هل الصداقة بين الرجل والمرأة ممكنة
هل الصداقة بين الرجل والمرأة ممكنة
Whatsapp
Facebook Share

هل الصداقة بين الرجل والمرأة ممكنة؟

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

السؤال: هل الصداقة بين الرّجل والمرأة ممكنة؟

 

الجواب: حتّى يتبيّن المقصود من السؤال لا بدَّ من إعادة صياغته على النحو التالي:

 

هل من الممكن أن تكون هنالك علاقة حميمة بين رجل وامرأة، ليس الرّجل زوجها ولا أحد محارمها (أخوها أو خالها أو عمّها.....) وأن تكون هذه العلاقة خالية من الجنس والغرام مع أنّها ليست سطحية أو رسمية؟

 

وفي الحقيقة هذا أمر حساس وقابل لسوء الفهم وللاستعجال في إعطاء آراء لم يتم التمعّن والتروّي فيها، لأنّه لا يتحدّث عن نوع من العلاقات بين المرأة والرّجل لم يكن مألوفاً من قبل في مدن العالم الإسلامي، ولا حتّى في الريف حيث كان هنالك قدر أكبر من الاختلاط بين الجنسين بحكم طبيعة الحياة والعمل في القرى.

 

في أوروبا وأمريكا في هذا العصر، العلاقة الحميمة بين اثنين هي إمّا زواج أو صداقة، حيث الصداقة لديهم تتسع للعلاقات الجنسيّة سواء بين الجنسين أو العلاقات الشّاذّة بين أفراد الجنس الواحد، أمّا علاقة العشق والغرام فهي نوع من الصداقة خاص يفترض أن يكون مقدمة للزّواج، لكن تبقى كلمة صديق هي الّتي تطلق على كلّ من العاشقين.

 

لكن السؤال المطروح علينا اليوم لا يبحث في إمكانية وجود مثل هذا النّوع من الصداقة، إذ ليست هذه الصداقة الّتي لا يحدها حد ولا يقيدها قيد، ليست هي ما نريده للنّساء والرّجال في مجتمعاتنا، كما إنّ السؤال يحاول البحث في الاتهام التلقائي الفوري الّذي يوجه في مجتمعاتنا إلى أيّة علاقة حميمة بين رجل وامرأة ليسا زوجين ولا محرمين، أنّها لا تخلو من الجنس وممّا حرّم الله.

 

الّذي يجب أن نذكره أنّ اختلاف التّكوين الجسدي والنفسي بين المرأة والرّجل له حكمته الكبرى، وهو يتعدى حدود الاختلاف من أجل الحمل والولادة، فهنالك الكثير من الخصائص الجسديّة اختلف فيها الجنسان لا تؤثراً كثيراً على قدرة المرأة على الحمل والولادة، ومثالاً عليها: نعومة صوتها، وقلة شعر الجسم لديها، وغياب اللحية من وجهها، وزيادة نسبة الشّحوم واستدارة حواف الجسم عندها....

 

إنّ هذه الفروق تزيل من نفس المرأة والرّجل أيّ إحساس بالمنافسة سواء على مستوى الشّعور أو اللا شعور ممّا يجعل من اليسير جداً أن تنشأ بينهما علاقة حميمة جداً، فتكون المرأة كاللباس بالنسبة للرّجل ويكون الرّجل كاللباس بالنسبة للمرأة كما جاء في القرآن الكريم، وهذا يعني أشد القرب بينهما.

 

إنّ اختلاف الجنس بين المرأة والرّجل يسهِّل حدوث العلاقة الحميمة بينهما، لكن يبقى الانجذاب الجنسي والاشتهاء قريبين جداً من أيّة علاقة بين رجل وامرأة إلّا بين المحارم أي الأب وابنته والأخ وأخته... وذلك لأسباب وصل العلم إلى بعضها وما زال يبحث عن الباقي....

 

لكن السؤال المطروح يتضمّن سؤالاً آخر، وهو: ألا يمكن لرجل وامرأة لا هما زوجان ولا هما محرمان أن يبعدا عنهما المشاعر الجنسيّة وأن تكون بينهما صداقة ومودّة وعلاقة حميمة بريئة كما تكون العلاقة بين المرأة وأخيها؟

 

والجواب: أنّ مثل هذه العلاقة ليست سهلة وليس من السهل الحفاظ على براءتها وإن كان ذلك ليس مستحيلاً.

 

إنّ مثل هذه العلاقة يحتاج إلى مستوىً خلقي عالٍ، حتّى ينظر الرّجل إلى جمال المرأة فلا يشتهي امتلاكه جنسيّاً والتّمتّع به، بل قلبه يقول: "الّلهم بارك لزوجها بجمالها، اللّهم بارك لها بجمالها" ويحتاج إلى الأخلاق الرفيعة حتّى لا يخطر ببال المرأة أن تقوم بأيّ تصرّف فيه الإغراء والإغواء لهذا الرّجل، وأن لا تتمنى أن يكون لها ممّا رأت فيه من الصفات الّتي تعجبها، وقد يكون مثل هذه المشاعر أسهل إن كان الطرفان غير جائعين جنسيّاً..... وهذا يرينا كيف أنّ الفتاة والشاب العازبين سيكون من الصعب عليهما تنقية مشاعرهما من الاشتهاء الجنسي كي يحافظا على هذه الصداقة البريئة، إلّا إن كان كلّ منهما غير منجذب أصلاً إلى الآخر ولا يراه جميلاً جداً، لكن رغم هذا فإنّ وجود الجوع الجنسي والإثارة يجعل الإنسان يشتهي ما لا يشتهيه عادة، تماماً كالطعام، حيث يشتهي الجائع أي طعام، فإذا شبع بحث عن الحلوى فقط.

 

وأعتقد أنّ العلاقة بين رجل وامرأة جذّابة له لن تخلو من مشاعر الاشتهاء إلّا إن كانت المرأة متسترة، بحيث لا يرى منها إلّا الوجه والكفين، إذ الوجه الجميل وحده يولِّد الانجذاب ولا يثير الاشتهاء، كما إنَّ الخلوة بين الرّجل والمرأة في مكان يشعران فيه بالطمأنينة أنّ أحداً لن يفاجئهما، هذه الخلوة تفسح المجال للمشاعر الجنسيّة كي تحوم في جوّ العلاقة، لذا كان لا بدَ للطبيب إذا أراد فحص مريضة جسديّاً أو توليدها من وجود ممرِّضة معه، حيث وجودها يخفّف كثيراً من وطأة المشاعر الجنسيّة لديه تجاه مريضته، إذ الرّجل يتأثّر بما يراه من الجمال، وتتحرَّك المشاعر الجنسيّة لديه بشكل غير إرادي.

 

وأعتقد أنّ الصداقة بين رجل وامرأة ليست هي الصداقة المثاليَّة من حيث أنّها لا تقدِّم للرّجل الإشباع النفسي الّذي تقدمه الصداقة مع رجل آخر، كما أنّها لا تحقّق للمرأة نفس القدر من الإشباع والدعم النفسي الّذي تحصل عليه من صداقتها مع امرأة أخرى، إضافة إلى أنّ مثل هذه الصداقة تحتاج إلى ضبط النفس والاحتياط من المشاعر الجنسيّة، والزّواج يحقّق للرّجل والمرأة كل ما يمكن أن تقدِّمه الصداقة مع الجنس الآخر.

 

أي ليست هذه الصداقة ممّا يجب السعي إلى إنشائه إلّا إن كان هنالك احتكاك يومي بين رجل وامرأة في العمل أو ما شابه، فعندها ليس من المستحيل أن تكون مشاعرهما أخويّة وأن تكون علاقتهما صداقة بريئة، وأن يكون بينهما تشاور أو إفضاء أحدهما إلى الآخر ببعض همومه أو مشاريعه ممّا يتمّ عادة في علاقات الصداقة بين أبناء الجنس الواحد.

 

الصداقة الممكنة بين الجنسين هي صداقة محدودة ومقيّدة، وليست كلّ علاقة حميمة بين امرأة ورجل علاقة آثمة أو شهوانيّة، إنّنا نجعل الأمر أسهل للفهم والبحث والتطبيق لو قلنا: إنَّه من الممكن أن يكون بين رجل وامرأة علاقة أخويّة، وإن كانت مقيّدة حتّى لا تنزلق في منحدر الشهوات الّتي من منظورنا تفسد الصداقات.

 

الأخوّة مفهوم جميل يستوعب الصداقة البريئة ويساعد على وجودها.

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة