الحب تلك العبادة المنسية
الحب تلك العبادة المنسية
لقد جعل الله في دينه كل ما يلزم، ليكون مجتمع المؤمنين مجتمعاً متماسكاً، بحيث يكون مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ولا يكون مجتمع المؤمنين متماسكاً، كما تتماسك خلايا الجسد، بحيث تشكل جسداً حياً واحداً، يشعر كل جزء فيه بما يصيب الجزء الآخر، لا يكون كذلك، إلا من خلال شبكة قوية من العلاقات الاجتماعية تربط بين أفراده، ولن تكون هذه العلاقات قوية حقاً إلا إن تألفت من المودة والرحمة.
والإسلام بحق دين الحب، فالحب بين المؤمن وخالقه حب متبادل، والحب بين المؤمن والمؤمن عبادة ثوابها عظيم...
إنها عبادة منسية إلى حد كبير، وعندما يغفل عنها المؤمنون، ينالهم الجزاء على الفور، إذ تتفكك الأواصر فيما بينهم، ويصبح الإنسان وحيداً يحس بالوحشة وهو بين أمه، وأبيه، وزوجته، وأخيه.
إن وحدة الإنسان وعزلته، نتيجة لازمة لفرديته، ولكونه كائناً ذا كينونة وذاتية مستقلة عن المخلوقات الأخرى.
إن لهذه الفردية والاستقلالية ثمنها من الإحساس بالعزلة والوحدة، لكن المؤمن يتمتع بتلك الفردية والاستقلالية، ثم يحتمي من الإحساس بالوحشة والعزلة بالعيش في معية الله، وفي الحب الذي يكون بينه وبين خالقه، وكذلك في صحبة المؤمنين الآخرين من أهل وجيران وأصدقاء، وبالحب المتبادل الذي يكون بينه وبينهم.
والحب لا يكون حقيقياً، ولا يكون قادراً على تخليص الإنسان من إحساسه بالوحدة والوحشة في هذا الوجود، إلا عندما يكون حباً منزهاً عن الغرض والمصلحة والاحتياج، أي: عندما يكون حباً في الله.
لذلك كان الذي يحب الآخرين في الله ممن يجدون حلاوة الإيمان، كما قال النبي محمد ﷺ.
إن في الحب المجرد عن الغرض، أي: الحب في الله، راحة نفسية، وسعادة للمحب قبل المحبوب، وقد جعله الله عبادة عليها الأجر العظيم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي محمد ﷺ: "أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له علَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ" (رواه مسلم).
وقال ﷺ: "إنَّ اللَّهَ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: أيْنَ المُتَحابُّونَ بجَلالِي؟ اليومَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي." (رواه مسلم).
ولن يكون في القلب مكان للحب، إلا إذا نقى المؤمن قلبه من مشاعر العداوة والحسد والكبر والتعالي، إذ لا حب بلا احترام وتقبل.
وقبل الحب مرحلة تمهد له، وهي أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، ثم أن تغفر له إن أساء، وأن تتوقف عن النظر إليه من ناحية المنفعة التي تأتيك منه، فالحب في الله هو الحب المجرد عن الغرض، إنه حب لذات الشخص، بغض النظر عن أية منفعة تتوقعها منه، أما من قدم إليك معروفاً فأحببته، فإن حبك له يكون نابعاً عن شكرك له، ويبقى حباً في الله مجرداً عن الغرض، طالما أنك لا تحبه من أجل أن تحصل منه على المزيد، فصدور حبك له عن عرفانك بجميله، لا يعيق أن يكون حبك له مجرداً عن الغرض، طالما أنك تنظر إليه نظرة كلية، فترى فيه الإنسان الذي تحترم وتحب وتحرص على منفعته، مثلما تحرص على منفعتك الشخصية، ولا تنظر إليه نظرة جزئية، فترى منه الجزء الذي يحقق رغباتك، وعندها يكون في نظرك أقرب إلى أداة تحقق لك أغراضك، وبالتالي لا يكون احترامك له حقيقياً، إذ كيف تحترم من تنوي استخدامه لأغراضك؟!.
الحب المجرد عن الغرض، هو الحب في الله، طالما صدر عن قلب مؤمن، وهو عبادة تقطف ثمرتها يوم القيامة.
قال رسول الله ﷺ: "قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ المتحابُّونَ في جلالي لَهُم مَنابرُ مِن نورٍ يغبطُهُمُ النَّبيُّونَ والشُّهداءُ" (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا