آثار الخمر النفسية في الحياة الزوجية
آثار الخمر النفسية في الحياة الزوجية
حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعر الرسول ﷺ يقول في الخمر:
ونشربها فتتركنا ملوكاً وأُسداً ما ينهنهنا اللقاء
ولا غرابة أن نسمع هذا القول عن الخمر من رجل كان حرباً على المشركين وكان يدافع وينافح عن الإسلام وعن رسول الله ﷺ، لكن دفاعه وهجومه كلاهما كانا بالشعر، أما السيف واللقاء الحقيقي للعدو فما كان لحسان فيه أي دور إذ كان حسان بن ثابت رضي الله عنه الرجل السوي المعافى الوحيد الذي يتخلف عن الجيوش ويبقى في المدينة المنورة مع النساء والنبي ﷺ عنه راضٍ، لأنه كان حربا إعلامية لكن في الوقت ذاته كان يفتقد لأقل قدر من الشجاعة، وما كان ليجرؤ على قتال او لقاء.
حسان وأمثاله من الجبناء يجدون في الخمر ما يبحثون عنه من شجاعة وجرأة وعظمة كلها زائفة ومؤقتة لا تتجاوز ساعة السكر. الرجل الضعيف يعطيه الخمر شعوراً بالعظمة والرجولة "فتتركنا ملوكاً وأُسداً" فيحس بالعظمة التي تحس بها الملوك وبالجرأة التي عند الأسود.. أما المرأة إذا شربت الخمر فإنها تشعر أنها ازدادت أنوثة وأن أنوثتها صارت طاغية وأنها صارت مثيرة للرجال أكثر من الناحية الجنسية، لكنها ثقة بالنفس زائفة وموقوتة ومن صنع الكحول الذي يفتك بخلايا الدماغ كما يفتك بخلايا الجسم كله... وهكذا وجدت الدراسات النفسية المعاصرة أن الغالبية العظمى ممن يدمنون الخمر هم أصحاب الشخصية المعتمدة الضعيفة، والذين يعانون من الرهاب الاجتماعي والخجل الشديد وعقدة النقص والدونية والذين يعانون من القلق النفسي والاكتئاب، وإنهم يجدون في الخمر تسكيناً مؤقتاً لمعاناتهم النفسية من عوامل الضعف هذه، وإن كان البعض يشرب الخمر ويستعمل ما يصل إلى يده من مخدرات لا لأنه يعاني بل لأنه يبحث عن المتعة ولا يبالي من أين أتت متعته من حلال أو من حرام، وهؤلاء مشكلتهم غياب التقوى لديهم وإن كان منهم أشخاص يصنفون في الطب النفسي على أنهم شخصيات فاسدة (سيكوباثية) لا تعرف الحياء ولا الشعور بالذنب.
وعندما يدمن الإنسان على الخمر يصبح رفيقه الأول ويلجأ إليه عند الفرح وعند الحزن وعند الغضب وعند الخوف وعند العزلة والوحدة وعندما يجتمع بأصحابه ويتمتع بلقائهم، يصبح الخمر جزءاً من حياته وكأنه عضو من أعضائه الغالية.
وأكثر الرجال يشربون في المراهقة وبداية الشباب أ ي يبدؤون الشرب قبل الزواج لكن النساء غالباً ما يبدأن الشرب بعد الزواج ويكون ذلك بتشجيع من الزوج ليكتمل الأنس بشربهما الخمر أو حضورهما حفلات الشرب العائلية، وقد تدمن المرأة إن كان لديها من العوامل النفسية ما يهيئها للإدمان، لكن في المجتمعات الغربية تشرب المرأة قبل الزواج، و مع ذلك يبقى الإدمان على الخمر مشكلة الرجال بالدرجة الأولى حيث قد يكون هنالك عشرة مدمنين من الرجال مقابل كل مدمنة واحدة من النساء.
وشرب الخمر إثمه أكبر من نفعه، أي ضرره أكبر من نفعه، إذ آثاره النفسية على الفرد وعلى الأسرة بالغة السوء والسلبية، فقد أثبتت الدراسات أن شرب الخمر يزيد من العدائية لدى الإنسان عندما يكون الخمر في دمه، ولدى الكثيرين لا يزيد الخمر العداء فقط لدى شاربه بل يزيد العدوان، والفرق بينهما أن العداء والعداوة هي مشاعر أما العدوان فهو سلوك يقوم خلاله شارب الخمر بإيذاء الآخرين بلسانه أو بيده، وحتى لو لم يتحول الشخص بالخمر إلى شخص عدواني فإن مشاعر العداوة التي تشتد لديه والانفلات Disinhibition الذي يحدث له يجعله يقول او يفعل ما يتحرج أو يستحيي أن يفعله دون خمر وكلها أفعال تؤذي مشاعر شريك الحياة وتخيف الأطفال وتغيب منها مشاعر الرحمة التي تجعل الحياة الزوجية مصدر الشعور بالأمان والسكينة للزوجين والأطفال. إن الخمر تزيد العداوة والبغضاء في الأسرة كما تزيدها في المجتمع، و ما أشد معاناة الزوجة التي يأتي زوجها آخر الليل سكراناً قد يضربها لأتفه سبب و قد يعلو صوته فيرعب الأطفال، ويجعل زوجته تستشعر الخزي الشديد عندما يصل صراخه وغضبه إلى الجيران، إنه في سكره يعيش العظمة الوهمية أما هي فتعيش الخزي والتعاسة والرعب وقد يضاف الى ذلك الشعور بالإهانة عندما يصر على معاشرتها بصورة بهيمية تفتقر إلى أية مقدمات أو مظاهر للمودة الرومانسية، ثم ينام ويغيب بعد أن أساء إلى كل أحبائه والذين ينتظرون منه الحب و الحنان والحماية.
وشرب الخمر يزيد الرغبة الجنسية لدى الجنسين لكنه يضعف القدرة، كم من رجل أفقده الخمر قدرته الجنسية لأن الكحول يخرب الأعصاب المسؤولة عن الانتصاب. فيتركه عاجزاً جنسياً ربما طيلة عمره، والخمر يجعل الكثيرين ممن يشربونه شكاكين في زوجاتهم أو أزواجهن، و يتسبب في الغيرة المرضية التي تؤدي في كثير من الحالات إلى الطلاق بناء على اتهامات نابعة من أوهام الزوج السكير سواء كان ضعيفاً جنسياً أو لم يكن.
وإدمان الخمر يحطم المستقبل المهني للمدمن، فبينما يترقى زملاؤه وتتحسن أحوالهم نجده يتردى وتنزل رتبته إلى أن يفقد عمله أو يبقى في وظيفة متواضعة، وهو في الوقت ذاته ينفق على إدمانه الكثير فتعيش أسرته في الفقر وتعاني من كل الآثار النفسية السلبية للفقر على الحياة الزوجية وعلى الأطفال. وبينما يتباهى الأطفال بآبائهم عادة وتتباهى الزوجات بأزواجهن تخجل الزوجة و يخجل الأولاد من أن يعرف أحد أن أباهم أو أن زوجها هو ذاك السكير، وهم دائمو الخوف أن ينكشف السر ويعرف الناس أن رب الأسرة مدمن خمر، وما أصعب حياة الأسرة التي لديها سر تريد إخفاءه عن الناس وتخشى دوماً من افتضاحه.
والخمر مشكلة الوقاية فيها خير ألف مرة من العلاج، ويجب على الفتاة التي يتقدم إليها خاطب يشرب الخمر أن لا تغامر في قبوله على أمل أن تصلحه هي وتهديه، أو بناء على وعد منه أنه سيترك الخمر عندما يتزوجها، لأنها مواعيد لا تتحقق مهما بدا هذا الرجل صادقاً وهو يقطع على نفسه العهود و المواثيق، لأن المشكلة ليست في صدقه أو كذبه، إنما في ضعفه وعدم قدرته على الوفاء بهذه الوعود.
إن الزواج من مدمن خمر أو مدمنة غلطة كبرى وعدم الوقوع فيها خير وأسلم، وإن كان أكثر من يقع فيها من النساء اللاتي سبق لهن المعاناة من إدمان آبائهن على الخمر.
إنه من النادر لمدمن خمر أن يذهب من تلقاء نفسه إلى الطبيب يطلب العلاج من الإدمان، والمدمنون لا يأتون إلى العلاج إلا تحت ضغط الزوجة التي أنذرته أنها ستتركه ما لم يتعالج ويمتنع عن الخمر أو التي تركته فعلاً ولن تعود إلا بعد أن يمتنع عن الخمر، أو الذي أنذره صاحب العمل أنه سيستغني عنه مالم يتعالج من إدمانه أو غير ذلك من جهات تضغط عليه فيطلب العلاج، و مع ذلك لا ينجح العلاج في أغلب الحالات، لا لأنه صعب ويحتاج إلى تصميم حقيقي من المدمن وإلى صبر، انما لأنه يحتاج إلى عملية إعادة تأهيل أي عملية إعادة صياغة لشخصية المدمن كي تقوى شخصيته الى الحد الذي يشعر فيه أنه لم يعد في حاجه الى الخمر، وعندها فقط يمكنه أن يعيش من دون الخمر، ورحلة العلاج الطويلة هذه إن توفرت لواحد فقد لا تتوفر للباقين، و إن صبر عليها واحد فقد لا يصبر عليها الأكثرية؛ إن التعامل مع مدمن الخمر أو المدمنة عندما يكون سكراناً إنما هو بالمداراة و عدم الاستفزاز ريثما تمر الساعات ويتخلص الجسم مما فيه من كحول، أما على المدى البعيد فلابد من الحزم و الجدية، إما أن يتعالج ومنذ البداية و إما أن يذهب في حال سبيله يقطع رحلة الخزي والمعاناة وحده في هذه الحياة، أما من يختار الصبر على الحياة الزوجية مع مدمن ومدمنة فله الحرية في هذا الاختيار لكن عليه أن يعلم أن هنالك معاناة قد تطول عشرات السنين، وأن هنالك آخرون سيعانون معه أي الأطفال الذين لا ذنب لهم، وللأسف هنالك كثيرون يعتقدون أنهم لن يجدوا زوجاً أو زوجة خيراً من هذا المدمن أو المدمنة فيحكمون على أنفسهم بالأشغال الشاقة المؤبدة في سجن حياة يفسدها الخمر من أولها إلى آخرها.