الخشوع وحضور القلب في الصلاة
الخشوع وحضور القلب في الصلاة
يخلط كثير من المسلمين بين الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها ويظنون أنهما شيء واحد، وهما في الحقيقة مختلفان وإن كان كلاهما مرغوباً في الصلاة ويدل على الإحسان في أدائها.
المقصود بحضور القلب أن يتوقف الإنسان عن حديث النفس وعن العيش مع الأفكار التي تمر في الذهن والغياب عن الواقع وما فيه، فلا يستغرق في الذكريات ولا في توقعات المستقبل أو غير ذلك مما يشغل البال، فإذا توقف العقل عن التفكير بما هو غير حاضر أمامه أو غير الذي يقوله أو يفعله في تلك اللحظة قلنا إن القلب أصبح حاضراً في الزمان والمكان الحاضرين ولم يعد شارداً في أفكاره.
إن انشغال الذهن بحديث النفس الذي هو أفكار وتخيلات يتجاوز الإنسان بها اللحظة الراهنة والمكان القائم والموقف الحاضر، هذا الانشغال طبيعي ومفيد ليتمكن الإنسان من مراجعة ما مر به أو الاستعداد لما هو مقدم عليه وللبحث عن حلول للمشكلات التي يواجهها، لكن الاستغراق شبه الدائم بحديث النفس يحرم الإنسان من الراحة ومن الانتباه لما يراه ويسمعه ويدركه بحواسه الأخرى.. ومؤخراً تنبه علماء النفس لأهمية استعادة الإنسان لقدرته على العيش بكل ذهنه وانتباهه في اللحظة الراهنة حيث يهدأ القلق ويتحسن المزاج ويزداد الإنسان صحة نفسية. وقد تعلم علماء النفس الغربيون ذلك من الديانة البوذية ورياضاتها النفسية وأسموه الانتباه أو الوعي الخالص (mindfulness) لأن الإنسان يكون فيه واعياً لما حوله وعياً كاملاً لا يضعفه انشغال الذهن بأية أفكار أو تخيلات، وأبدعوا تدريبات عليه لمساعدة الأشخاص المتوترين على التخلص من توترهم.
لقد حثنا النبي ﷺ على إيقاف حديث النفس في الصلاة وحضور القلب فيها ما استطعنا حتى جعل ثواب ركعتين لا يحدث الإنسان فيهما نفسه مغفرة ذنوبه كلها. فقد روى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ توضأ ذات مرة ثم قال: "...مَن تَوضَّأ مثلَ وُضوئي هذا ثمَّ قامَ فصلَّى رَكعتَينِ ، لا يحدِّثُ فيهِما نفسَهُ بشيءٍ غفرَ اللَّهُ لَه ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ" (رواه النسائي).
ولا يحسبن الإنسان أن التوقف عن حديث النفس ركعتين أمر سهل، لأن عادة التفكير بما ليس أمامنا عادة مستحكمة وغلابة ويحتاج الإنسان إلى مران كثير ليتمكن من إيقاف حديث النفس إيقافاً كاملاً طيلة ركعتين يصليهما، وهكذا تصبح الصلاة تدريباً يومياً على حضور القلب وإيقاف حديث النفس لابد أن تفيد المؤمن نفسياً فائدة لا يحصل عليها غيره إلا بتدريبات طويلة وجهد كبير دون أن يتوقع عليها ثواباً إلا تلك الفائدة النفسية بينما هي للمؤمن عبادة تقربه من خالقه وتمحو عنه ذنوبه.
ولعل أهم ما يساعد المؤمن على حضور القلب في الصلاة إدراكه أنها عماد الدين واعتباره لها أنها أهم عمل يقوم به بعد الإيمان بالله، واستشعار الأهمية البالغة للصلاة يجعل النفس تتفرغ لأدائها وتكف عن الانشغال بغيرها فيحضر القلب ويتحقق الوعي الخالص، أما عندما يقال للمؤمن أن الصلاة لن تأخذ منه إلا دقائق قليلة يعود بعدها لما كان فيه من نشاط فإنه يعتبرها أقل أهمية من غيرها من الأعمال مما يقلل من قدرته على حضور القلب فيها، وإن كان ذلك مفيداً في تشجيع المتكاسل عن الصلاة ليبدأ بالالتزام بها. إذاً حتى يحضر القلب في الصلاة علينا أن نتذكر أهميتها ومكانتها العظيمة من ديننا.
ومع أنه ورد عن الصحابي عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه كان يقول: لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه. لكن الصلاة تصح حتى لو حدث المؤمن فيها نفسه إنما ثوابها يكون أعظم بمقدار ما يوقف حديث نفسه ويكون حاضر القلب فيها.
يبقى الخشوع أمراً آخر مطلوباً في الصلاة ومتوقعاً من المؤمن الذي يصلي ويستشعر عظمة الخالق الذي يتوجه إليه بمناجاته عندما يصلي. وحتى نفهم معنى الخشوع علينا أن نتأمل هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة:
- قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍۢ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ لَا عِوَجَ لَهُۥ ۖ وَخَشَعَتِ ٱلْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًۭا﴾ [طه: 108]
- وقال: ﴿خُشَّعًا أَبْصَـٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌۭ مُّنتَشِرٌۭ﴾ [القمر: 7]
- وقال: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌۭ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ﴾ [الحديد: 16]
- وقال: ﴿وَٱسْتَعِينُوا۟ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]
- وقال: ﴿وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلْأَرْضَ خَـٰشِعَةًۭ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِىٓ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰٓ ۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: 39]
- وقال: ﴿وَتَرَىٰهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَـٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىٍّۢ ۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِى عَذَابٍۢ مُّقِيمٍۢ﴾ [الشورى: 45]
- وقال: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍۢ لَّرَأَيْتَهُۥ خَـٰشِعًۭا مُّتَصَدِّعًۭا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: 21]
- وقال: ﴿خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌۭ ۖ وَقَدْ كَانُوا۟ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَـٰلِمُونَ﴾ [القلم: 43]
- وقال: ﴿خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌۭ ۚ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِى كَانُوا۟ يُوعَدُونَ﴾ [المعارج: 44]
- وقال: ﴿أَبْصَـٰرُهَا خَـٰشِعَةٌۭ﴾ [النازعات: 9]
- وقال: ﴿وُجُوهٌۭ يَوْمَئِذٍ خَـٰشِعَةٌ﴾ [الغاشية: 2]
- وقال: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًۭا﴾ [الإسراء: 109]
- عن جابر بن عبد الله قال: "...أَتَانَا رَسولُ اللهِ ﷺ في مَسْجِدِنَا هذا، وفي يَدِهِ عُرْجُونُ ابْنِ طَابٍ، فَرَأَى في قِبْلَةِ المَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بالعُرْجُونِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللَّهُ عنْه؟ قالَ: فَخَشَعْنَا، ثُمَّ قالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللَّهُ عنْه؟ قالَ: فَخَشَعْنَا، ثُمَّ قالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللَّهُ عنْه؟ قُلْنَا: لا أَيُّنَا يا رَسولَ اللهِ، قالَ: فإنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّي، فإنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ، فلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلَا عن يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عن يَسَارِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ اليُسْرَى، فإنْ عَجِلَتْ به بَادِرَةٌ فَلْيَقُلْ بثَوْبِهِ هَكَذَا، ثُمَّ طَوَى ثَوْبَهُ بَعْضَهُ علَى بَعْضٍ، فَقالَ: أَرُونِي عَبِيرًا، فَقَامَ فَتًى مِنَ الحَيِّ يَشْتَدُّ إلى أَهْلِهِ، فَجَاءَ بخَلُوقٍ في رَاحَتِهِ، فأخَذَهُ رَسولُ اللهِ ﷺ فَجَعَلَهُ علَى رَأْسِ العُرْجُونِ، ثُمَّ لَطَخَ به علَى أَثَرِ النُّخَامَةِ، فَقالَ جَابِرٌ: فَمِنْ هُنَاكَ جَعَلْتُمُ الخَلُوقَ في مَسَاجِدِكُمْ" (رواه مسلم في صحيحه).
- عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه "أنَّ النَّبيَّ ﷺ دخَلَ مكَّةَ وذَقَنُه على رَحْلِهِ مُتخشِّعًا" (رواه الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه).
- عن أنس بن مالك قال: "لما دخل رسولُ اللهِ ﷺ مكةَ استشرفَه الناسُ ، فوضع رأسَه على رَحْلِه تخشُّعًا" (رواه أبو يعلى في مسنده).
- روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن رجل قال: رأى سعيد بن المسيب رجلاً وهو يعبث بلحيته في الصلاة فقال: {لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه}.
- عن جبير عن أبي الدرداء قال: "كنا مع رسولِ اللهِ ﷺ فشَخَصَ ببصرِهِ إلى السماءِ ثُمَّ قال هذا أوانٌ يُخْتَلَسُ العلَمُ منَ الناسِ حتى لا يقدِروا منه على شيءٍ فقال زيادُ بنُ لبيدِ الأنصاريُّ كيف يُخْتَلَسُ منا وقدْ قرأْنَا القرآنَ فواللهِ لنقرأنَّهُ ولنُقْرِئَنَّهُ نساءَنا وأبناءَنا فقال ثَكِلَتْكَ أمُّكَ يا زيادُ إِنْ كنتُ لأَعُدُّكَ منَ فقهاءِ أهلِ المدينةِ هذه التوراةُ والإِنجيلُ عندَ اليهودِ والنصارى فماذا تُغْنِي عنهم قال جُبَيْرُ فلقيتُ عُبادَةَ بنَ الصامِتِ قلتُ ألا تسمعْ إلى ما يقولُ أخوك أبو الدرداءِ فأخبرْتُهُ بالذي قال أبو الدرداءِ قال صدق أبو الدرداءِ إِنْ شئتَ لأُحَدِّثَنَّكَ بأوِّلِ علْمٍ يُرْفَعُ منَ الناسِ الخشوعُ يوشِكُ أنْ تدخُلَ مسجِدَ جماعَةٍ فلا تَرَى فيه رجلًا خاشِعًا" (رواه الترمذي).
- وجاء في رواية للحاكم عن جبير بن نفير أنه قال: "إنَّ رسولَ اللهِ ﷺ نَظَرَ إلى السَّماءِ يَوْمًا، فقالَ: «هذا أَوانُ أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ». فقالَ لهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ يُقالُ له ابْنُ لَبيدٍ: يا رسولَ اللهِ، كيف يُرْفَعُ العِلْمُ، وقد أُثْبِتَ في الكُتُبِ وَوَعَتْهُ القُلوبُ؟ فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ «إنْ كُنتُ لَأَحْسَبُكَ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ المَدينَةِ». ثُمَّ ذَكَرَ ضَلالَةَ اليَهودِ والنَّصارَى على ما في أَيْديهِمْ مِنْ كِتابِ اللهِ، قالَ: فَلَقيتُ شَدَّادَ بنَ أَوْسٍ، فَحَدَّثْتُه بِحَديثِ عَوْفِ بنِ مالِكٍ، فقالَ: صَدَقَ عَوْفٌ، أَلا أُخْبِرُكَ بِأَوَّلِ ذلك يُرْفَعُ؟ قُلْتُ: بَلى. قالَ: الخُشوع حتَّى لا تَرَى خاشِعًا."
في الآيات الكريمة نجد القلوب تخشع والأبصار تخشع والأصوات تخشع والوجوه تخشع والجبال تخشع والأرض تخشع والمصلون يخشعون، ومعنى الخشوع أوضح ما يكون في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلْأَرْضَ خَـٰشِعَةًۭ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِىٓ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰٓ ۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: 39].
فالأرض تكون خاشعة حتى يسقيها الماء فيزول خشوعها عندما تهتز وتربو أي ترتفع لتكون رابية، ويكون الخشوع اجتماع السكون والانخفاض ويزول بالحركة والاهتزاز والعلو والارتفاع، ويكون الخشوع في الصلاة الهدوء والسكينة وعدم الإتيان بحركات ليست من الصلاة، ويرافق هذه السكينة انخفاض الرأس والبصر والجسم عموماً، ويكون نظر المصلي إلى موضع سجوده جزءاً من خشوعه وتأدبه في حضرة خالقه العظيم، وهكذا يكون الخشوع شيئاً يرى بالعين، وليس حضور القلب الذي لا يمكن لأحد أن يراه بل يحس به صاحبه وحده، وبذلك يتوضح لنا معنى الخشوع في الأحاديث السابقة، حيث خشع الصحابة عندما غضب الرسول ﷺ لأن أحدهم تنخم في المسجد، فسألهم ﷺ أيهم يحب أن يعرض الله عنه، فطأطئوا رؤوسهم وصمتوا لا يجرؤ أحد منهم على الكلام، وقد أخجلهم أن يرى الرسول ﷺ نخامة أحدهم على أرض المسجد. وكذلك نفهم قول الصحابي عن النبي ﷺ يوم فتح مكة أنه دخلها خافضاً رأسه متخشعاً تواضعاً لله الذي نصره حتى كاد رأسه يلامس رحله، وهكذا الخشوع في الصلاة يتحقق بالتأدب في حضرة الخالق تأدباً يقترب من التذلل والمسكنة وإن كان المؤمنون عباد مكرمون من خالقهم الذي كرم بني آدم ولم يذلهم، إلا العصاة المستكبرين منهم، الذين قال تعالى عنهم عندما يعرضون على النار : ﴿وَتَرَىٰهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَـٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىٍّۢ ۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِى عَذَابٍۢ مُّقِيمٍۢ﴾ [الشورى: 45].
والصلاة التي تؤدى حق الأداء صلاة يجتمع فيها الخشوع وحضور القلب ما استطاع الإنسان، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. والمؤمن قد يعجز عن حضور قلبه في الصلاة لأسباب مرضية كالقلق النفسي والوسواس القهري، حيث لا يستطيع الإنسان التوقف عن حديث النفس المتركز حول الخوف والقلق قلقاً أكثر مما يلزم، ويكون انشغالاً للبال مزعجاً لصاحبه ويحرمه القدرة على التركيز والانتباه والشعور بالطمأنينة. أما عندما يتعالج مريض القلق من قلقه فإنه يستعيد قدرته عل إيقاف حديث نفسه في الصلاة واستحضار قلبه فيها. صحيح أن القلق يضعف القدرة على حضور القلب في الصلاة لكنه لا يؤثر أبداً على قدرة المؤمن على الخشوع فيها ليستحق أجر الخاشعين وتتنزل عليه رحمة رب العالمين. قال تعالى: ﴿وَٱسْتَعِينُوا۟ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ (45) ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ (46)﴾ [البقرة: 45-46]، فالخشوع لرب العالمين في الصلاة وليد الإيمان بلقاء الله والعودة إليه والرغبة بثوابه والخوف من عقابه وليس الخشوع رياضة نفسية مثل حضور القلب بل هو تأدب المؤمن مع خالقه العظيم حين يكون حاضراً بين يديه يناجيه.