ الزّوجينِ حيثُ هو غائِبٌ حاضِرٌ، فهو مَوجودٌ لكنّه مُنشَغِلٌ بوساوسه وأقهارِه، ولا يَكادُ يَبقَ لديهِ مِنَ الوقتِ ما يُنفقه معَ الزّوجِ الآخرِ، وهذا يُؤثِّرُ بشكلٍ سلبيٍّ جِدَّاً على حياتِهما الزّوجيَّةِ الّتي تتطلَّبُ حدَّاً أدنى مِنَ المُشاركةِ والقُرب. وهذا المَرَضُ قابِلٌ للعِلاجِ الدّوائي والنّفسي السّلوكي ولا داعي للمُعاناةِ الصّامتة.

 

د. الفصال (Dissociation)

 

أو الأعراض الهستيريَّة مِن مِثل النّوباتِ الّتي تُشبه الصّرع أو مِثل فقد الصّوتِ نهائيّاً أو الشّلل في أَحدِ الأطرافِ أو العَمى أو الصّمم أو فقد الذّاكرة أو حالات الانحضار أو حالات سرعة التّنفس والبكاء المُستمر أو غير ذلك، لكن دونَ سببٍ عضوي لهذه الأعراض.

 

ويَغلب أن تُصابَ بالفُصالِ النِّساء، وإن كانَ الرِّجالُ يُصابون به أحياناً، وهي أعراضٌ تَفتعلها النّفسُ دونَ وعي مِنَ المَريضِ وذلكَ مِن أجلِ التّخلُّصِ مِنَ القلقِ الّذي لا تتحمّله أو مِن مسؤوليّة لا تَقدر عليها أو مِن أجلِ الحصولِ على العَطفِ والاهتمامِ والانتباهِ، ومعَ أنَّ الزّوجَ قد يَتجاوب في المرَّاتِ الأولى فيُقَدِّمُ الاهتمامَ والعَطفَ ويَستَجيبُ لطلباتٍ للزّوجةِ رُبَّما كانَ قد رَفَضَها، لكن مَيل هذه الأعراض للمُعاودة وبخاصّة عندما تَتمُّ مُكافأتها على النّحوِ المَذكورِ، وتأكّد التّشخيص أنَّها أعراضٌ نفسيّة المَنشأ، فإنَّ ذلك كله يُولِّدُ في نفسِ الزّوجِ نوعاً مِنَ الغَيظِ والاستياءِ ويُشعره أنَّه يَتعرَّضُ للابتزازِ، كما يغيظه ضعف زوجته وانهيارها عندَ كلِّ أزمةٍ بهذا الشّكلِ الدرامي الّذي يَستَدعي إسعافها الفَوري إلى المُستشفياتِ أو إلى المُعالِجين الدِّينيين، وهذا يُصيبُ العلاقةَ الزّوجيّةَ بِخَلَلٍ شديد، إذ المَفروض أنَّها علاقةُ عطاءٍ ومُساندةٍ مُتبادَلَين، لا علاقةُ اعتماديَّةُ أحدِ الزّوجينِ على الآخرِ الّذي يُصبحُ دوره دورَ أمٍّ معَ طفلٍ مُحتاج.

 

والعِلاجُ النّفسي مفيدٌ جدَّاً لهذه الحالات ويجبُ عدم التّأخُّرِ في طلبه قبلَ بلوغِ المَشاعر السَّلبيَّةِ لدى الزّوج حدَّاً مُدمِّراً للحياةِ الزّوجيَّة.

 

ه. الزور (البارانويا)

 

أو مرضُ الشَّكِّ والظَّنِّ، وغالِباً تكونُ الحالةُ شديدةً وتَستدعي العِلاجَ الفَوري، لكن المُشكلة في الحالاتِ الأخَفِّ الّتي يبقى فيها الشّخصُ مُحافِظاً على توازنٍ ظاهريٍّ أمامَ النَّاسِ ما عدا شَكَّهُ الّذي لا مُبرِّرَ له في ناحيةٍ مُعيَّنةٍ، وقد يكونُ المَرضُ خفيفاً جدَّاً ولا يَظهرُ إلّا على شكلِ غِيرةٍ مَرَضيَّةٍ وشَكٍّ في إخلاصِ الزّوجِ أو الزّوجة، وينتجُ عنه اتّهامٌ للطّرفِ الآخرِ بالخِيانةِ أو مُراقبته والبحث عن دليلٍ يُؤكِّدُ الظَّن. والحياةُ الزّوجيَّةُ دونَ ثِقَة، والعيشُ دائماً في مَوقِعِ المُتَّهَمِ يجعلُ هذه الحياةَ لا سعادةً فيها ومليئةً بمشاعرِ العَداوةِ مِنَ الطّرفِ المُصابِ لأنَّه يَشكُّ بالطّرفِ الآخرِ ومِنَ الطّرفِ السّليمِ الّذي يغيظه الاتّهام القَبيح وهو بريء.

 

وهي حالاتٌ تَستَجيبُ للعِلاجِ الدّوائي وبِعلاجِها تتحسَّنُ الحياةُ الزّوجيَّةُ تَحسُّناً كبيراً.

 

و. التعاطي والإدمان

 

وبإيجازٍ نقولُ إنَّه ليس هنالِكَ مادّة مِنَ الموادِّ التّي يُدمِنُ عليها المُدمنونَ مُخدِّرة كانت أو مُنبِّهة، خمراً كانت أو غيره إلّا وهي تَجعلُ الشّخصَ الّذي يقعُ تحتَ تأثيرِها زائد العداءِ للنّاسِ، وقد تَجعله عدوانيَّاَ في أفعالِه حيث لا يَقتصِرُ الأمرُ على العداء في مشاعرِه؛ وكلّها تقريباً تَجعلُ المُتعاطيَ يعيشُ مشاعِرَ عَظَمَةٍ وهميَّةٍ فَيَقلُّ حَياؤه وتَقلُّ مُراعاته لِمشاعِرِ الآخرين، وبعضها يَجعلهُ زَوريَّاً شَكَّاكاً يَتَّهمُ زوجته بالخِيانةِ، ويَظن أن غيره يتآمر عليه لإيذائِه أو قتلِه.

 

إضافة إلى أنَّ المُدمِنَ والمُتعاطِيَ عموماً يَكسب أقلّ ويُنفِقُ أكثر، فإنَّ المُتعاطِيَ والمُدمِنَ يكونُ أكثر انشغالاً بنفسه ومَلذَّاتِه وأقلّ اهتماماً بالزّوجِ أو بالزّوجةِ وبالأطفال. وكلُّ ذلكَ يُصيبُ العَلاقةَ بينَ الزّوجينِ في الصّميمِ حيثُ يُعاني الطّرفُ الّذي لا يَتعاطى، يُعاني مِن إساءاتِ الطّرفِ الأوَّلِ، ويَبقى لِهذهِ الإساءات أثرها حتّى وإن جاءت في حالةِ سُكْرٍ، لأنَّ جروحَ النّفسِ كجروحِ الجَسَدِ تترُكُ ندباتٍ تدومُ طويلاً، وقد يَتحوَّلُ الحُبُّ إلى بُغضٍ وتَسوءُ الأحوالُ إلى حَدٍّ كبير.

 

ز. عيوب الشخصية

 

لقد أصبحَ مِنَ المَعلومِ في العُلومِ النّفسيَّةِ أنَّ التّشابُهَ وبخاصة في الميولِ والاهتماماتِ والطِّباعِ يَجعلُ أيَّ علاقةٍ بينَ اثنينِ أقوى وأكثر إشباعاً وإرضاءً لكلٍّ منهما، وشخصيَّاتُ البَشرِ تتنوَّعُ بشكلٍ كبيرٍ، وإن كانَ أكثر النَّاسِ يَصعبُ وصف شخصيَّاتهم بوصفٍ خاصٍّ، لكن البَعض يَغلب على شخصيَّتهم طبعٌ مُعَيَّنٌ أو نمطٌ سلوكيٌّ مُعَيَّنٌ فيصبغُ شخصيَّتهم بصبغةٍ تَجعلها قابلةً للتّصنيفِ والوَصفِ... وهذا يَجعلها في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ شخصيَّات مُضطربة لأنَّها طَغَت عليها صفةٌ وزادَ مقدارها في تكوينها، والزِّيادةُ كالنَقص كِلاهما عَيبٌ ومُشكلة... فعلى سبيلِ المِثال، مِنَ الطّبيعي أن يكونَ لدى الإنسان قدرة على الشَّكِّ في نوايا الآخرين والحَذَرِ منهم وهذا ضروريٌّ لِحمايةِ الفَردِ، أمّا أن يَطغى ذلك على شخصيَّته بحيثُ يَصعُب عليه الثِّقَة بالآخرين فإنَّ ذلك يَجعلُ شخصيَّته مُضطربةً ويجعلُ قدرته على تكوينِ العَلاقاتِ والمُحافظة عليها ضعيفةً. وكذلكَ مِنَ الطّبيعي أن يكونَ المرءُ مُوَسوسَاً قليلاً بحيثُ يَهتمُّ بالتّفصيلاتِ ويَحرصُ على التّمامِ والكمالِ والدِّقة، لكن إلى حدٍّ مُعيَّنٍ، فإن زادَ عنه صارت شخصيَّته وسواسيّة قهريّة تَطغى فيها الدِّقة والنِّظام على الغايةِ والجَوهرِ، وهكذا الأمور في باقي عيوب الشّخصيَّة، وواضحٌ أنَّ الإفراطَ في بعضِ الطِّباعِ والعاداتِ السّلوكيَّةِ يجعلُ الحياةَ الزّوجيَّةَ معَ شخصٍ مِن هذا النَّمطِ أقلّ سعادةً وأقلّ نجاحاً.

 

1. الشخصية الزورية (Paranoid Personality)

 

صاحب هذه الشّخصيَّة مَيَّالٌ إلى عدمِ الثِّقةِ وإلى الشَّكِّ بالآخرينَ ونواياهم نحوه حيث يُفسِّرها على الغالب على أنَّها نوايا سيِّئة، كما قد يَميلُ إلى تَوهُّمِ العَظَمَةِ وتَوهُّمِ الاضطهادِ دونَ مُبرِّرٍ كافٍ. وصاحبُ الشّخصيَّةِ الزّوريَّةِ مُتعِبٌ لِمَن حوله كشريكه في الزّواجِ أو زملائِه في العَملِ، حيثُ لا يُمكِنُ للحُبِّ أن يوجد دونَ ثقةٍ وبخاصّة بين الزّوجين، والغَيرةُ المَرَضيَّةُ الّتي لا مُبرِّرَ لها مشكلةٌ كُبرى في حياةِ الأزواجِ والزّوجاتِ إن كانَ أحدُ الزّوجين مِن هذا النَّوع؛ كما أنَّ هذا النّوع مِنَ النَّاسِ لا يَحتَرم العَواطِف ولا يَرحم الضّعف، لِذا فإنَّ أتعسَ الزّوجاتِ زوجةٌ مَيَّالةٌ للاعتماديَّةِ ابتُلِيَت بزوجٍ زَوريٍّ يَبخَلُ عليها بالحنانِ والعاطفةِ ويَتعامَلُ معَ ميولِها للاعتمادِ عليه على أنَّه ضعفٌ جديرٌ بالازدراءِ، فيتسلَّطُ عليها ولا يَهتمُّ لِمشاعرِها، وكثيراً ما يكونُ الاكتئابُ النّفسي مِن نَصيبِ هذه الزّوجة.

 

2. الشخصية العزلية (Schizoid Personality)

 

حيثُ يَميلُ الشّخصُ إلى العُزلةِ العاطفيَّةِ وعدمِ الانخراطِ في علاقاتٍ اجتماعيَّةٍ حميمةٍ وعميقةٍ، ويكونُ محدودَ القُدرةِ على التّعبيرِ عن العَواطِفِ في علاقاتِه مع الآخرين، وفي المُجتمعاتِ الغربيَّةِ قد لا يَتزوَّج الكثيرون مِن أصحابِ الشّخصيَّةِ العُزليّةِ إذ هم عادة لا يحسُّونَ بالرّغبةِ ولا بالمُتعةِ الكبيرةِ في العلاقاتِ الحميمةِ، لكن في مُجتمعاتِنا وبسببِ توقُّعاتِ المُجتمعِ وضغطه قد يَتزوَّجونَ، فيكونُ منهم إن تَزوَّجوا أزواجاً أو زوجاتٍ باردينَ عاطفيَّاً مَيَّالينَ للنَّشاطاتِ الفرديَّةِ وقليلي الاهتمامِ بالعلاقاتِ الجنسيَّةِ، وواضحٌ إلى أيِّ حدٍّ ستكونُ الحياةُ الزّوجيَّةُ مع شخصٍ مِن هذا النّوع، إذ ستغيبُ منها العواطف أو تَكاد، مع أنَّ الثِّقةَ تكونُ طبيعيَّةً بعكسِ الشّخصيَّةِ الزَّوريَّةِ.

 

3. الشخصية الوسواسية القهرية (Obsessive Compulsive Personality)

 

فيها يَطغى على الشّخصِ الاهتمامُ الزَّائدُ والانشغالُ بالنِّظامِ والتّرتيبِ والكَمالِ والمَيل إلى التَّحكُّمِ والسَّيطرةِ في المَجالِ العَقلي وفي مَجالِ العلاقةِ معَ الآخرينَ على حسابِ المرونةِ والانفتاحِ والكفاءةِ.

 

إنَّه مشغولٌ بالتّفاصيلِ والقواعدِ والنِّظامِ والتّرتيبِ حتّى لو أدّى ذلك إلى ضياعِ الهدفِ والجَوهَرِ مِنَ النَّشاط، وعدم تَحمُّله لأيِّ عيبٍ أو نقصٍ قد يُعيقُ قدرته على الإنجاز؛ وهو عادة شخصٌ يُكَرِّسُ نفسه للعملِ والإنتاجِ إلى حدِّ غيابِ النَّشاطاتِ التّرويحيَّةِ والمُتعيَّةِ والصّداقاتِ مِن حياتِه، وهو مُوَسوسٌ في الأمورِ الأخلاقيَّةِ والالتزامِ بالقِيَمِ والدِّينِ إلى حدِّ الصّلابةِ الحَرفيَّةِ، كما يَميلُ إلى الاحتفاظِ بأشياءٍ كثيرةٍ يرميها النَّاسُ عادةً، تَحَسُّباً منه لاحتمالِ الحاجةِ إليها مُستقبلاً، وفيهِ تَصلُّبٌ وعِنادٌ ولا يَرضى المُشاركة في عملٍ مع الآخرين إلّا على طريقتِه هو، وهو مَيَّالٌ إلى الاقتصادِ والبُخلِ نحو نفسه ونحو أُسرته حيثُ يَميلُ إلى الاحتفاظِ بالمالِ للأيَّامِ السّوداءِ الّتي لا يَنسى احتمالَ حدوثِها، فهو دائماً قَلِقٌ على المُستقبل.

 

وأصحابُ هذه الشّخصيَّة مُفرِطو الغيرةِ على الزّوجِ أو الزّوجةِ لأنَّهم بسبب طبيعتهم الوسواسيَّةِ يُفكِّرونَ بالاحتمالاتِ كلّها، وبسببِ قلقهم الزّائد يَبذلونَ الجهدَ لِعَدَمِ حدوثها فيكونون مُتعِبينَ لأزواجهم أو زوجاتهم بهذه الغيرةِ الزّائدة.

 

كما إنَّ مَيلَهم إلى التّحكُّمِ بِغيرِهم وبخاصّة في الأزواجِ يَجعلُ الحياةَ الزّوجيَّةَ صعبة، تُحْرَمُ فيها الزّوجةُ مِن فُرَصِ الاستقلاليَّةِ المُهمَّةِ لِتحقيقِ الذّاتِ والسّعادةِ في الحياة؛ ومَيلهم إلى العملِ على حسابِ التّرويحِ والعلاقاتِ الاجتماعيَّةِ يُشَكِّلُ مُشكلةً أُخرى في الحياةِ الزّوجيَّة، فالزّوجةُ مِن هذا النّمَطِ تُفضِّلُ قضاءَ وقتِها في التّرتيبِ والتّنظيفِ وتَنظيمِ شؤونِ أطفالِها وغيرِ ذلك، ولا تَتجاوبُ معَ رَغبةِ زوجها في النّشاطاتِ التّرويحيَّةِ أو الاجتماعيَّةِ كزيارةِ الآخرينَ أو استقبالِهم.

 

إنَّ وجودَ صفةُ الوسواسيَّةِ الزّائدةِ في شخصيَّةِ أحد الزّوجين يَخلقُ صعوباتٍ كثيرة في العلاقةِ بينهما وبخاصّة إن كانَ الزّوجُ الآخرُ حسَّاساً لاستقلاليَّته.

 

4. الشخصية المعتمدة

 

حيث يكونُ لدى الشّخص حاجةٌ شديدةٌ إلى أن يَهتمَّ به الآخرونَ ويَرعونَه لحدٍّ يَجعله يَتَعلَّقُ بهم ويَخضعُ لهم خَشيةَ أن يَهجروه، وهو شخصٌ يَجِدُ صعوبةً في اتِّخاذِ القراراتِ في حياتِه اليوميَّةِ ما لَم يَتَلَقَّ الكثير مِنَ النّصيحةِ والتّطمينِ مِنَ الآخرين، ويحتاجُ إلى أن يَتَولَّى الآخرونَ المسؤوليَّةَ عن أغلبِ شؤونِ حياتِه، وهو لذلكَ لا يَجرؤ على مُخالفتِهم لخوفِه مِن فَقدِ مُساندتِهم أو قَبولِهم ورِضاهم، ومِن أجلِ تأمينِ هذه المُساندة وهذا الرِّضا قد يَضطرُّ إلى مُطاوعتِهم في أمورٍ لا تُسعده، وقد يَتحمَّلُ الإيذاءَ والإهانةَ منهم خَشيةَ فقدِهم، إذ يَحسُّ بالعَجزِ إن كانَ وحيداً ولديهِ خوفٌ كبيرٌ مِن أنَّه لَن يَقدِرَ أن يهتَمَّ بنفسِه وحده، لِذا فإنَّه إن هجره مَن يَعتمدُ عليه سارعَ في البحثِ عن بديلٍ له على الفَور.

 

إنَّ الزّواجَ مِن شخصٍ مِنَ النَّمطِ المُعتَمِدِ العاجِزِ عن الاستقلاليَّةِ والاكتفاءِ الذّاتي، يُشبهُ الزّواج مِن طفلٍ لديه احتياجات كثيرة وقدرة على العطاءِ محدودة، لِذا فإنَّ الطّرفَ الثَّاني في الزّواجِ يَشعرُ بالغُبْنِ إذ هو الّذي يُعطي ولا يَتلقّى بدورِه ما يَحتاجُ إليه مِن مُساندةٍ وعاطفةٍ... وإن كانَ الزّوجُ هو المُعتَمِد، تَوَلَّت الزّوجةُ قيادةَ الأسرة، وبمرورِ الوقتِ يَجتاحها القلقُ النّفسي، لأنَّها تحسُّ أنَّ زوجَها عاجزٌ عن أن يكونَ مصدرَ الحِمايةِ والمُساندةِ النَّفسيَّةِ لها وقت الأزمات. أمّا الزّوجةُ المُعتَمِدة فإنَّها تتحمَّلُ صنوفَ الإذلالِ وأنواعَ الإساءاتِ ولا تَجد في نفسِها القدرة على فَصمِ هذه العلاقة المُؤذيَّة.

 

5. الشخصية المسرحية الاستعراضية (Histrionic Personality)

 

حيثُ يكونُ الشّخصُ مُفرِطاً في عاطفيَّتِه وفي سَعيه لِلَفتِ انتباهِ الآخرينَ إليه، ولا يَرتاح إلَّا إن كان في مركز الاهتمام، وهو يُبدي عواطِفَ سطحيّة مُتبدِّلة بسرعة وأسلوبه مَسرحي درامي مُبالَغٌ فيه، ويستخدمُ مظهره الجسدي لِجَذبِ الانتباهِ لنفسه، ويكونُ سلوكه مُغْوِياً مِنَ النّاحيةِ الجنسيَّةِ لكن ليس الجنسُ غايته، وهو قابلٌ للإيحاءِ والتَّأثُّرِ بالآخرين وبالظَّروفِ بسهولة. ورُغمَ أنَّه يَظنُّ أنَّ علاقته بِمَن يَعرِف هي علاقةٌ حميمةٌ أكثر ممّا هي عليه في الحقيقة، فإنَّ تفاعُلَه مع الآخرينَ سَطحي؛ إنَّه مِثلُ مُمَثِّلٍ على خشبةِ المسرح، وهذا يَجعلُ زوجةً مِن هذا النّوعِ الّتي كثيراً ما تكونُ باردةً جنسيَّاً تتصرَّفُ وكأنَّها "أميرة" وذلكَ بِما لا يَتناسَبُ معَ واقعِها، أمّا إن لَم تُمكِّنها ظروفها مِن ذلك فإنَّها تَلعَبُ دورَ الشَّهيدة، وكلُّ ذلكَ يَجعلُ الحياةَ الزّوجيَّةَ أقلّ إشباعاً للطّرفِ الآخرِ الّذي قد يقومُ بِدورِه بِحجبِ عطائه النّفسي والعاطفي الّذي لا يَلقى له مُقابِلاً مُكافئاً.

 

6. الشخصية الفاسدة المريدة (السيكوباثية) (Psychopathic Personality)

 

إذ يكونُ فيها الشّخصُ بِلا قِيَمٍ ولا ضَميرٍ ولا يَتفهَّمُ مشاعِرَ الآخرينَ ولا يَحترمهم، إنَّما هو يَستغلُّهم ويَستخدمهم، وهُم بالنِّسبةِ إليهِ أشبه بالأشياء؛ وهمّهُ في الحياةِ نزواته ومُتعه ورَغباته، وليسَ لديه إحساسٌ بالمسؤوليَّةِ، والأصلُ عنده الكذب، ولا يَعرف النَّدمَ على ما يَقترفه بحقِّ غيره، وليس مُستغرَبَاً منه أن يُهمِلَ زوجته وأولاده ويسعى وراءَ مَلَذَّاتِه يُبَذّرُ المالَ وهم يَكادونَ يَموتونَ جوعاً... إنَّهُ يُمَثِّلُ ويَخدَعُ الآخرينَ ويقومُ بدورِ المُحبِّ لكنَّه لا يَعرِف الحُب، ولا يَعرِف الحلالَ والحَرامَ ولا يَخافُ إلّا مِنَ العقوبةِ المَاثلةِ أمامه، إنَّه لا يَعرِفُ الحياءَ ولا يَتورَّعُ عن شيءٍ إلَّا بسببِ الخوفِ لا أكثر. وما أشقى الزّوجةُ التّي تُبتَلى بزوجٍ كهذا، وما أسوأُ حظّ زوجٍ كانَ نصيبُه زوجةً مِن هذا النّوع.

 

في عيوبِ الشّخصيَّةِ جميعها والّتي تركنا بعضها دونَ بحثٍ اختصاراً، العِلاجُ النّفسيُّ هو العِلاجُ الأساسي ولا يَنجحُ إلّا إن تَوفَّرَ لدى الشّخص الرّغبةَ في إصلاحِ نفسِه والتّخلُّص مِن عيوبِ شخصيَّتِه، لِذا كانَ في عيوبِ الشَّخصيَّةِ دِرهمُ وقاية خيرٌ مِن قِنطارِ عِلاج، وذلك بالنِّسبةِ للأزواجِ يعني حُسن الاختيار، ثمَّ إنَّ فَهم هذه العيوب يَجعلُ الطّرَفَ الآخرَ أقدر على التّعامُلِ معَ الزّوجِ صاحب الشّخصيَّةِ المَعيبة.

Copyright 2017 ©. All Rights Reserved.