لا قلق مع التوحيد الخالص
لا قلق مع التوحيد الخالص
إن للقلق الإنساني أسباباً متنوعة، ومن هذه الأسباب، اعتقاد المرء أن أحداً من الناس يملك له نفعاً أو ضراً.
فإنك إن ظننت أن إنساناً ما بيده أن ينفعك، أو أن يضرك، بغض النظر عن إرادة الله، فإنك عندها تصبح فريسة القلق النفسي، لأن ابن آدم متقلب بطبعه، وأنت لا تعرف متى ينقم عليك فيحرمك النفع الذي يأتيك عن طريقه، أو يوقع بك الضر الذي تخشاه.
لكن الإسلام بعقيدة التوحيد الخالص، يعلمنا أن الله هو النافع، وأن الله هو الضار، وأن الناس لن ينفعونا إلا بشيء قد كتبه الله لنا، ولن يضرونا إلا بشيء قد كتبه الله علينا.
وهذا اعتقاد أساس لصحة عقيدة المسلم، إذ الظن أن أحداً من الناس يملك لنا نفعاً أو ضراً هو نوع من الشرك الخفي، الذي يفقد النفس أمنها، واطمئنانها، وسكينتها:
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].
وقال أيضاً: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كنت خلف النبي محمد ﷺ يوماً فقال: يا غُلامُ، إنِّي أعَلِّمُك كَلِماتٍ: احفَظِ اللهَ يَحفَظْك، احفَظِ اللهَ تَجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعَنْتَ فاستعِنْ بالله، واعلَمْ أنَّ الأمَّةَ لو اجتمَعَت على أن ينفَعوك بشَيءٍ، لم ينفَعوك إلَّا بشَيءٍ قد كتَبَه الله لك، ولو اجتَمَعوا على أن يضُرُّوك بشَيءٍ، لم يضُرُّوك إلَّا بشيءٍ قد كتَبَه اللهُ عليك، رُفِعَت الأقلامُ، وجَفَّت الصُّحُف" (الترمذي وقال: حسن صحيح).
لذا فإن تعرض المؤمن لتهديد من الناس، فإنه يأخذ حذره، ويعد عدته لحماية نفسه، وهو في الوقت نفسه متوكل على الله الذي قال في كتابه الكريم: ﴿...وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 3].
وعندما وصلت الأنباء إلى المسلمين بعد مصيبتهم في أحد، أن المشركين قد جمعوا لهم، قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)﴾ [آل عمران: 173 - 174].
أما الخير فيطلبه المؤمن من الله وليس من العباد، فما هم إلا وسائل يقدر الله الخير من خلالها:
قال تعالى: ﴿...فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 17].
وقال أيضاً: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 26].
ثم إننا لو حللنا القلق النفسي إلى المشاعر المكونة له، لوجدناه يتضمن الخوف من أن يأتي المستقبل بما لا يسر مع الإحساس بالعجز، وانعدام الحيلة تجاه ذلك.
فلو خاف الإنسان من وقوع أمر لا يحبه، لكنه أحس بالثقة أنه يستطيع أن يفعل شيئا ليمنع وقوعه، وليتلافاه، فإنه لن يشعر بالقلق، ذلك أن الإحساس بالعجز تجاه الخطر المتوقع، والإحساس أنه ليس باليد حيلة، هو السبب الرئيس وراء القلق.
لكن المؤمن يجب ألا يشعر بالعجز أبداً، فهو بعد أن يبذل وسعه وما يقدر عليه، ويتوكل على الله، يبقى لديه الدعاء، والدعاء ليس وسيلة الضعيف العاجز، بل هو سبب من الأسباب يجب أن نبدأ به، وأن نضيفه إلى كل جهد نبذله.
ومع التوكل والدعاء، يجب على المؤمن أيضاً ألا يحرص على شيء بعينه حرصاً شديداً، فيتصور عدم الحصول عليه خسارة ما بعدها خسارة، فلعل فيه الشر له وهو لا يعلم.
قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
Comments
There are no comments yet
Your Comment