المقالات
ولا تحاسدوا
Whatsapp
Facebook Share

ولا تحاسدوا

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

قد ينظر الإنسان حوله فيرى لدى غيره من النعم أكثر مما لديه.. وهنا امتحان كبير لهذا الإنسان، والشيطان لا يضيع الفرصة، فإذا نجح في مسعاه، وقع هذا الإنسان فريسة مشاعر الحسد، حيث يشعر بالسخط، وعدم الرضا والغيظ، والعداوة تجاه صاحب النعمة، وقد يحس بالخزي بسبب تورطه في مشاعر الحسد تجاه شخص قد يكون صديقه أو قريبه، وقد تغمره مشاعر القلق والاكتئاب.

 

وعندما يحس الإنسان بالحسد تجاه إنسان آخر، فإنه يحس بالغيظ، لأن الله قد أعطى غيره أكثر مما أعطاه، ويحس بالسخط تجاه المعطي الكريم، لأنه عندما يقارن ما لدى غيره بالذي لديه يشعر بالحرمان. ومما يزيد في مشاعر السخط والغيظ لديه، أن يكون لديه كبر وتعال على صاحب النعمة، فهو يرى نفسه خيراً منه، ومع ذلك أعطاه الله أقل مما أعطى ذلك الأدنى.

 

إن كبره وتعاليه، يجعلانه يحس بأنه مظلوم، لأنه يرى نفسه أهلاً لتلك النعم أكثر من المحسود، وتمتلئ نفسه عداء للمحسود، وكأن المحسود قد أخذ نعمة كان من المفروض أن تكون له هو، وبذلك يشعر الحاسد أن تصحيح الخطأ، أو رفع الظلم، يكون بأن تزول النعمة عن المحسود، وتؤول إليه، وإن استحال انتقالها إليه، فلا أقل من زوالها عن المحسود الذي ليس أهلاً لها برأي الحاسد.... إنه يرى في النعمة التي ميز الله بها المحسود عليه سبباً لتفوق المحسود عليه، ولا تهدأ نفسه حتى تزول تلك النعمة عن المحسود، فيكون المحسود والحاسد سواء.

 

وقد نبهنا الله في كتابه الكريم إلى حسد المنافقين لنا على نعمة الإيمان والهداية التي أعرضوا عنها، إنهم يحبون زوالها عن المؤمنين حتى يكونوا هم والمؤمنون سواء.

 

قال تعالى: ﴿وَدُّوا۟ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا۟ فَتَكُونُونَ سَوَآءًۭ... [النساء: 89].

 

ويقول تعالى عن الكفار من أهل الكتاب وعن المشركين: ﴿مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلَا ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ [البقرة: 105].

 

ويقول أيضاً: ﴿وَدَّ كَثِيرٌۭ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَـٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًۭا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَٱعْفُوا۟ وَٱصْفَحُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ [البقرة: 109].

 

إن الحاسد يتصور أن العدل يقضي أن يعطيه الله مثل الذي يعطيه للآخرين، وينسى أن فضل الله يؤتيه من يشاء، لأن الله لا يسأل عما يفعل، ولا يحل لبشر أن يتدخل في شؤونه ومشيئته، أو أن يحدد له من يعطي ومن يمنع.

 

إن عطاء الله وفضله شأنه سبحانه وتعالى، ولا يليق بالمؤمن إلا أن يرضى بما يقضيه الله، ويقدره من عطاء له وللآخرين.

 

ولا ينسى المؤمن أن عطاء الدنيا، إنما هو فتنة واختبار، وأن لله حكمة بالغة في أن فاوت في العطاء بين البشر، سواء في ذلك المال أو البنون أو القوة أو الجمال أو الذكاء، أو غير ذلك من نعم. وقد بين الله في إحدى آيات القرآن الكريم حكمته من ذلك إذ قال: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍۢ دَرَجَـٰتٍۢ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًۭا سُخْرِيًّۭا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌۭ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف: 32].

 

إذاً الغاية من التفاوت في عطاء الله في الدنيا، هي أن يخدم بعضنا بعضاً، وأن تتكامل الأدوار في المجتمع.

 

إن العدل لا يعني المساواة في توزيع فضل الله، إنما عدل الله هو أنه لن يحاسب أحداً إلا على أوزاره، وسيقبل منه الأعذار التي هو فيها صادق ومعذور، ولن يعذب حتى يبعث رسولاً، ولن يضيع للمؤمن ذرة خير عملها، إلى غير ذلك من مظاهر العدل التي على الإنسان أن يبحث عنها في علاقته الفردية الشخصية بالله، حيث لن يظلمه الله أبداً، وإن كان قد يؤتي غيره من الفضل أكثر مما يؤتيه، فهذا لا يتنافى مع العدل، طالما أنه لم يظلمه ذرة خير عملها، بل أدخلها في حسابه، وأثابه عليها.

 

أما أن يعطي أحداً غيره ما يشاء من عطاء وفضل في الدنيا أو الآخرة، فإن ذلك شأنه، ولا حق لأحد في أن يطالبه بالمساواة بين الجميع في الفضل والزيادة.

 

إن الفضل زيادة يختص بها الله من يشاء، وليس للمؤمن إلا أن يرضى، ويدعو الله أن يبارك للآخرين فيما أعطاهم، وله أن يسأل الله أن يعطيه مثلهم أو حتى أكثر مما أعطاهم.

 

فمشاعر الحسد دليل على أن نفسه راغبة في الحصول على مثل الذي حصل عليه الآخرون، وإن كان راغباً فعليه بذل الجهد، وأكثر الحسد يأتي ممن يرى نفسه عاجزاً عن تحقيق ما يريد، فهو لا ثقة له بنفسه، فيتمنى ولا أمل له في الحصول على ما يريد، ويشغل نفسه بمشاعر الحسد نحو الآخرين، وقد تدفعه مشاعر الحسد إلى السعي إلى تدمير ما بأيديهم من نعمة ولو بارتكاب الجرائم البشعة أحياناً، لذا أمرنا الله أن نعوذ به من شر حاسد إذا حسد.

 

وما قتل ابن آدم الأول أخاه إلا حسداً، أن تقبل الله من أخيه قربانه ولم يتقبل منه، وبدل أن يصلح من نفسه بحيث يتقبل الله منه، قام بقتل أخيه، كما أراد إخوة يوسف- عليه السلام- قتله حسداً منهم على حب أبيه له.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة