أزواج من ورق
أزواج من ورق
من الملفت للنظر فعلاً أن بعض الرجال وبعض النساء يلجؤون إلى الطلاق وتهديم بنيان الأسرة لأسباب لا تبدو كافية ومقنعة، وقبل أن يستنفدوا فرص الإصلاح والتفاهم. وهذا بالتأكيد يعكس نوعاً من الأنانية الزائدة عن حدها، إذ الإنسان أناني بالفطرة، ولا يعمل شيئاً إلا إن كانت له فيه مصلحة، وهذه المصلحة قد تكون مادية وقد تكون معنوية، وقد تكون دنيوية وقد تكون أخروية، لكن البعض وهم يحرصون على راحتهم الشخصية لا يفكرون بأثر قراراتهم على الطرف الآخر، أو يتغافلون عنها. فالزوج لو فكر بأثر الطلاق على زوجته وتفهم مشاعرها ووضع نفسه في موضعها لتعاطف معها، ولقرر الصبر وبذل المزيد من الجهد لإنقاذ هذا الزواج، ولما لجأ إلى الطلاق إلا بعد اليأس من الإصلاح، وكذلك الزوجة التي تطلب الطلاق لأبسط الأسباب... وقد يكون استعجال اللجوء إلى الطلاق دلالة على عدم نضج الشخصية، وعدم النضج يعني بقاء بعض الملامح الطفولية في الشخصية ومنها الأنانية الزائدة وضعف الإحساس بالآخرين.
إن الطلاق رغم ما يحمله من معاناة للطرفين خير من الاستمرار في حياة زوجية غير مُرضية ولا تحقق المطلوب منها وهي السكينة النفسية للزوجين، كما إن الطلاق أرحم بالأطفال من العيش بين أبوين متصارعين متعاديين مما يُفقِد الأطفال الإحساس بالأمان، ومما يجعل عملية نقل القيم إلى الأطفال أي تنشئتهم اجتماعياً لا تتم بنجاح، وهذا يقود في كثير من الأحيان إلى الانحراف الخلقي والجنوح لدى الأطفال. لكن يجب دائماً بذل أقصى الجهد للمحافظة على الأسرة وبخاصة إن كان هنالك أطفال، وذلك باللجوء إلى من يقوم بالعلاج الزّواجي من المختصين النفسيين أو المختصين الاجتماعين أو علماء الدين أو المعروفين بالحكمة والتعقل من الأهل والأصدقاء.
والطلاق الذي يحدث دون سبب خطير مُقنع عادة طلاق ناتج عما يُسمى "عدم الانسجام" بين الزوجين، وعدم الانسجام هذا قد ينشأ عن اختلاف في الطباع أو اختلاف في الاهتمامات، أو اختلاف النظرة إلى طبيعة العلاقة بين الزوجين، وبالتالي اختلاف وجهات النظر حول الحقوق والواجبات لكل منهما. وقد ينشأ عدم الانسجام عن خلل في التواصل والتفاهم بين الزوجين، فالزوجة التي يزعجها من زوجها تصرف ما فتتجهم وتصبح جافة معه لا تكلمه إلا إن سألها، ولا تبتسم له بل هي دائماً عابسة، وتمر الأيام وهي على هذه الحال تنتظر منه أن يعتذر لها، وهي تعتقد أنه مُدرِك تماماً لسبب غضبها منه مع أنها لم تنطق بكلمة حول الموضوع، لكنّها تعتقد أنه يعرف ذنبه، هذه الزوجة أخفقت في تحقيق التواصل والتفاهم الضروري مع زوجها لنجاح حياتهما الزوجية، فالتواصل أو التفاهم هو قيام كل منهما بإيصال ما بنفسه من أفكار ومشاعر إيصالاً واضحاً إلى الطرف الآخر، يُفهمه إياها دون غموض... وقد ينعكس المثال فترى الزوج الذي ضايقه تصرّف زوجته في أمرٍ ما يُقاطعها فلا يُكلّمها الأيّام أو الأسابيع... الزّوجة في المثال الأوّل ثارت للإساءة الّتي تصوّرت أنّ زوجها قام بها فهي تنتظر اعتذاره، والزّوج في المثال الثّاني قد يكون ثائراً لكبريائه الّذي تعلّمه من تقاليد بالية تعتبر المرأة أقل قدراً من الرجل، فهو يعاقبها بصمته ويترفع عن مفاتحتها بسبب غضبه... يجب ألا تكون هنالك كبرياء بين الزوجين، فالزوجة لباس وستر لزوجها، والزوج لباس وستر لزوجته كما قال تعالى، وبالتالي يجب أن يحرص كل منهما على إفهام الآخر ما بنفسه ممّا يؤثِّر على حياتهما الزّوجيّة. وعلى الأزواج والزّوجات الّذين يلجؤون إلى الطّلاق بسرعة أن يذكروا أنّه من المتوقّع جداً أن يواجهوا المشكلات نفسها في زواج جديد، فالبشر متشابهون والمشكلات بين الأزواج متشابهة، والذي يقول في نفسه "أطلّقها وأتزوج خيراً منها" قد لا يحالفه الحظ السعيد الذي يحلم به، فهو سيتزوج امرأة مثلها، وهكذا المرأة التي تستسهل الطلاق إما زهداً بالزواج أو على أمل الزواج من رجل آخر لا تواجه معه نفس المشكلات... الذي لا يبذل جهده للوصول إلى علاقة ناجحة في زواجه الأول لن ينجح في زواجه الثاني إن بقي على طريقته وعادته نفسها في اللجوء إلى البتر قبل استنفاد طرق العلاج كلها.