زوج الاثنتين
زوج الاثنتين
إنّ للزّواج من امرأةٍ ثانيةٍ واجتماع زوجتين عند رجلٍ واحدٍ فوائد للمجتمع نسائه قبل رجاله، لكن هذا لا يعني أنَّ الأمر خالٍ من المتاعب في كلِّ حالةٍ، وبخاصّة إن كان في النّفوس من المشاعر السّلبيّة ما يعيق تحقيق تعدُّد الزّوجات بالصّورة المثاليّة. وأخطر هذه المتاعب ما يقع على الأطفال من الزّوجتين، ذلك أنّ كثيراً من النِّساء يعانين من الغيرة في هذه الحالة، وإن كانت هذه الغيرة ليست حتميَّة، إذ هنالك حالاتٌ رائعةٌ يكون فيها مودَّة بين الزّوجتين وحتّى بين أهل الزّوجتين... والغيرة تُولِّد مشاعر العِداء تجاه الزّوجة الأخرى وأحياناً تجاه الزّوج، وبخاصّة عندما تمتلئ الزّوجة الأولى غيظاً من زوجها الّذي تزوَّج عليها وأحرجها في مجتمعٍ لا يُدرِك أنّ الرّجل قد يتزوَّج بثانيةٍ رغم أنّ الأولى لا عيب فيها ورغم أنّه ما زال يحبّ الأولى.
وعندما تقوم الزّوجة الأولى المَغيظة بشحن أطفالها بمشاعر العِداء تجاه والدهم وتُحاربه من خلالهم، وتستقطبهم إليها ليتحزَّبوا لها فإنَّها تُدمِّر شخصيَّاتهم وأخلاقهم وتحرمهم من الطّمأنينة، ذلك أنّ العلاقة الطَّيِّبة مع الأب والإعجاب به ضروريَّان جدّاً للأطفال وللذّكور أكثر من الإناث من حيث قيام هؤلاء الأطفال شعوريَاً ولا شعوريَّاً بامتصاص القيم والمثل والأخلاق من أبيهم، ومن حيث تَشكُّل الضّمير لديهم، بل ومن حيث إحساسهم برجولتهم في المستقبل... وهذا الضّرر من تكريه الطّفل بأبيه يقع على الصّغير وعلى المراهق، كما أنَّه يُؤثِّر بالنِّسبة إلى البنت على نظرتها إلى الرِّجال عموماً وعلى الطّريقة الّتي سترتبط بها عاطفيَّاً بزوجها في المستقبل.
كما إنّ الطّفل والمراهق المشحون بالعِداء تجاه أبيه والّذي لا بدَّ لعِدائه هذا من أن يظهر في سلوكه نحو أبيه، وبالتّالي من أن يُؤثِّر في مشاعر أبيه نحوه، هذا الطّفل أو هذا المراهق سيُعاني من القلق النّفسي الشّديد ومن مشاعر الغَيظ والسّخط، وكثيراً ما يقع في تعاطي المخدِّرات والخمر والتّبغ ومن ثمَّ في الإدمان عليها.
إنّ الآثار النّفسيّة المُدمِّرة لتكريه الطّفل بأبيه ولتشويه صورة أبيه في عينيه وحرمانه من الإحساس بالإعجاب نحو أبيه، هذه الآثار متعدِّدة وتحتاج ربَّما إلى كتابٍ كاملٍ ليشرح أبعادها كلّها، لذلك على الزّوجة الّتي يتزوَّج زوجها عليها ألّا تنساق وراء مشاعر العِداء لديها وتنسى أنّ أطفالها ما زالوا نفسيَّاً وتربويَّاً بحاجةٍ ماسّةٍ لأن يحبُّوا أباهم ويُعجبوا به، فإن كانت تحبُّهم وتريد لهم الخير فعليها أن تكظم غيظها ولا تُشعِرَ أطفالها به.
والغَيرة لدى الزّوجتين الأولى والثّانية قد تجعل كلٌّ منهما تشعر بالكره والعِداء لأولاد زوجها من الزّوجة الثّانية، وتَنقُل هذه المشاعر إلى أولادها، وتَحُوْلُ بذلك دون نشوء مشاعر المودّة والأخوّة بين أبناء وبنات الرّجل الواحد، وهذه من المشكلات الخطيرة الّتي تواجه الزّواج باثنتين، وهي مشكلة ناتجة عن خضوع الزّوجتين أو إحداهما لمشاعر الغيرة والكره بحيث تقوم هذه المشاعر السّلبيّة بالتّحكُّم في سلوكهما، ولا تقومان بمقاومة هذه المشاعر السّلبيّة وتطهير قلبيهما منها كما ينبغي للإنسان الصّالح أن يَفعل.
والغيرة ومشاعر الإهانة لدى الزّوجة الأولى قد تؤدِّي إلى الاكتئاب النّفسيّ، حيث تظنُّ الزّوجة الأولى أنّها خسرت قَدَرها ومكانتها، وأنَّ كلَّ خيرٍ قدّمته لزوجها من قبل قد ضاع، فتكتئب حُزناً على هذه الخسارة الّتي تتصوَّر أنّها أصابتها.
كما يُمكن لكلا الزّوجتين أن تُعانيا من القلق نتيجة خشية كلٍّ منهما من أن تنجح الأخرى بأخذ زوجها منها بشكلٍ كاملٍ، ومن أن تقنعه الزّوجة الأخرى بتطليق هذه الزوجة القلقة الخائفة.
وقد تَنفُر الزّوجة الأولى من معاشرة زوجها واللّقاء الجسدي به، وقد تُعاقبه من خلال امتناعها دون أن تكون نافرةً منه بالفعل.
أمّا زوج الاثنتين الّذي لم يُوَفَّق إلى زوجتين تتحكمان بغيرتهما ولا تسمحان لمشاعر الغيرة أن تجعلهما تقعان في الظّلم والعُدوان، فإنّ مثل هذا الزّوج سيُعاني كثيراً من جوِّ الصِّراع الّذي سيسود، والحالة ستكون على أشدّها إن سكنت الزّوجتان في بيتٍ واحدٍ، وبالتَّأكيد فإنّه لن يجني ثمار تعدُّد الزّوجات كما كان يحبّ.
أمّا أسوأ ما يقع فيه زوج الاثنتين فهو أن يَظلِم الأولى ولا يعطيها حقِّها، فلا يَعدِلَ بين زوجتيه. والعدل المطلوب ليس عدلاً مُطلقاً يُوزَن بميزان الذّهب، إنّما هو العدل التّقريبي بحيث لا يُهمِل الأولى ويتركها لا هي زوجة تنال حقّها ولا هي مطلَّقة تتمتّع بحريَّتها في الارتباط بزوجٍ آخرٍ... والأب الّذي يُهمِل الأسرة الأولى بما فيها أولاده من الأولى سيخلُق مشاعر العِداء في نفوس أطفاله نحوه، وهذه المشاعر وإن كانت مشاعر مبرَّرة ومن الطّبيعي أن تقوم في نفوسهم فإنَّها ستُدَمِّر طمأنينتهم النّفسيّة وستهزُّ شخصيَّاتهم وقد تدفعهم إلى الانحراف الخُلُقي.