الصحة النفسية للمتزوجين والمتزوجات
الصحة النفسية للمتزوجين والمتزوجات
Whatsapp
Facebook Share

الصحة النفسية للمتزوجين والمتزوجات

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

ربّ العالمين قال بوضوح أنّه خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾ [الروم: 21]، إذن الهدف الرئيسي للزّواج هو السّكينة النّفسيّة والشّعور بالأمان للطّرفين، وليس الإنجاب والتّكاثر كما يظنّ كثيرون.

 

والإنسان امرأة كان أو رجلاً هو الكائن الحي الوحيد على ظهر الأرض الّذي يعي وجوده وعياً تامّاً، ويُدرِك نفسه كذاتٍ مستقلّة عن كلّ ما سواها، ويُدرِك الماضي والمستقبل، ويُدرِك أنّه يتمتّع بالحريّة والإرادة الحرّة، ويعلم أنّه سيموت يوماً ما بالتّأكيد، كما إنّه يخشى الفقر ويحرِص على امتلاك ما يؤمّنه ضدّ الفقر والحاجة في المستقبل.. وهذه كلّها أسباب وجوديّة للقلق النّفسي وانعدام الشّعور بالأمان.

 

علماء التّحليل النّفسي الغربيّون يرون الحلّ في "الحبّ والعمل" أي الحبّ المتبادل بين الفرد وفرد آخر أو أفراد آخرين، والحبّ بين رجل وامرأة هو مثال على ذلك. ويرون العمل سبيلاً آخر للشّعور بالأمان في هذا الوجود، لكنّنا نؤكِّد أنّ الإيمان والحبّ بين المؤمن وخالقه هو المصدر الأول للشّعور بالأمان في الحياة، ويليه الحبّ بين الجنسين، ثمّ الحبّ الأخوي بين أفراد الجنس الواحد.

 

الرّجل مفطور على الاستقلاليّة وعدم الاعتماد على الآخرين، بل على العكس يحقّق ذاته عندما يعتمد عليه الآخرون ويَقدِر هو على حمايتهم وكفايتهم، لكنّ الرّجل أيضاً مفطورٌ على حبّ الجمال الأنثوي الجسدي وغير الجسدي، إنّه يشعر أنّ هنالك شيء ناقص في حياته طالما ليس هنالك أنثى جميلة خاصّة به وحده من دون الرّجال الآخرين، ومخلصة له وتراه حاميها وكافيها، فيشعر برجولته أكثر عندما يرى رضاها وسعادتها بالحياة معه، وعندما يرى انقيادها له كقائد للأسرة.

 

أمّا الأنثى المفطورة على التّعلّق والارتباط بأمّها أوّلاً ثمّ بصديقاتها، وعندما تكبر برجلٍ تتجسّد فيه القوّة والمكانة والشّهامة، فترغب في الارتباط به والعيش في كنفه حيث يتحقّق حلمها في الأمومة وولادة الحياة ثمّ تربية الأطفال لتراهم كباراً يجسّدون أحلامها، وتجد الطّمأنينة معه طالما لمست منه الحبّ والإعجاب بها والحرص عليها... إنّ المرأة بفطرتها أكثر اعتماديّة من الرّجل وأقلّ حرصاً على الاستقلالية. والكثير من علماء النّفس يرون في العلاقة والحبّ بين الزّوجين تعويضاُ عن تعلّق الزّوجين بوالدتيهما عندما كانا صغيرين يجد كلّ منهما طمأنينة عظيمة وهو في حضن أمّه وذلك رغم ميل الذّكر للاستقلاليّة، إلّا أنّ طعم الأمان الّذي كان يشعر به في سنواته الأولى وهو في حضن أمّه ما زال مغروساً في أعماق نفسه.

 

لذلك لا غرابة أن تُؤكِّد كلّ الدِّراسات أنّ المتزوجين من الجنسين أكثر صحّة نفسيّة من غير المتزوّجين، لكن الدِّراسة الحاليّة تكشف أنّ المرأة تكسب صحّة نفسيّة أكثر ممّا يكسبه الرّجل، وربّما يعكس ذلك كما ذكرتُ أنّ المرأة أكثر اعتماديّة وأنّ أحلامها في الأمومة لا تتحقّق بصورة مُثلى إلّا بوجود رجلٍ يُؤَمِّن لها ولأولادها الحماية والكفاية، ويطمئنها على أنوثتها من خلال استمرار إعجابه بها وحبّه لها، والجدير بالذّكر أنّ هنالك دراسة أمريكية وجدت فرقاً واضحاً في الصّحّة النّفسيّة بين النِّساء السّعيدات في زواجهنّ والنِّساء غير السّعيدات، لكن حتّى غير السّعيدات كنّ أكثر صحّة نفسيّة من غير المتزوِّجات، ولعلّ ذلك لأنّ المرأة الّتي ترى نفسها غير سعيدة في زواجها تنسى جوانب كثيرة إيجابيّة في حياتها الزّوجية تجعلها اكثر صحّة نفسيّة من غير المتزوِّجة.

 

لكن هنالك زوجات مضطهدات بكلّ معنى الكلمة، وهؤلاء بالتّأكيد أقلّ صحّة نفسيّة من العازبات، لأنّه إن اجتمع على الزّوجة الإحباط النّاتج عن عدم تحقّق رغباتها واحتياجاتها مع الإيذاء المتكرّر سواء بالضّرب أو الشّتم أو تحطيم المعنويّات أو الخيانة المتكرِّرة أو البخل أو عدم الإنفاق عليها وعلى الأولاد أصلاً، أو الاستيلاء على مرتبّها وغير ذلك من طرق الإيذاء فإنّ الاكتئاب النّفسي سيكون متوقّعاً لهذه الزّوجة ما لم تنصلح أحوال زواجها أو تخرج منه بأقلّ الخسائر والأضرار.

 

إنّ نتائج الدِّراسات أنّ المتزوِّجات عموماً أكثر صحّة نفسيّة من غير المتزوِّجات لا يعني أن ترمي الفتاة نفسها في أيّ زواجٍ دون التّأكّد أنّ هذا الزّواج سيسعدها حقاً، لأنّ نوعيّة الزّواج مهمّة جداً وليس مجرّد الزّواج.

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة