عناد الأزواج والزوجات -الدوافع والأسباب-
عناد الأزواج والزوجات
-الدوافع والأسباب-
في مجتمعاتنا، الشّكوى الّتي كثيراً ما يردِّدها الأزواج هي: "إنَّها عنيدة ولا تُطيعني"، أمّا الشّكوى المُتكرِّرة للزّوجات فهي: "إنَّه لا يحترمني". العِناد لا يقتصر على الزّوجات، بل كثيراً ما يكون سلوك الزّوج العِناد وفعل عكس ما تطلبه الزّوجة أو تقترحه، وإن كانت الزّوجة لا تقول: زوجي لا يُطيعني، بل تقول: "زوجي عنيدٌ ويتعمَّد أن يفعل عكس ما أُريد".
وللعِناد عند الأزواج والزَّوجات دوافعٌ وأسبابٌ بعضها مُتعلِّقٌ بشخصيّة المُعانِد، وبعضها مُتعلِّقٌ بثقافته والمفاهيم الّتي لديه عن الرّجولة، أو عن مكانة المرأة وحقوقها، أو عن الطّاعة الّتي أوجبها الله على الزّوجات للأزواج، وبعضها مُتعلِّقٌ بالمشاعر الّتي لدى كلّ من الزّوجين للآخر.
في أمريكا وأوروبا حيث لا شرعٌ يُنظِّم حياتهم الزّوجيّة، بل دعواتٌ إلى حياةٍ زوجيّةٍ قائمة على المُشاركة في اتّخاذ القرار وكأنَّ الاتّفاق بين الزّوجين على رأيٍ مُوَحَّدٍ في كلِّ القضايا أمرٌ ممكن الحدوث، هناك تمرُّ الحياة الزّوجيّة في السّنوات الأولى منها بصراعٍ على السّلطة يكون فيه كلٌّ من الزّوجين حريصاً على ألّا يتحكَّم به الزّوج الآخر، حتّى ينحسم الأمر في النِّهاية عن استسلام الزّوجة غالباً أو استسلام الزّوج أحياناً، وبعدها يُطيع الّذي استسلم الطّرف الآخر وتهدأ الأمور.
وقد انتقلت إلينا بعض المفاهيم فصارت بعض الزّوجات في مجتمعاتنا يَأْنَفْنَ من طاعة الزّوج وبخاصّةٍ بعدما أثبت العلم أنَّ مُعدَّل ذكاء الإناث لا يَقلُّ عن مُعَدَّلِ ذكاء الذّكور، ممّا زاد ثقة الزّوجات في عقولهنّ، وهذا شيءٌ طيِّبٌ ومُفيدٌ لكنَّه لا يُبرِّر التّمرُّد على الأمر الإلهي الّذي فرضه الّذي يَعلَم مَن خَلَقَ، ويَعلَم ما تَصلُح به الحياة البشريّة في كلِّ مجالاتها بما في ذلك الحياة الزّوجيّة.
إذن الدّافع الأوّل للعِناد عند الزّوجات هو الظَّنُّ أنَّ طاعة الزّوج تعني انخفاض مكانة الزّوجة وتَدنِّي قَدرها، وهذا ظنٌّ خاطئٌ، إذ لا تستقيم حياة أيّة جماعةٍ بشريّةٍ ولو كانت مُؤلّفة من زوجين اثنين فحسب إلّا إن كان لها أميرٌ يُطاع، والجميع في المُجتمع لهم سلطة أعلى منهم يُطيعونها، فالزّوج الّذي فرض الله على زوجته أن تُطيعَهُ، يُطيع مُديرَه في العمل، ويُطيع الحاكم في القوانين والأوامر الّتي يَصدرُها.. وطاعة المرأة لزوجها عِبادةٌ لله وطاعةٌ له، لا لأنَّ زوجها أذكى منها أو أعلى قَدْراً ومَكانةً، بل لأنَّ الله أَمَرَها بذلك، فالملائكة الّذين سجدوا لآدم لم يَعبدوه بذلك السّجود (سجود التحيّةٌ)، إنَّما كان سجودهم لآدم عِبادةً لله الّذي أمرهم بذلك، وطاعةٌ له سبحانه وتَعالى، فالله لا يُمكِن أن يأمُر مخلوقاً أن يَعبد مخلوقاً آخر، وكذلك عندما يفرِض علينا طاعة وليِّ الأمر أو طاعة الزّوجة لزوجها فإنَّ ذلك لا يعني الانتقاص من الّذي يُطيع ولا يعني رفعاً وتكريماً للّذي يُطاع، إنَّما اختار الله للقوامة مَن هو أقدرُ عليها، وفرض الطّاعة على الطّرف الآخر لأنّه بدون هذه الطّاعة لا يستطيع الزّوج المُكلَّف بالقَوامة والرِّعاية أن يقوم بدوره على الوجه المطلوب.
إنَّ استكبار النِّساء أو بعضهنَّ في الغِربِ عن طاعة الرِّجال ناتجٌ عن روح المُنافسة والعِداء الّتي حلَّت في حياتهم محلَّ المودّة والرَّحمة، فصار الزّوجان نِدَّيْنِ مُتنافسيَن لا رفيقَين مُتراحمَين مُتعاونَين ومُتكاملَين، وصارت الكبرياء حاجزاً بينهما، ولم يبقَ هو لباسٌ لها يحميها ويَستُرُها ولا هي لِباسٌ له تَحِنُّ عليه وتُدفئه وتُزيِنه.
إنَّها حقيقةٌ على النِّساء إدراكُها وعلى الرِّجال تَذكُّرِها على الدَّوام، وهي أنَّ الزّوجة الّتي تُطيعُ زوجها رغم هوى النّفس ومَيلِها إلى التّرفُّع عن طاعة الآخرين، ورُغم الطّبيعة البشريّة الّتي تَجعل المرأة راضيةً بعقلها وتفكيرِها ومُقتنعةً بما تَصلُ إليه من رأيٍ، هذه المرأة لا تَقُلُّ عن الرّجل كرامةً ولا ذكاءً، بل هي امرأةٌ أرادت إرضاء ربِّها من خلال استجابتها لأمره لها بطاعة زوجها وعدم التّرفُّع عن ذلك، أو مُنازعته على حقِّه في الإمارة في أُسرتهما الصّغيرة. إنَّ هذه المرأة الطّائعة جديرةٌ بكلِّ الاحترام والتّقدير، احترام زوجها لها وتقديره، واحترام المُجتمع لها وتقديره، وقبل ذلك كلّه احترامها هي لنفسها وتقديرها. فلا حقَّ لزوجها في أن يستعلي عليها أو يتكبَّر، كما لا داعي لأن تَظنُّ هي أنَّ الله قد قلّل من شأنها إذ فرض عليها طاعة غيرها مع أنَّه أعطاها من العقل مثلما أعطاه، كلّنا لا بُدَّ لنا من طاعة غيرنا ما دُمنا نعيش في مجتمعٍ مع غيرنا من البشر، وليس منّا من يستغني عن صحبة الآخرين في هذه الحياة. ومع ذلك هنالك حالاتٌ من عِناد الزّوجات المؤمنات القابلات بما فرض الله عليهنَّ من طاعة أزواجهنَّ والرّاضيات بذلك، وإحداهنَّ تقول: "أنا لم أقصد أن أعصيه أو أن لا أُطيعه، لكنّني فعلتُ خلاف ما أمرني به بسبب كذا وكذا..." أو تقول إحداهنَّ: "إنَّني إذا اقتنعتُ أطعتُ ونَفَّذْتُ".
لكن المعصية لا تحتاج إلى نيّة المَعصية حتّى يكون الإنسان مُحاسباً عليها، إذ وجود مثل هذه النِّيَّة يجعل المعصية أشدّ وأكبر وأعظم إثماً، إنَّما مُجرَّد تجاهل الأمر مع أنَّها ليست ناسيةً له ولم تُخالفه خطأً وسهواً، إنَّما كانت ذاكرةً للأمر ثمَّ خالفته لأنَّها ترى رأياً آخر، ولأنَّها غير مُقتنعة بجدوى ما أَمَرها به زوجها، إنَّها بمُجرَّد فعلها لما يُخالِف أمره تكون قد عَصتْه ولم تُطعهُ ولو لم تكن تهدف إلى عِصيانه وتنوي ذلك وتتعمّده.
ثمَّ إنَّ الطّاعة لا تقتضي القناعة، فلا الزّوج له على الزّوجة حقٌّ أن تقتنع برأيه كجزءٍ من طاعتها له، ولا الزّوجة يحقُّ لها أن تنتظر حتّى تقتنع لِتطيع، إذ هي عند ذلك تكون مُطيعةً لقناعتها هي لا مُطيعةً لأمر زوجها، وإن كان الأفضل أن تكون مُقتنعةً بالحكمة الكامنة وراء أمر زوجها لها بأمرٍ مُعيَّنٍ، لكن الطّاعة غير القناعة، فلو افترضنا أنَّ أحدنا تلقّى أمرأً من آخر، فإنَّه قد يُنفِّذ هذا الأمر خوفاً من بطش الّذي أمره رغم أنَّه هو كارهٌ لهذا الأمر وغير مُقتنعٍ به، عندها يكون تنفيذه للأمر خضوعاً لا طاعةً ولا قناعةً، أمّا الاحتمال الثّاني فهو أن يجد الإنسان في الأمر الّذي صدر إليه شيئاً يُعجبْه، إمّا لأنَّ نفسه تشتهيه وتهواه، أو لأنَّ عقله مُقتنعٌ بفائدته وجدواه، فينفِّذه دون إكراهٍ ويكون عندها مُطيعاً لعقله أو لهواه ولا يكون مُطيعاً لمن أَمره ولا خاضعاً له، أمّا الطّاعة الحقيقيّة فهي عندما تُنَفِّذ الأمر الصّادر إليك دون إكراهٍ أو تهديدٍ حتّى لو لم تكن نفسك تشتهيه أو عقلك مُقتنعٌ به، هذه هي الطّاعة الخالصة، وهي تحتاج إلى التّغلُّب على كبرياء النّفس وأهوائها، وتحتاج إلى الصّبر والرِّضا بهذا الموقع الّذي وضع الله فيه الزّوجة؛ وحتّى لو أصرَّ الزّوج على رأيٍ ترى هي أنَّه مُخطئٌ فعليها أن تُطيع وهو المسؤول عن أوامره ونتائجها، إلّا إن أمرها بمعصيةٍ فعندها لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، كما إنَّ الطّاعة تكون بيسرٍ وسهولةٍ، لا أن تنتظر الزّوجة حتّى يغضب الزّوج ويثور وعندها تُطيعه، وكأنَّها تُريد أن ترى مدى جِدّيَّته فيما أمر، إنَّ مثل هذه الطّاعة تكون أقرب إلى الخضوع واجتناب العواقب غير السّارّة منها إلى الطّاعة الّتي تتقرَّب بها الزّوجة الصّالحة إلى ربِّها.
وعدم الطّاعة الخالصة من الزّوجة لزوجها أو عدم إعطائه حقّه في نواحٍ أُخرى قد تَجعل الزّوج مُعانداً وحريصاً على أن يفعل غير الّذي تُحبّه زوجته، وحريصاً على تَفنيد آرائها وعلى رفض مَشورتها، ذلك انَّ مشاعر الغِيظ الّتي تملؤه نحوها تدفعه إلى تجنُّب ما مِن شأنه إرضاؤها وإسعادها، وهنا يكون عناد الزّوج عقاباً لزوجته وانتقاماً، أمّا إن كانت له زوجةً صالحةً إذا نظر إليها سرَّته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفِظته في ماله وعِرضه، فإنَّه سيكون في أعماقه مُمتنّاً لها، وسوف يُطيعها طاعة المُحبِّ لمحبوبه، تلك الطّاعة الّتي لا تتعارض مع القَوامة، فهو يطيعها تلبيةً لرغباتها لا تنفيذاً لأوامرها، والرّجل يحبُّ أن يُلبِّي رغبة المرأة كما يُحبُّها أن تُطيع أمره، بل هي مِن قبيل "كوني له أَمَةً يكن لك عبداً"، وهذا قولٌ صحيحٌ إلّا في حالاتٍ خاصّةٍ يكون فيها الزّوج لئيماً لا أخلاق لديه ولا قيمٌ، ولا يزيده الإكرام إلّا تمرُّداً.
وقد يُعانِد بعض الرِّجال زوجاتهم ويفعلون خلاف ما اقترحته الزّوجة أو طلبته، ويكون ذلك ممارسةً لرجولةٍ زائفةٍ ترى في اتّباع مَشورة امرأة ضعفاً ونَقصاً لا يليق بالرّجل، وهذا يُفسِّر انتشار أقوال من قبيل "شاوروهنَّ وخالفوهنَّ" في بعض مجتمعاتنا، بل حتّى نسبته إلى النّبيِّ محمّد ﷺ والادّعاء أنَّه حديثٌ شريفٌ، بينما النّبيّ محمّد ﷺ ما كان يرى في أخذ رأي زوجاته واستشارته لهنَّ والأخذ باقتراحاتهنَّ، ما كان يرى في ذلك انتقاصاً لرجولته أبداً وهو أكمل الرِّجال رجولةً وأعلاهم مكانةً وقَدَراً.
إنَّها عودةٌ لبعض القِيَم الجاهليّة الّتي تَعتبر الأنوثة نَقصاً وتجعل الذّكورة كمالاً، فيستعلي الذّكر على الأنثى جهلاً وكِبراً، إذ النِّساء شقائق الرِّجال كما قال النّبيّ محمّد ﷺ، وهذا ما أثبته العلم الحديث عندما بيّن أنَّ هرموناً واحداً إن وُجِدَ في جسم الجنين جعل هذا الجنين يتخلَّق ذكراً، وإن غاب بقي الجنين أُنثى.. إنّه فرقٌ في بعض خصائص الجسد لا فرقٌ في جوهر الإنسانيّة، فالرّجل إنسانٌ والمرأة إنسانٌ، ولا فضل لأحدهما على الآخر في القدَر والمكانة إلّا بالتّقوى.
ثمّ هنالك أشخاصٌ يُصنَّفون من النّاحية النّفسيّة على أنَّهم شخصيّاتٌ تسلطيّةٌ ترى في السّلطة مُبرِّراً لاحتقار من تحت سلطتهم والتّعالي عليه، كما يرون فيمن هو أعلى منهم سلطةً سيِّداً يُطاع ويُبَجَّل ويليق بالإنسان أن يتذلّل له ويستغني عن كرامته عنده، وهؤلاء لا يُقَدِّرون إلّا القوّة، أمّا الضّعف فيثير لديهم الازدراء والاحتقار لا الرّحمة والشّفقة، وهم يرون الحب والعواطف نوعاً من الضّعف، فإن كان لأحدهم زوجةً تعلَّقت به وأحبَّته وأظهرت له احتياجها إليه واعتمادها عليه، صارت في نظره قليلة القَدر لا تستحقُّ ولا حتّى الإصغاء إلى حديثها إن تكلَّمت، أو أن يناديها باسمها إن أراد أن يدعوها، وهذه الشّخصيّة التّسلُّطيَّة لا تُصنَّف مع الأمراض النّفسيّة لأنَّ العِلّة فيها أخلاقيّة، ولأنَّها التّعبير عن شخصيَّةٍ مُتكبِّرةٍ، اختارت أن تُكرِّس حياتها للصُّعود في سُلَم القوّة والتّحكُّم والتّسلُّط على الآخرين حبَّاً للتّرأس والتّأمُّر على غيرهم لا حرصاً على القيام بمسؤوليّةٍ ما، إنَّها الشّخصيّة الّتي ينطبق عليها وصف "فرعونٌ إن مَلَكَ وعبدٌ إن كان في الرّعيّة"، وأمثال هؤلاء كُثر في المُجتمعات، وأحدهم يُعاني منه كلّ من هو تحت إمرته إن كان في مؤسّسةٍ أو شركةٍ أو متجرٍ أو في البيت حيث الضّحيّة هي الزّوجة ومعها الأطفال.
لكن هنالك عيوبٌ في الشّخصيّة والسّلوك تَنتُج عن طباعٍ في الِشّخص خُلِقَ قابلاً لها ومَجبولاً عليها ولم يخترها لنفسه كما فعل ذلك المُستكبر المُتسلِّط الديكتاتور، وهذه العيوب في الشّخصيّة تتسبّب في السّلوك المُعانِد والمُعاكِس بحسب موقع الإنسان في الحياة الزّوجيّة، زوجاً كان أم زوجةً.
وأبدأ بالحديث عن الأشخاص الّذين صارت المُعاندة وفعل عكس ما أُمِروا به مَرَضاً وسلوكاً مُعتاداً لديهم إلى حدِّ الوقوع فيه دون الانتباه إلى دوافعه، وهؤلاء تبدأ مُشكلتهم منذ الطّفولة حيث يكون لديهم ميلٌ شديدٌ إلى الاستقلاليّة والتّصرُّف بإرادتهم وقناعتهم لا حسب أوامر الوالدين أو باقي الكبار، ومع أنَّ الميل إلى الاستقلاليّة صفةٌ جيِّدةٌ يُمكن أن تكون في المُستقبل مَعِيْنَةٌ للطّفل عندما يُصبح كبيراً ليكون صاحب شخصيّةٍ قويَّةٍ، لكن إن لم يعرِف الوالدان والمُدرِّسون كيف يتعاملون مع مثل هؤلاء الأطفال وهم حوالي عشرة بالمائة من الأطفال، وإن كان أحد الوالدين ميّالاً للتّحكُّم وإعطاء الأوامر الكثيرة والتّدخُّل في شؤون الطّفل بكَثرةٍ، فإنَّ الطّفل الاستقلاليُّ يلجأ إلى السّلوك المُّعانِد المُعاكس لإثبات استقلاليّته، ويفقد الرّغبة في أيِّ شيءٍ يأمره به الأبوان أو حتّى ينصحانه به، وإن هو لم يفعل عكس المطلوب فإنّه على الأقل يُماطل ولا يفعل المطلوب، فإن لم ينتبه الوالدان ويُغيِّرا من أسلوب التّعامل مع هذا الطّفل أو المُراهق فإنَّ الميل إلى المُعاندة والمُعاكسة يترسَّخ لديه ويَظهر في حياته الزّوجيّة كما يَظهَر في حياته المهنيَّة. ومرض المُعاندة أكثر عند الذّكور من الإناث إلى حدٍّ كبيرٍ، وهذا مُرتبطٌ بميل أغلب الذّكور إلى الاستقلاليّة أكثر من الإناث، لذا قد يُعانِد الزّوج وقد تتأزّم الحياة الزّوجيّة إن أحسَّ أنَّ زوجته تُريد أن تُنظِّم له حياته وأن تتحكَّم في شؤونه ابتداءً بلون القميص أو ربطة العنق الّتي يلبسها وانتهاءً بمهنته وعلاقاته الاجتماعيّة ونشاطاته وهواياته.
لذا على كلِّ الزّوجات الحَذر من أن يبدون لأزواجهنّ وكأنهنَّ يُرِدْنَ تعليمهم ما يجب أن يفعلوه، إذ قد تكون الزّوجة لا تقصُد أن تتحكّم بسلوك الزّوج لكن الزّوج حساسٌ لهذه المسألة، أوّلاً لأنّه رجلٌ والرِّجال كلّهم حسّاسون لهذا الأمر (أي استقلاليّتهم)، وثانياً لأنَّه ربّما رأى أمّه تتحكَّم بأبيه الضّعيف فقرَّر في نفسه أن لا تتحكَّم فيه امرأةٌ، أو ربّما لأنَّه في الأصل ذو ميلٍ زائدٍ للاستقلاليّة وللمُعاندة دفاعاً عن هذه الاستقلاليّة، حتّى لو كان فيما نصحته به زوجته خيره ونفعه، فإنَّه يُفضِّل الاستقلاليّة على المنفعة والفائدة.
وننتقل في الكلام إلى الشّخصيّة الوسواسيّة الّتي تحرص على الدِّقَّة بشكلٍ زائدٍ إلى حدٍّ يجعلهم يُضَيِّعون الوقت والجهد في التّفصيلات الدقيقة وفي ترتيب الأشياء وتنظيفها ووضع القواعد والسَّير عليها بجمودٍ ويبوسةٍ، وهم بطبعهم الوسواسيِّ يُفكِّرون في كلِّ الاحتمالات ويُعطونها من اهتمامهم الكثير حتّى لو كانت احتمالاتٌ ضعيفةٌ فتراهم ميّالين للبُخل والاقتصاد تحسبَّاً للزّمن، وتراهم ميّالين إلى التّحكُّم بمن حولهم وبخاصّةٍ الزّوجة والأطفال أو الزّوج والأطفال، لأنَّهم يُحسّون أنَّهم هم الّذين يعرفون كيف يجب أن تتمّ الأمور وأن تُفْعَل لتكون كاملةً بلا عيوبٍ، فيتدخَّل الزّوج حتّى في عمل المطبخ ليُرتِّب ويُنظِّم ويُخَطِّط لزوجته كيف تُؤدِّي عملها، وميلهم للتَّحكُّم أصيلٌ في نفوسهم وبالتّالي إن كان الزّوج هو الوسواسي ويرى لنفسه حقّ أن تُطيعه زوجته فإنَّه يتحكَّم في كلِّ أمورها إن استطاع، فإن كانت من النّوع الّذي يميل إلى الاستقلاليّة كانت حياتها معه صعبةً جدّاً لأنّه بميله إلى التّحكُّم يَخنُق استقلاليّتها، وبطبعه الجامد على القواعد الّتي وضعها لنفسه في الحياة وخوفه من أيِّ تغييرٍ يكون شخصاً عنيداً مُجادلاً رافضاً لأيِّ تغييرٍ، وبالتّالي يكون زوجاً عنيداً بكلِّ معنى الكلمة، إذ كلُّ مَن هو ذو شخصيّةٍ وسواسيّةٍ عنيدٌ بطبعه، أمّا إن كانت الزّوجة هي الوسواسيّة فإنَّ الزّوج يُعاني مِن ميلها للتّحكُّم، وقد يُصبح مُعانداً كردِّ فعلٍ على رغبتها في تنظيم شؤونه له وتدخُّلها في الكثير من أموره وبخاصّةٍ فيما يتعلَّق بسلوكه في البيت من حيث النّظافة والتّرتيب والمظهر واللّباس وغير ذلك، أمّا هي فتكون زوجةً عنيدةً يَصعُب اقناعها بالالتزام بأوامر الزّوج الّتي تتنافى مع طبيعتها الوسواسية المَيَّالة للدِّقَّة والتّرتيب والنّظافة المُفرِطة. ولا بُدَّ لكلِّ من يُعاني من الشّخصيّة الوسواسيّة أن ينتبه لنفسه ويُراعي الطّرف الآخر الّذي ليس لديه نفس الطّبيعة ولا يرى الأمور بنفس الطّريقة الّتي يراها هو، وإلّا كانت حياة الطّرف الثّاني في الحياة الزّوجيّة غير سعيدة، وساد عدم الانسجام هذه الحياة إلى حدٍّ قد يُؤدِّي إمّا إلى الاكتئاب والاضطرابات النّفسيّة الأُخرى عند الطّرف غير الوسواسي أو إلى الطّلاق.
ويبقى لدينا الشّخصيّة الزَّوريّة الّتي تجد صعوبةً في الثّقة بالآخرين وتميل إلى الشَّكِّ بنواياهم، وفي الوقت ذاته لديها المَيل إلى الشّعور بالعَظمة والتّفوُّق والثِّقة المُفرِطة بقُدُراتها الذّكائيّة أو العلميّة أو الحياتيّة، وهذا الشّخص من الصّعب أن ينقاد للآخرين وبخاصّةٍ إن كان زوجاً، فإنَّه يرى نفسه صاحب الرّأي السّديد والنّظرة الصّائبة والفهم الصّحيح.
وأخيراً يحرص بعض الرِّجال وبنوعٍ من الخِسَّةِ على تحطيم ثقة الزّوجة بنفسها من خلال تسفيه آرائها والعمل بعكس ما تقترحه، فيكون عنادهم غايته إضعاف الزّوجة ليستقرَّ لهم الشّعور بالتّفوُّق عليها؛ وإنَّ تصرُّفهم هذا يعكس شعوراً عميقاً لديهم بعدم الِثِّقة بالنّفس، إذ إنَّ مَن يأخذ برأي الآخرين إمّا هو شخصٌ ضعيفٌ انقياديٌّ، أو هو شخصٌ قويٌّ واثقٌ من نفسه وقدره ولا يرى في الأخذ بمشورة غيره واقتراحه أيّ تهديدٍ لمكانته وقَدره، ومهما يكن من أمرٍ فإنَّ تَعمُّد تحطيم ثقة الزّوجة برأيها وتفكيرها شيءٌ لا أخلاقيٌّ وليس له مُبرَّر مقبول أبداً.
وأختم بتذكيري بالعِناد الّذي تفرضه المُجتمعات المُتخلِّفة على الزّوج، إذ كثيراً ما يخجل الزّوج من نظرات الازدراء من الآخرين إن هو أطاع زوجته في شيءٍ أمامهم وفي حضورهم، فيحرص على عدم إعطاء الاهتمام لآرائها وعلى عدم الاستجابة لطلباتها لا عن قناعةٍ منه بل خوفاً من لوم أُمّه له أو غيرها ممّن نسوا أنَّ الزّواج تجسيدٌ للمودّة والرّحمة الّتي جعلها الله بين النِّساء والرِّجال.