- الرئيسية
- مقالات
- نساء ورجال
- غيرة الرجل من نجاحات زوجته
غيرة الرجل من نجاحات زوجته
غيرة الرجل من نجاحات زوجته
في البداية لا بدّ من توضيح المفاهيم لأنّ الغيظ والكراهيّة الّتي يشعر بها شخص لنجاح شخص آخر ليست غيرة إنّما تَنتُج إمّا عن الشعور أنّ نجاح الشّخص الآخر تهديد للشّخص الأوّل ويشكِّل خطورة على مركزه كالّذي يخاف من أحد زملائه الناجحين أن يحلّ محلّه في إدارة أو رئاسة قسم أو مؤسسة ما. وإمّا أن يكون سبب الغيظ والكراهيّة لنجاح الشخص الآخر مشاعر الحسد الّتي يمكن أن يقع فيها أي إنسان إلّا الّذي امتلأ قلبه بالرّحمة للآخرين، وإذا رأى نجاحاتهم دعا الله أن يبارك لهم ولم يستكثرها عليهم ولم يحتقرهم فيراهم ليسوا أهلاً لتلك النجاحات وكأنّ الله يعطي النعمة لمن لا يستحقّها.
أمّا الغيرة: فهي شعور بالغيظ والعداء رغبة في حماية ما هو غالٍ على الإنسان، كالغيرة عن العرض من اعتداء أحد عليه، والغيرة على الزّوج من امرأة أخرى تأخذه من زوجته، وغيرة الطفل على أمّه من أخيه الجديد الّذي أخذ من اهتمامها وعواطفها، وقلّما يكون انزعاج الزّوج من نجاح زوجته المهني والأكاديمي من قبيل الغيرة إلّا إن كان انزعاجه ناتج عن إعطاء زوجته لمهنتها ودراستها الكثير من الوقت والاهتمام وحرمان زوجها من نصيبه من اهتمامها ورعايتها وعواطفها، فإن كانت الحالة من هذا القبيل فإنّ مشاعر الزّوج يمكن تسميتها غيرة، وكأنّ مهنة الزّوجة بمثابة ضرة للزّوج تأخذ منه زوجته وتحرمه منها.
ليس هنالك عقدة اسمها الذكورة، إنّما هنالك رجولة وأنوثة، والمرأة تنجذب إلى الرّجل كامل الرّجولة، والرّجل ينجذب إلى المرأة كاملة الأنوثة، لكن حتّى الرّجولة والأنوثة يختلف تصوّر النّاس لهما، وقد يرى رجل أنّ التّدخين علامة رجولة بينما ينفّره من المرأة المدخنة ويجعلها تبدو في نظره امرأة ناقصة الأنوثة ومسترجلة.
وبعض الرّجال يرى الرّجولة هي الظهور بمظهر الأقوى والمتفوِّق دائماً، ويعزِّز لديهم هذا الفهم للرجولة أنّ طبيعة الذكر منذ طفولته فيها روح المنافسة وحبّ الانتصار على التّحديات، لذا يرى بعض الرِّجال أنّ نجاح زوجته نجاحاً يجعلها متفوِّقة عليه، يراه تهديداً لمكانته ومركزه في الأسرة، ويحاول تذكيرها أنّها الأدنى قدراً ومكانة مهما نجحت في عملها أو دراستها بأن يختلق أسباباً ليضربها ضرباً مبرحاً ومذَّلاً، وليقول لها دائماً "أنت غبيَّة" و"غريب كيف منحوك التّرفيع في الوظيفة وأنت لا تفهمين شيئاً" إلى آخره من العبارات الّتي تهدف إلى تحطيم ثقتها بنفسها.
ومن خلال عملي كطبيب نفسي، اطلعتُ على حالات عديدة من هذا الاضطهاد.
ولا أنسى إحداهنَّ وهي طبيبة مختصّة وفي وظيفة رائعة، وزوجها مدرِّس ومرتبه يعادل ثلث مرتبها، لا أنسى دموعها وهي تحكي عن عذاب السنين مع هذا الزّوج الَّذي يستولي على مرتبها ويشتري في بلده بأموالها العقارات ويسجِّلها باسمه، ثمّ يبذل أقصى جهده في إهانتها وضربها وتحطيم معنوياتها.
إنّ أمثال هؤلاء الرّجال يرون العلاقة بين الزّوجين علاقة استكبار وعظمة زائفة من الرّجل على امرأة خاضعة ذليلة، وأي شيء يمكن أن يساعد الزّوجة على الاستقلاليّة وتأكيد ذاتها أو يجعلها تشعر بأنّها ليست أقل من زوجها يشكِّل تهديداً لشعورهم برجولتهم الزائفة، لأنّه ليس من الرجولة أبداً أن يستضعف الرّجل زوجته، وأن يستأسد عليها ويضطهدها ويتعمَّد إذلالها.
والرّجل الّذي يزعجه نجاح زوجته مهنيَّاً أو علميَّاً إنّما هو رجل مهزوز من الداخل وليس لديه شعور بقيمة ذاته وقدرها، إنّه مليء بمشاعر النقص والدونيّة، ويشعر أنّ نجاح زوجته يعريه أمام النّاس ويكشف لهم إخفاقه وفشله، كما يشعر أنّ نجاح زوجته قد يجعلها تنظر إليه نظرة المتفوِّق المتعالي على الآخرين. إنّ فهمه للرجولة خاطئ ومشوّه، وإنّ احترامه لنفسه قائم على شعوره بالسّيادة والغطرسة في أسرته، أي هو ذو قيمة بقدر ما تكون زوجته أقل قيمة منه، إنّه لا يستشعر لنفسه قيمة ذاتيّة مستقلّة عن الآخرين، ولا كرامة ذاتيّة لا علاقة لها بموقف الآخرين منه أو نظرتهم إليه. الرّجل الحقيقي يعرف أنّه رجولته كامنة فيه وفي صفاته وأخلاقه، وليست رجولة بالمقارنة مع خضوع زوجته وضعفها.
لكن هنا أحبّ أن ألفت نظر الزّوجات إلى أن يجعلن أزواجهن مطمئنين على مركزهم في الأسرة وعلى قوامتهم وقيادتهم للعائلة مهما علا مركز المرأة المهني.
وفي ذهني مثالان لزميلتين تحملان الدكتوراة والأستاذية وزوجاهما أقل منهما مستوىً في الشهادات العلميّة، لكن هاتين الزميلتين يعاملن زوجيهما بكل الطاعة والاحترام، ولا يبدر منهما شيء يُشعِر الزّوجين بأي تعالٍ عليهما بسبب تفوقهما المهني والعلمي، وكلتاهما تعيشان حياة زوجيّة سعيدة، وتلقيان كلّ التّشجيع من زوجيهما.
لذا على الزّوجة الانتباه إلى أسلوب تعاملها مع زوجها، إذ قد تكون هي الّتي تستثير انزعاجه من نجاحاتها أحياناً.
الزّوجة المضطهدة زوجة تعيسة ولا تتمتّع لا بالسكن النفسي ولا بالشعور بالأمان الّذي تبحث عنه كلّ امرأة عندما تتزوّج، كما إنّ الإهانة والضرب المتكررة يفقد الزّوجة شعورها بكرامتها وشعورها بقيمة نفسها واحترامها لذاتها، ويجعلها قابلة للاكتئاب النفسي، وبالطبع يقلّل من حماسها ومن نجاحاتها، وقد تكون مثل هذه الزّوجة مستعدّة للجلوس في البيت وترك المهنة كي تستعيد سعادتها الزّوجيّة، لكن أوّل من يقف في وجهها ويمنعها من ذلك هو زوجها الّذي وجد فيها دجاجة تبيض ذهباً وهو غير مستعد للتخلِّي عن هذا الذهب الّذي يأتيه دون تعب.
العلاقة الزّوجيّة في هذه الحالة تتحوَّل من علاقة مودّة ورحمة أي حب متبادل وتراحم متبادل وغياب كامل لمشاعر العداء، تتحوّل إلى علاقة إذلال واضطهاد وإخضاع بالإرهاب واستغلال مالي وجسدي ونفسي للزّوجة، والزّوج يكون في الغالب سعيداً بهذا الوضع لأنّه باضطهاده لزوجته يعاكس أيّة آثار يخشاها من نجاحها المهني والعلمي، ثمّ بخوفها منه وخضوعها له واستمرارها معه رغم هذه المعاملة السيئة يشعر أن زواجه في أمان، وأنّ دجاجته الّتي تبيض ذهباً لن تغادر القفص الّذي اختاره لها، أمّا الزّوجة فتشعر أنّها ضحيّة، وتشعر بالخوف الدائم من ردات فعل زوجها فتتحاشى أي شيء يغضبه، وتكون تعيسة وتشعر بالظلم والقهر وأنّها مضطّرة للصبر على هذا الوضع المدمِّر لنفسيتها ربما من أجل الأطفال أو خوفاً من أن تصبح مطلَّقة، أو لأنّها شخصيَّة اعتماديّة لا تعرف كيف تعيش وحدها وتخشى الاستقلاليّة لأنّها لم تتدرَّب عليها في طفولتها ومراهقتها. العلاقة الزّوجيّة هنا تصبح علاقة السيِّد الظالم بالعبد الضعيف وليس هنالك ما هو أسوأ من هذه العلاقة.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا