- Home
- Articles
- Men and Women
- الرومانسية المفقودة في الحياة الزوجية
الرومانسية المفقودة في الحياة الزوجية
الرومانسية المفقودة في الحياة الزوجية
المقصود بالرّومانسيّة تلك الحالة من المشاعر والعواطف الّتي يمتزج فيها الحبّ والرّحمة مع الإعجاب الشّديد بالمحبوب، إعجاباً يبلغ حدّ رؤية المحبوب كائناً مثاليّاً كاملاً لا عيب فيه، ويشعر فيها المحبّ أنّ سعادته ستكون مع هذا المحبوب بالذّات ولن تكون مع غيره، لذلك يصبح للمحبوب قيمة عظيمة لديه، ويميل المحبّ الرّومانسيّ إلى قضاء أطول وقتٍ بقرب المحبوب، وإلى الإفضاء إليه بكلّ شيءٍ عن نفسه وعن أهله وعن طموحاته وأهدافه في الحياة...
والمحبّ الرّومانسيّ يعتبر سعادة محبوبه مسؤوليّته وهدفه في الحياة، فيقدّم له كلّ ما يستطيع ولا يبخل عليه بشيء، وفي الحبّ الرّومانسيّ ميل إلى الرّحمة الّتي تجعل المحبّ لا يسعى إلى امتلاك محبوبته جنسيّاً دون زواج، لذلك يبقى الحبّ الرّومانسيّ عادة حبّاً عذريّاً ما لم يجمع الزّواج بين المحبّين.
ولم تعرف المجتمعات الغربيّة في أوربا وأمريكا هذا النّوع من الحبّ إلى اعتباراً من القرن الثّاني عشر الميلادي، بعد أن عادت جيوشهم الصّليبيّة مهزومة من الشّرق الإسلامي، حيث انتشر في فرنسا نوع جديد من الغناء يسمّى "التروبادور" بدأ فيه الرّجل الأوربّي للمرّة الأولى ينظر إلى المرأة ككائن مثالي يستحقّ أن يُكَرِّسَ له نفسه وأن يفديه بحياته، وعلى مدى القرون تطوّرت هذه النّظرة إلى المرأة الّتي كانت تختار نساءها المعبودات حبّاً من بناء الملوك والأمراء وزوجاتهم، ويجب أن لا ننسى تأثّر الفرنسيين بالعرب المسلمين في الأندلس، ومع بدايات القرن التاسع عشر انتشرت الرّومانسيّة في فرنسا أوّلاً ثمّ في أوربا كلّها من خلال الرّوايات الرّومانسيّة، وبالتّدريج صارت المرأة المعشوقة امرأة جميلة من أفراد الشّعب.... وبعد الحرب العالمية الثّانية صارت الرّومانسيّة في أمريكا وأوروبا وما تزال شرطاً للزّواج، حيث لا بدّ لكلّ زواجٍ من قصّة حبٍّ تسبقه.... وكثير من الدّارسون يرون أنّ الرّومانسيّة نشأت أوّلاً في بلاد العرب والمسلمين حيث الحبّ العذري، وحيث حبّ القس لسلامة وكُثَيِّر لعزّة وقيس للبنى وقيس المجنون بليلى.... وأوّل الكتب الجادّة والموسّعة عن الحبّ ظهرت عند المسلمين وبخاصّة الفقهاء، وهي عديدة وفيها فهم عميق للمشاعر الرّومانسيّة.
لكنّ الرّومانسيّة تقوم على وهمين: الأوّل أنّ المحبوب كائن كامل الأوصاف، والثّاني أنّ السّعادة ستكون معه ولن تكون مع غيره أي لا بديل له، وأنّ الحياة معه لن تكون إلّا سعيدة.
وقد أثبتت الدّراسات النّفسيّة أنّ الحياة الزّوجيّة تمرّ بأطوارٍ حيث الرّومانسيّة أوّلها، ثمّ بعد شهورٍ أو سنةٍ أو سنتين على أبعد حدٍّ يأتي طور الخيبة وزوال الوهم، حيث يبدأ المحبّ في رؤية عيوب محبوبه، وحيث يتأكّد أنّ الحياة مع محبوبه ليست سعادة كاملة، وهنا يعيد النّظر في ارتباطه بهذا الشّخص، فإن كانت المدّة الّتي أمضاها معه يغلب عليها السّعادة ولمس من المحبوب الحرص عليه وعلى إسعاده، وشعر بالامتنان لهذا المحبوب لما يقدّمه له ولما يشبعه من احتياجاته، شعر المحبّ بنوعٍ جديدٍ من الحبّ تجاه محبوبه اسمه "حبّ الصّحبة"، وتقبّله وأحبّه بعيوبه حبّاً هادئاً يدوم عادة طيلة العمر، وعليه تقوم الحياة الزّوجيّة السّعيدة المديدة. لكن المرأة تبقى طيلة حياتها تفتقد التّدليل والاهتمام والإعجاب الّذي كانت تلمسه من زوجها في طور الرّومانسيّة، وتظنّ أنّ الحبّ قد خرج من حياتهما الزّوجيّة لأنّها تظنّ أنّ الأصل أن تستمرّ الرّومانسيّة طيلة العمر، وهذا ظنّ خاطئ، وهو سبب الكثير جداً من حالات الطّلاق في أمريكا وأوربا، حيث يدخل أحد الزّوجين في حبٍّ جديدٍ، ومن أجله يضحي بأسرته ليصاب بخيبة جديدة في زواجه الثّاني، وليكون معدّل الطّلاق في الزّيجات الثّانية أعلى من معدل الطّلاق في الزّيجات الأولى.
Comments
There are no comments yet
Your Comment