آداب تقضي على الخجل والخشية
آداب تقضي على الخجل والخشية
لقد عمل الإسلام على القضاء على الخجل، أو خشية الناس عند المسلم بطرائق عدة، لعل أهمها: أنه يسعى إلى مجتمع تربط المودة والرحمة بين أفراده، وبالتالي ينظر الواحد منهم بعين الرحمة والحب إلى عيوب أخيه، فيلتمس له الأعذار، ويستر ما يرى منها، ولا يلمز، ولا يسخر، ولا يغتاب، ولا يلقب الألقاب الكريهة.
والستر مطلوب بين المسلمين، ليس للعيوب فحسب، بل وحتى للمعاصي والذنوب. وقد قال النبي محمد ﷺ مخاطباً بعض من أسلم بلسانه من المنافقين، الذين كانوا يغتابون المؤمنين ويعيرونهم.. عن ابن عمر قال: "صعد رسولُ اللهِ ﷺ المنبر فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقال يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم ، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ" [رواه الترمذي].
وقال أيضاً: "لا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا في الدُّنْيا، إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ." (رواه مسلم).
وقال: "...ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ،..." (رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه).
وإن هذا يملأ المؤمن طمأنينة إلى أن باقي المؤمنين لن يغتابوه، وإذا رأوا شيئاً من عيوبه أو ذنوبه سيسترونه، وبالتالي لا داعي للعيش في خشية من الناس، ورهبة.
كما حرم الإسلام الفخر، لأن الذي يفخر على الناس بشيء، إنما يحط من قدر من لا يملكون هذا الشيء، وبالتالي يساهم في إشعارهم بالنقص والدونية.
قال النبي محمد ﷺ: "...وإنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ علَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ علَى أَحَدٍ،..." (رواه مسلم).
ومن جهة أخرى فإن من طرق علاج الخجل السلوكية الحديثة: تدريب الخجول على التحدث إلى الناس ومخاطبتهم. إذ بالتدرج تخف خشيته لنظراتهم، ويستشعر قدراً من الراحة والطمأنينة بينهم.
والإسلام شجع كثيراً على البدء بالتحية والسلام، كما جعل رد التحية فرضاً.. قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍۢ فَحَيُّوا۟ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: 86].
وسأل رجل رسول الله ﷺ: "أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسولَ اللَّهِ ﷺ: أيُّ الإسْلَامِ خَيْرٌ؟ قالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ علَى مَن عَرَفْتَ ومَن لَمْ تَعْرِفْ." (متفق عليه).
كما قال النبي محمد ﷺ: "لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ." (رواه مسلم).
وحتى الأولاد، يمر المسلم بهم في طريقه فيسلم عليهم، كما كان النبي محمد ﷺ يسلم عليهم إذا مر بهم، فعن أنس -رضي الله عنه- "أنَّهُ مَرَّ علَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عليهم وقالَ: كانَ النبيُّ ﷺ يَفْعَلُهُ." (متفق عليه).
وسلام الكبار على الصغير إذا مروا به يرفع من قدره عند نفسه، ويحميه من أن يحقر نفسه، ومن أن يراها دون الآخرين، ومن أن يعيش عقدة نقص ودونية، وهذا يشكل وقاية له من أن يصبح شخصاً خجولاً هياباً للناس، كما أن الذي يسلم على الآخرين من عرف منهم ومن لم يعرف، ويتلقى منهم السلام تلو السلام منذ صباه، لا بد سيشعر أنهم يحملون الحب له، وأنهم لا يبحثون عن عيوبه، وبكثرة السلام بينه وبينهم، لا يبقى في نفسه لهم هيبة أو رهبة تمنعه من قولة الحق في حضورهم.
ولئن كان علاج الخجل عادة يعتمد على تشجيع الخجول على فرض نفسه، وتوكيدها بين الناس بروح فيها شيء من العداء والصراع، فإن الإسلام يغني المؤمن عن هذه الروح، فهو يعيش بين أناس شدتهم على أعدائهم، ورحمتهم بينهم، وهم أذلة على بعضهم بعضاً.
والخجول ذو الطبع الحساس، عندما يعيش بين الرحماء، وبين الذين يخفضون له جناح الذل من الرحمة، ويخبئون عزتهم وشدتهم، ليظهروها للكافرين في مواقف الجهاد، هذا الخجول الحساس، سينسى خجله وحساسيته بين أناس كهؤلاء، وسيمتلئ سكينة وطمأنينة في حضورهم، لا هيبة ورهبة.
Comments
Your Comment