الاختلاط بين الجنسين
الاختلاط بين الجنسين
Whatsapp
Facebook Share

الاختلاط بين الجنسين

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

لقد خلق الله النّاس وجعلهم جنسين الرِّجال والنِّساء، وجعلهما مختلفين في الخلقة اختلافاً أكبر ممّا يقتضيه الحمل والولادة والإرضاع، إذ جعل الرِّجال أقوى وجعل النِّساء أجمل، كلُّ ذلك ليخفِّف مِن الإحساس بالمُنافسة الّذي يُثيره التّشابه والتّماثل، لذا كان الرِّجال ينجذبون إلى النِّساء ولا يجدون غَضاضةً في مُعاملتهنَّ باللّطف والتّدليل، وكانت النِّساء يَنجذبْنَ إلى الرِّجال ولا يَجدْن غضاضةً في مُعاملتهم بالإعجاب والتّقدير لإنجازاتهم وقُدُراتهم، إذ لا يُسيطر الشّعور بالمُنافسة وما يُرافقه من شعورٍ بالعداء على علاقات الجنسين ومواقف اللّقاء والاحتكاك اليومي، وهذه هي المودّة والرّحمة بين الجنسين الّتي تجعل كلّاً منهما سكناً للآخر، وهذا يُرينا كيف أنَّه لا غنى للرِّجال عن النِّساء ولا غنى للنِّساء عن الرِّجال.

 

ومِن خلال تعامل الجنسين واختلاطهما ضمن الشّروط الشّرعيّة تُتاح الفرصة للرِّجال والنِّساء على السّواء كي يتلقّى كلٌّ منهما مِن الطّرف الآخر ما يُعزِّز لديه الرِّضا عن نفسه مِن حيث الرُّجولة عند الرَّجل والأُنوثة عند المرأة، إذ عندما يلتزم الطّرفان بالشّروط الشّرعيّة للاختلاط، فإنَّ اختلاطهما يكون فرصةً للإحساس بالمودّة والرّحمة يتلقّاها كلٌّ منهما مِن الآخر، ويتلقّى كلٌّ منهما المُعاملة الّتي يحبُّها والّتي تأتي مِن الجنس الآخر تلقائيّةً دون تكلُّف. أمّا إن تمَّ الاختلاط دون الالتزام بالضّوابط الشّرعيّة مِن مثل ستر المرأة للجسم والرّأس بثوبٍ لا يشف ولا يصف، وعدم خضوعها بالقول، وعدم الخلوة وغير ذلك مِن آداب، إن تمَّ الاختلاط دون هذه الآداب فإنَّ الاختلاط عندها يُثير الاشتهاء والرّغبة في الامتلاك الجنسي، وهنا تتحوّل العلاقة من المودّة والرّحمة إلى علاقةٍ مشحونةٍ بالعداء المُقَنَّع بالإعجاب والحب الكاذب، فاشتهاء ما لا يحلُّ والسّعي إلى امتلاكه دون حقٍّ هو عدوانٌ على المستوى النّفسي قبل أن يكون عدواناً على المستوى الشّرعي والقانوني، حيث الاشتهاء يجعل الإنسان يَنظُر إلى الطّرف الآخر نظرته إلى شيءٍ يمتلكه لا إلى إنسانٍ يُحتَرَم.

 

وقد تأثَّرت مُجتمعاتنا بالنّموذجِ الغربيِّ للاختلاط، وصار النّاس يتخيّلون الاختلاط على الطّريقة الغربيّة ويَنسون أنَّ أرياف العالم الإسلاميِّ بقي فيها الاختلاط الممزوج بالعِفَّة على مدى القرون حتّى يومنا هذا دون أن يتحوّل الاختلاط إلى رحلةِ قنصٍ وصيدٍ يتصيَّد فيها الرِّجال النِّساء، وتَرمي النِّساء شِبَاكَهُنَّ ليتصيَّدْنَ الرِّجال، وكلاهما يَنظُر إلى صاحبه على أنَّه صيدٌ يفوز به لا على أنَّه إنسانٌ يَحترمه من أعماق نفسه.

 

ومِن جهةٍ أُخرى فإنَّنا لو تخيَّلنا وجود مجتمعٍ لا يختلط فيه الرِّجال بالنِّساء أبداً فإنَّ ذلك يجعل كلّاً من الجنسين يُسيء فهم الآخر، إذ يتصوَّر أنَّ أيَّ كلمةٍ تأتيه من الجنس الآخر إنَّما هي عَرْضٌ أو تَحرشٌ جنسيٌّ، وينسى الجنسان إمكانيّة الاختلاط الأخويّ بينهما، وهذا يُشَوِّه نظرة النِّساء إلى الرِّجال ونظرة الرِّجال إلى النِّساء، إذا مهما قلَّ الاختلاط بين الجنسين فإنَّه لا بُدَّ للنّاس من أن يختلطوا ولو في مواقفٍ ومناسباتٍ محدودة.

 

إنَّ الاختلاط المُريح للنّفس البشريّة هو الاختلاط المُرشَّد بالضّوابط الشّرعيّة الّتي تحمي هذا الاختلاط من أن يتحوّل إلى اختلاطٍ واسع النِّطاق بلا حدودٍ، فيفضي إلى أن يَزهد الرّجل بزوجته إذ يرى مَن هي أجمل منها، وتَزهد المرأة بزوجها إذ ترى مَن هو أكمل منه، وعندها يتحوّل الاختلاط إلى بلاءٍ وإلى مَنبعٍ للشَّقاء والرّذيلة.

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة