المقالات
مشاركة الرأي بين الزوجين
Whatsapp
Facebook Share

مشاركة الرأي بين الزوجين

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

إنّ الحديث عن الترويض أو التّطويع بين الزّوجين حديث عن فكرة سامّة تقتل الحب وتفسد العلاقة بينهما.. فما أكثر من يعيشون قصص حب رائعة تتجلّى فيها الرُّومانسيّة في أحلى صورها لتموت سريعاً في ساحة الصّراع على السّلطة والقيادة بين الزّوجين الجديدين.

 

وقد وجد علماء النّفس أنّ أهم ما يقضي على الرّومانسيّة بين الزوجين أمران: أوّلهما: زوال الاعتقاد بمثاليّة المحبوب وكماله وخلّوه من العيوب، وثانيهما: رفض المحبوب الخضوع للمحب ولتحكّمه فيه. ثمّ إنّ الحب الحقيقي يقوم على احترام المحبوب وليس على امتلاكه وإلغاء إرادته وعدم الاعتراف له بحقّه في أن يكون له حاجاته ورغباته وأفكاره ومشاعره الخاصّة به وبالتالي إرادته المستقلّة.

 

لكن من جهة أخرى فإنّ الحياة الزّوجيّة شراكة وفيها أمور تطرأ كلّ يوم تحتاج إلى قرار بشأنها، والبعض يدعو إلى حياة زوجيّة مثاليّة ليس فيها آمر ومأمور، بل هي مشاركة في الرأي يكون للزّوجين فيها وزن متساوٍ ولا يرجح فيها رأي أحدهما على رأي الآخر، ويعتقدون أنّه بالتّحاور بين الزّوجين ضمن إطار الحب فإنّ إجماعهما على رأي واحد في النّهاية ممكن، وبذلك تتحقّق المساواة بين المرأة والرّجل في العلاقة الزّوجيّة.

 

لكن خبراء العلاج الزّواجي الّذين تخصّصوا في علاج العلاقة بين الزّوجين بهدف إصلاحها وتحسينها، هؤلاء الخبراء وجدوا أنّ الواقع يختلف عن الخيال والأحلام، ووجدوا أنّ إجماع الزّوجين على رأي واحد إجماعاً حقيقيّاً لا ينبع من تنازل أحدهما للآخر ومسايرته له ومجاملته له، هذا الإجماع أمر قليل الحدوث رغم وجود الحب.

 

أمّا حالة التّفاهم الّتي تسود الحب الرّومانسي فشأنها مختلف وهي فترة من طبيعتها الانقضاء سريعاً، وهي ليست تفاهماً ناتجاً عن اتفاق حقيقي في الرأي.

 

إذن لا بدّ للأسرة من قائد يعترف له بالسلطة وبحقّه في طاعة الطرف الثاني له، وقد وجدت الدِّراسات في أمريكا أنّ الغالبيّة العظمى من الأسر تمرّ بفترة صراع في بداية الزّواج قد تطول لسنة أو سنتين أو أكثر يحاول كلّ من الزوجين خلالها أن يتحكّم بقيادة الأسرة وأن يكون صاحب القرار فيها، وفي النّهاية تستقرّ الأمور لصالح الزّوج في حوالي 98% من الزيجات، ولصالح الزّوجة في الباقي، لكن الخسائر تكون بالغة خلال هذا الصّراع، وهي خسائر في العواطف والمشاعر والرّومانسيّة الّتي تموت سريعاً في مثل هذه الصّراعات الّتي تثير مشاعر الغضب والاستياء والتّحدي والعداء بين الزّوجين.

 

والمفروض في مجتمعاتنا أن لا نعيش مثل هذا الصّراع إذ نحن متفقون كمسلمين على أنّ القوامة في الأسرة للزّوج وعلى وجوب الطاعة على الزّوجة لزوجها، لكن الّذي يحتاج إلى توضيح أنّ قوامة الرّجل على زوجته لا تعني أبداً أنّه أكرم أو أعلى قدراً من زوجته، مثلما أنّ قوامة الرئيس أو المدير في مؤسسة لا تعني أبداً أنّه أكرم أو أشرف أو أعلى قدراً من الّذين يعملون تحت رئاسته وإدارته، فالرّجل والمرأة متساويان في الكرامة والقدر ومتكاملان في الوظائف والأدوار، لذا لا يحقّ للزّوج أن يتكبّر أو يحس بالتعالي تجاه زوجته أو تجاه النّساء عموماً لأنّ الله أعطاه القوامة في الأسرة، ثمّ إنّ هذه القوامة محدودة في شؤون الأسرة ولا تعني أنّ الزّوجة كالجارية يحق له التحكّم فيها كما يشاء، ومثلما أنّ من بين الرؤساء في العمل من هو حسن الأخلاق يعطي أوامره بأدب ولطف ومنهم من هو سيء الأخلاق يلقي الأوامر دون احترام للعاملين معه، فكذلك يمكن أن يكون الأمر ضمن الأسرة، ثمّ إنّه مثلما أنّه هنالك مديرون ديكتاتوريون ومستبدون بالرأي يقرّرون دون أخذ رأي من يعمل معهم، وهنالك مديرون يستشيرون ويحترمون آراء العاملين معهم ولا يجدون في ذلك أي تهديد لقدرهم ومكانتهم، فكذلك يمكن أن يكون الزّوج مستبداً لا يحترم رأي زوجته ويعتقد أنّه إن أخذ برأيها فقد قدره وهيبته، ومثل هذا الزّوج تكون الحياة معه عذاب ومذلّة وشقاء، وبالمقابل فإنّ الزّوج صاحب الشّخصيّة الناضجة المطمئنّة على قدرها لا يستبد برأيه في البيت بل يحس بالإنسان الآخر الذي يشاركه الحياة ويحترم تفكير زوجته وآراءها ويحرص على تفهمها، ولا يرى غضاضة ولا إهانة في الأخذ برأيها والعمل به طالما أنّ الزّوجة بالمقابل لا تعطي رأياً مخالفاً من قبيل المعاندة بل من قبيل الحرص على الأفضل للأسرة.

 

وقديماً نصحت أعرابيّة ابنتها الّتي سَتُزَّفُّ إلى زوجها قائلة لها: "كوني له أَمَةً -أي عبدة- يكن لك عبداً" وهذا صحيح، فالزّوجة الّتي لا تتمرّد على زوجها، يكافئها زوجها بالحرص على رضاها وفعل ما يسرّها ويوافق رغباتها ما استطاع دون أن تنعكس الأدوار ودون أن تصبح لها القوامة والقيادة، هذا في حالة الزّوج الصّالح صاحب الخلق الحسن، أمّا اللئيم المتكبّر فحاله مختلفة.

 

وقد تحلم الفتاة بزوج مطيع لها لا يتحكّم بها، وبعض النّساء يحصلن على مثل هذا الزّوج لكنَّهنَّ مع مرور الأيام يكتشفن أنّ هذه المطاوعة من الزّوج ناتجة عن ضعف في شخصيّته واعتماديّة زائدة لديه، فيشعرن بالقلق على المستقبل معه لأنّ الزّوجة تحلم أيضاً بزوج قوي تستند إليه في أوقات ضعفها وتعتمد عليه كلّما احتاجت إليه، لا بزوج ضعيف يستند إليها ويعتمد عليها، وتشعر هؤلاء الزّوجات أنّ شيئاً مهمّاً مفقود من حياتهنّ الزّوجيّة.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة