المقالات
حول الشيب
Whatsapp
Facebook Share

حول الشيب

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

يشيب الإنسان بشكل طبيعي كجزء من الشيخوخة المكتوبة على كل من يطول عمره. والإنسان الطبيعي تبدأ شيخوخته في عمر ثلاثين سنة، وقد يستغرب البعض أن تبدأ شيخوختنا في هذا العمر لكن هذه هي الحقيقة التي اكتشفها الطب. حتى ذاكرة الإنسان تتغير بعد الثلاثين حيث تضعف قدرته على الحفظ لكن قدرته على الفهم العميق التي تشتد كلما تقدم في العمر، لتعوض عن ضعف قدرته الحفظية.

 

المهم أن بوادر الشيخوخة والتنكس في الخلق تبدأ عند الإنسان في عمر ثلاثين. والمشيب أحد مظاهر الشيخوخة في جسم الإنسان حيث يصيب الضعف الخلايا المختصة بصنع الصباغ في جذور الأشعار، فتقل كمية الصباغ، أو قد يختفي، مما يجعل الشعر يتحول لونه إلى الرمادي، أو الأبيض. وفي الحال الطبيعية تظهر الخصلات البيضاء الأولى في الرأس، عند الرجل في الثلاثين، وعند المرأة في الخامسة والثلاثين. لكن البعض يشيب قبل ذلك؛ لذا لا يعتبر المشيب مبكراً مما يدعو للشك بوجود حالة مرضية، إلا عندما يأتي بكثرة وقبل العشرين. والوراثة، هي المسؤول الأول عن ظهور الشعرات البيض الأولى لدى الإنسان، وعن العمر الذي تظهر فيه.

 

ويبقى السؤال عن مدى تأثير الضغوط النفسية في التعجيل بالمشيب.

 

لا تخلو حكمة الشعوب من إشارات، لاعتبار المشيب المبكر نتيجة للهموم والمعاناة، كقولهم عن أمر متعب للنفس: إنه يُشَيِّب، أي يجعل الإنسان يشيب قبل الأوان. والناس عبر العصور، لاحظوا إسراع الشيب إل من مرَّ بضغوط نفسية ممتدة على مدى سنين عديدة. وفي هذا الزمان الذي زادت فيه الضغوط النفسية على الناس بشكل غير مسبوق، انتشرت أمراض كثيرة بفعل هذه الضغوط، وهي أمراض بعضها أعراضه ومظاهره نفسية، وبعضها أعراضه ومظاهره بدنية. ومن المعروف أن الجسم ينتج هرمونات معينة بكميات كبيرة، عندما يتعرض الإنسان للشدائد النفسية أو العضوية، يصنعها لتعينه على مواجهة الظروف الاستثنائية التي يمر بها، وهي هرمونات مفيدة إن ارتفع مقدارها في دمائنا لفترات قصيرة، لكن مع القلق والاكتئاب الذين يستمران طويلاً، وكأن الإنسان يمر بشدة نفسية متواصلة، يستمر انتاج هرمونات الشدائد النفسية بكثرة في الجسم، وتبدأ الآثار الجانبية غير المرغوبة لهذه الهرمونات بالظهور.

 

أهم هرمونين يكثر إفرازهما عند التوتر النفسي: الأدرينالين، والكورتيزول؛ والأدرينالين متهم بأنه وراء الكثير من مشكلات القلب والشرايين، -كثيرة الانتشار في زمان الضغوط النفسية الذي نعيش فيه-. وهنالك دلائل، على أن الأدرينالين الزائد، يربك عمل الخلايا التي تصنع الصباغ في جذور الشعر. لذا لا يستغرب الأطباء أن يكون للضغوط النفسية أثرها في التعجيل بالمشيب عند البشر. لكن للأسف ليس هنالك دراسات علمية تثبت هذه الآراء، بخصوص المشيب المبكر، مع أن المشيب المبكر الناتج عن بعض الحالات المرضية النادرة معروف في الطب.

 

أنا شخصياً متأكد، أن الضغوط النفسية الشديدة، يمكنها أن تسبب المشيب المبكر، طالما أن الله يقول، في القرآن الكريم عن يوم القيامة، إنه يوم يجعل الولدان شيباً. في الشدائد النفسية التي نعرفها، لا أتوقع أن يشيب صغير أو كبير في يوم واحد، طالما أن الجزء الظاهر من الشعرة، مكون من كيراتين ميت، تماماً مثل الأظافر، لكن من المعقول جداً، بحسب ما نعرفه عن المراحل التي تتكون فيها الشعرة وتجتازها في رحلة نموها حتى موتها وسقوطها، أن تؤدي الضغوط النفسية المزمنة المتواصلة على مدى السنين، إلى المشيب المبكر، ضمن ما تسببه من شيخوخة مبكرة في الجسم كله.

 

ويبقى اللغز الذي يبحث عن حل، هل فعلاً شاب شعر ماري أنطوانيت ملكة فرنسا، التي أعدمتها الثورة الفرنسية، في ليلة واحدة، وهي تنتظر الإعدام، كما يروي التاريخ.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة