حول الغضب والانتقام بين الأزواج
حول الغضب والانتقام بين الأزواج
Whatsapp
Facebook Share

حول الغضب والانتقام بين الأزواج

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

عندما يرمي زوج زوجته من الطابق الثاني أو ينشرها على حبل الغسيل لتقع من ارتفاع الطابق الثالث وتموت، أو يقطع لسانها لأنّها استمرّت في الثرثرة وهو منهمك في متابعة مباراة كرة القدم، وعندما يصرّ الشرطي البرازيلي على قتل صديقته ويلاحقها ويُجهز عليها في المشفى، وعندما تبقر زوجة بطن زوجها لأنّه أطفأ التلفاز الّذي كانت تشاهده، عندما تحدث حوادث من هذا القبيل يشكِّل الخبر صدمة ويثير استغراباً، إذ كيف تُرتَكَب جرائم قتل بشعة لأسباب تافهة، لكن الطّبيب النّفسي الّذي يعرف سمات الشَّخصيّة الفاسدة (السيكوباثيّة) المريدة (أي المتمرِّدة بشدّة على القيم والدِّين والأعراف والقوانين) لكن الطّبيب النّفسي لا يستغرب مثل هذه الجرائم..... إنَّ بعض البشر يكبر دون أن يتعلَّم كيف يصغي إلى صوت الضمير الَّذي يُؤنِّب الإنسان إذا ما أخطأ في حقِّ إنسان آخر فسبب له الأذى والألم والمعاناة.... إنّهم أناس لم يتعوَّدوا الإحساس بمشاعر الآخر، فهم لا يحاولون أبداً أن يضعوا أنفسهم مكان غيرهم ليحسوا بمشاعره وكيف يكون وقع اعتداءاتهم عليه، إنّ الإحساس بشعور الآخرين وفهم أحاسيسهم مهارة انفعاليَّة هامّة جداً للحياة في المجتمع، وهؤلاء الأشخاص المضادين للمجتمع لا يجدون في أنفسهم حاجة إليها، إنّ النّاس بالنّسبة لهم كالأشياء تماماً، لا تهمهم إلّا من حيث تحقِّق لهم أغراضهم، إنَّهم لا يحترمون الإنسانيَّة فيهم، بل يرون النّاس بمثابة أدوات لإشباع رغباتهم وحاجاتهم، وهم أناس في حاجة دائمة إلى الإثارة والتّجديد والمتعة الحسيّة من جنس وخمر ومخدرات وغير ذلك من مصادر المتعة الحسيّة، وهم عديموا الشّعور بالمسؤوليّة ولا يجدون أي حرج إن هم لم يفوا بالتزاماتهم الماليّة أو الوظيفيّة، إنهم يعيشون بالكذب والخداع والغش، وإذا كشفت كذبهم لا يخجلون بل يختلقون المزيد من الكذب ليبرروا ما كشفته، وكثير منهم يتمتّعون بلسان طلق وعذب وشخصيّة ساحرة، ويُظهرون عواطف لا يشعرون بها أبداً، لذا فهم مهرة في خداع النّاس والنّصب عليهم، وممّا يميِّزهم أنَّهم اندفاعيُّون وعدوانيُّون، يرتكبون الجريمة قبل أن يفكِّروا بعواقبها، لكنَّهم بعد ارتكابها لا يندمون عليها أبداً، لأنَّهم دائماً مقتنعون أنَّ ضحاياهم تستحقّ ما نزل بها من أذىً، وهم لا ضمير لديهم يؤنِّبهم، ولا يتعاطفون مع ضحاياهم، لذا لا يبالون بآلامهما ومعاناتها، وهم عادة ممتلئون عظمة، وهذه العظمة مع غياب الضمير تفسِّر الجرائم الّتي نتحدَّث عنها الآن، لأنَّها العظمة وحدها الّتي تجعل زوجاً يقطع لسان زوجته لأنَّها لم تصمت، والعظمة وحدها تجعل زوجاً خرج من السجن يريد الانتقام من زوجته الّتي قصَّرت في زيارته وهو في السجن فيتفنَّن في انتقامه، حيث يريد أن ينشرها على حبل الغسيل على ارتفاع ثلاثة أدوار، هؤلاء الأشخاص يرتكبون ما يسمَّى الجرائم ذات الدم البارد، حيث أحدهم يرتكب ما يرتكبه في هدوء ورويّة وليس في ثورة غضب يعمي ويصم، إنّما ببرودة أعصاب تقشعِّر لها الأبدان، هم يذبحون الشّخص وكأنّهم يذبحون دجاجة للغداء.... والأخبار في الصحف تأتينا بخبر الجريمة دون تفصيلات عن شخصيّة الزّوج وماضيه أو شخصيّة الزّوجة المجرمة وماضيها، وهذا العنف البشع تجاه الزّوجة أو الزّوج لا يمكن أن يكون أوَّل عنف يرتكبونه في حقِّها، بل لا بدَّ أنَّ هنالك حوادث عنف بشعة سبقته لكنَّها لم تصل إلى حدِّ القتل إلّا هذه المرّة، ولعلَّ الزّوج الّذي أجبر زوجته على أكل البطيخة بقشرها، والزّوجة الّتي شوّهت زوجها لتبقيه ملكاً لها من هذا القبيل، وإن كانت هذه الزّوجة مدفوعة بالغيرة الشّديدة، تلك الغيرة الّتي دفعت العاشق الاثيوبي إلى قصف بيت الجيران الّذي آوى عشيقته الّتي هجرته بقنبلته، والغيرة ربّما كانت الدافع الأساسي لقيام الشرطي البرازيلي بقتل صديقته السابقة، وكذلك السّيدة الصينيّة في هونج كونج الّتي قتلت زوجها شرَّ قتلة.....

 

إنّ هذه الجرائم هي جرائم غيرة وانتقام للذات في نفس الوقت حيث يكون لدى القاتل عظمة شديدة تجعل انتقامه ممّن خانه وهجره انتقام الجبّارين، لكن ما لم يكن هذا الغيوّر مصاباً باضطراب عقلي من نوع البارانويا، فإنَّ بشاعة الجرائم المرتكبة تشير إلى شخصيّة فاسدة مريدة كما هو حال الجرائم الأولى.

 

أمّا العبارة غير المهذبّة الّتي وجهتها عروس إلى زوجها على الكوشة، فهي مثال على الغضب السريع الانعكاسي، حيث أفسد بشرابه ثوب عرسها الّذي له عندها من القيمة والأهميّة ماله، فاندفعت تُعبِّر عن غضبها دون تروٍّ أو تفكير بعواقب الأمور، وأي إنسان تحت ضغط نفسي أو قلق أو اكتئاب قد يغضب ولا يملك نفسه عند الغضب كما حدث لهذه العروس غير المحظوظة، لكن الزّوج الّذي طلقها هو المحظوظ، لأنّه لو لم يطلِّقها لكان عليه أن يتحمّل من أخلاقها السيئة الكثير الكثير.

 

أمّا الزّوج الأعمى والزّوجة العمياء الّلذان تنكَّر كلّ منهما لزوجه الّذي أعانه على استرجاع البصر فهما نموذجان بشريان ربّما للثّورة ضد الاستغلال، فلعلَّهما اكتشفا أنّهما بسبب العمى كانا مرتبطين بزوجين دميمين استغلّا عجزهما فأرادا بعد الإبصار أن يسدِّدا الحساب، أو ربَّما هما مثال للؤم وإنكار الجميل، وهذا ليس غريباً على البشر، إذ منهم من يكفر حق الخالق عليه فيرفض أن يؤمن به وأن يقرّ بوجوده مجرَّد الإقرار، ناهيك عن تقديم الشكر له والامتنان، لكن لا نستطيع أن نفترض فيهما علَّة نفسيّة من العلل الّتي تصنِّفها قوائم الأطباء النفسيين.

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة