زواج الكبير من الصغيرة
زواج الكبير من الصّغيرة
يَتأخَّرُ بعضُ الرِّجال في الزَّواجِ، فيَبلُغ أحدهم الأربعين مثلاً ثمَّ يُفاجئنا بزواجه مِن فتاةٍ في السّابعة عشرة مِن عُمرها... ماذا يَعكس مثل هذا الزّواج يا تُرى؟
مِن جهةِ الرّجل الّذي صَبرَ حتّى بلغَ الأربعين مثلاً فإنَّه يكونُ على الأغلب مِن النّوعِ الّذي يُخطِّطُ جيِّداً ويَنتظِرُ لِيحصل على أفضلِ وأحسنِ ما يُمكِن، وعندما يُقرِّرُ الزّواج فإنّه يَبحثُ عن شابّةٍ جميلةٍ يَموتُ هو قبل أن يَذبل جمالها، وبذلكَ يضمَنُ لنفسه التّمتُّع بالجَمالِ الأنثوي طيلةَ حياته الباقية.
وبالطّبعِ إنَّ بنتَ السّابعة عشرة أجملُ مِن بنت الخامسة والثلاثين، وهذا شيءٌ يَجذب أيّ رجل، فحُبُّ الجَمالِ فطرةٌ ولا عَيب في ذلك، لكن أن يكونَ الجَمالُ هو الدّافع الأساسي للزّواج، فهذا يَدلُّ على أحدِ أمرين على الأقل، فإمّا أنَّ هذا الرّجل لا يُدرِكُ أنَّ الفارِقَ بين عقليّةِ ونفسيّةِ بنت السّابعة عشرة وعقليّةِ ونفسيّةِ ابن الأربعين أو الخَمسين فارقٌ كبيرٌ، وبخاصّة في زماننا هذا حيثُ تَعقَّدت الثّقافةُ البشريَّةُ وصارَت الفُروقُ بين أطوارِ حياةِ الإنسانِ أكثرَ وضوحاً. فهموم مَن تَجاوَزَ الأربعين والمرحلة النَّفسيّة الّتي يعيشها تختلفُ كثيراً عن بنت العِشرين وهمومها وأهدافها الحياتيّة والنّفسيّة، وهذا الاختلاف قد يُعيقُ نشوء علاقةَ حُبٍّ قائمٍ على النِّديَّة والمساواة بين الزّوجين، حُبّ بين ندَّين لا حُبّ بين صغيرٍ وكبيرٍ يكون أشبه بالحُبِّ بين البنت وأبيها... والاحتمالُ الثّاني أن يكونَ الرّجلُ الّذي يتزوّجُ ممّن هي أصغر منه بكثيرٍ لا يُفكِّر بالمرأةِ كحبيبةٍ وصَديقةٍ، بل الزّوجة في نَظره كائنٌ جميلٌ يُنجِبُ الأولاد ويُربِّيهم، وليس المُهم أن تكونَ بينه وبينها علاقة حُبٍّ مُتبادلٍ واعتمادٍ مُتبادلٍ بحيث يَبوحُ لها بِهمومِه وطموحاتِه ويَستشيرها ويَلجَأُ إليها، وتَبوحُ له هي بهمومها وتُحدِّثه عن طموحاتِها وتَستشيره وتَلجأُ إليه.
إنَّه لا يُريدُ لعلاقته بها أن تَبلُغَ ذلك العُمق، ومِن المَنطقي لِمثلِ هذا الرّجل أن تكونَ بنت العِشرين أفضل في نظره مِن بنت الثّلاثين أو ممّن هي أكبر مِن ذلك.
وفي أحيانٍ قليلةٍ، وعندما لا يكون الرّجل قد نَجَحَ في النّضوجِ النّفسيِّ المُناسب لكلِّ طورٍ مِن أطوارِ حياته فإنَّه يَرفض أن يُصَدِّقَ أنَّه قد كَبُرَ وتَقدَّمَ في العُمر، ويكون زواجه مِن شابَّةٍ صغيرةٍ مُحاوَلَةً للإحساسِ أنّه ما زال شابَّاً، تماماً مِثلما يصِرُّ على ارتداءِ أزياءِ الشّبابِ الصِّغارِ وتَسريحاتِهم... إنَّها عمليّةُ إنكارٍ نفسيٍّ لحقيقةٍ هو دون مستوى تَحمُّلها والتّعامُل معها.
لكن هل يُمكِنُ أن يكونَ هذا الزّواجُ قائماً على حُبٍّ مُتبادَلٍ؟ نعم يُمكِن، وما لَم يَتمُّ بالإكراهِ فإنَّه كثيراً ما يَقومُ على قَدَرٍ مِن الحُبِّ مِن طَرفِ الزّوجةِ الشّابّة، فالدِّراسات النّفسيّة والإجتماعيّة المُعاصِرة بَيَّنَت أنَّ المرأةَ تَختارُ شريكَ حياتِها بِعقلِها أوّلاً وبِقلبِها ثانياً، بينما يَميلُ الرّجلُ إلى اختيارِ زوجته بِقلبِه أوّلاً ثمَّ بِعقلِه ثانياً، والمرأةُ الّتي تَلتقي بِمَن تَجده مُناسباً لها كزوجٍ أو الّتي يَتَقَدَّمُ لها خاطبٌ لديه مِن المالِ والمَنصِب ما تَعتَقِدُ أنّه يَضمَنُ لها حياةً آمنة، ويكون مُعجباً بها مُقبِلاً عليها، فإنَّها بشكلٍ شعوريٍّ أو لا شعوريٍّ تُحاوِلُ أن تُحبَّه، وهذه المُحاولة النّفسيّة المُتعمدة للحُبِّ يُسمِّيها العُلماء "عمل الحب Love work"... وفي أحيانٍ كثيرةٍ يُولَدُ الحُبُّ ويَقومُ الزّواجُ بين صغيرةٍ وكَهلٍ في عُمرِ أبيها على حُبٍّ مُتبادَل، وفي مِثلِ هذه الحالات يكون السّببُ الرّئيسي هو ما لدى الرّجل مِن إغراءاتٍ وما لدى الفَتاة مِن صعوبات.
لكن قد تَبحثُ الفتاةُ عن زوجٍ في عُمرِ أبيها لأنَّها تَبحثُ عن الحَنانِ الأبوي الّذي لَم تَشبَع منه، أو لأنَّها ما زالَت أسيرةُ إعجابِها وحبِّها لأبيها وتَميلُ إلى مَن يُشبهه، وهذا المَيلُ قد يَدوم وقد يكونُ مرحلةٌ مؤقَّتة تتجاوزها الفتاةُ مع المَزيد مِن النّضجِ في شخصيَّتها.
وبعض الفتيات لديهنَّ تَصَوُّرٌ سلبيٌّ عن الشّبابِ لِذا يَرغَبنَ بالزّوجِ الكَبيرِ في العُمرِ لأنَّهنَّ يَتوقَّعنَ لديه الرَّاحة والأمان لأنّه في نَظرِهنَّ أكثرُ تَعقُّلاً وأقلُّ طَيشاً مِن الشّباب، وهذه الحالة تُعَبِّرُ مثل الّتي قَبلها عن اعتماديّةٍ زائدةٍ لدى الفتاة، فهي تَبحثُ عن أب تُحبُّه وتَعتَمدُ عليه أكثر ممّا تَبحثُ عن حبيبٍ مساوٍ لها تُحبُّه وتَعتَمِدُ عليه ويُحبُّها ويَعتَمِدُ عليها، أي تُعطيه وتَأخُذ منه، أمّا الّتي تُحِسُّ بالحاجةِ إلى تَلَقِّي الحُب وتُحِسُّ بالعَجز عن أن تُقدِّمَ لغيرِها ما يَحتاجُ إليه مِن حُبٍّ ومؤازرةٍ نفسيّةٍ فإنَّها تَتَجَنَّبُ الارتباطَ بِمَن هو في عُمرِها وتَبحَثُ عمَّن هو في عُمرِ أبيها.
