المقالات
طلاق الوالدين وانحراف الأولاد
Whatsapp
Facebook Share

طلاق الوالدين وانحراف الأولاد

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

ليس من قبيل المبالغة القول إن طلاق الوالدين يؤدي أحيانا إلى انحراف الأولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً.. إذ تشكل الأسرة بشقيها الأب والأم مصدر شعور الطفل والمراهق بالأمان والملجأ النفسي والمادي الذي يلوذ به، والطلاق عندما يفكك هذا الكيان الأسري يبث في نفوس الأولاد الذكور والإناث شعوراً عميقاً بالقلق والخوف يؤثر على تحصيلهم الدراسي فترة قد تصل إلى سنتين بعد الطلاق وبخاصة بالنسبة إلى الذكور، والتأخر الدراسي من أهم الأسباب المهيئة للجنوح وانحراف السلوك.

 

كما إن القلق الناتج عن الطلاق لا يتحمله بعض الأطفال والمراهقين ويتغلبون عليه عن طريق الدخول في سلوك جانح يعبرون من خلاله عن مشاعرهم العدائية ويتجاوبون فيه وينساقون مع نزواتهم دون التفات إلى الأخلاق أو إلى وخز الضمير، وهذه آلية نفسية دفاعية تسمى "إنفاذ النزوات Acting out"، وما لم نتدارك الأمر في أوله فإن هذا الطفل أو المراهق يكون معرضاً بشدة إلى التحول إلى شخصية إجرامية سيكوباثية. ويساهم الطلاق في تعميق هذا الجنوح وهذه الميول المضادة للمجتمع من خلال ميل الأزواج عند الطلاق وبعده إلى معاقبـة كـل منهما الآخر بحرمانه من الأولاد ومن رؤيتهم ومن التواصل معهم، وكذلـك من خلال قيام كل من المطلقين بتشويه صورة الوالد الآخر في عيون أولاده وبمحاولـة كسب الولد (ذكراً كان أو أنثى) إلى صفّه وغرس الكراهية لديه تجاه الوالد الآخر، والسخرية من الوالد الآخر، كل ذلك يحرم الصبي من أبيه ومن الصورة الجميلة التي كانت لديه عن أبيه الذي هو نموذج الرجولة والقدوة التي يحتاج إليها بشدة، وكذلك يحرم البنت من أمها ومن الصورة المحببة التي كانت لديها عن أمها وبذلك تخسر النموذج الذي تصوغ جوانب شخصيتها المؤنثة على منواله وبخاصة في النواحي الخلقية والسلوكية.

 

وعندما يبقى الأولاد في رعاية الأم وتتحمل هي مسؤولية التربية عوضاً عـن الأب والأم في الوقت ذاته، ويكون ذلك غالباً إضافة إلى عملها خارج البيت الذي تضطر إليه لتأمين مستوى معاشيٍّ مقبول لأولادها، إذ حتى لو أدى الأب التزاماته المالية بعد الطلاق فهي غالباً لا تكفي للمحافظة على المستوى المعاشي الذي اعتاد عليه الأولاد، إن الأولاد في هذه الأسر وحيدة الوالد معرضون للسلوك الجانح حيث الصبيان معرضون للانحراف بشتى أشكاله وحيث البنات معرضات للتورط في علاقات جنسية في غير مصلحتهن، فهن يبحثن عن حنان الأب المفقود، والصبيان بلا سلطة في البيت يهابونها ويسهل عليهم التمرد على الأم والانجراف مع أصدقاء السوء.

 

ولحماية الأولاد بعد الطلاق من الانحراف؛ على الزوجين أن يضعا مصلحة أولادهما فوق أحقادهما، أي عليهما أن يكون طلاقهما "تسريحاً بإحسان" وأن لا يصفّي كل منهما حساباته مع الآخر من خلال أطفالهما، بل يحرص كل منهما أن يبقى للأولاد (ذكوراً وإناثاً) علاقة حسنة وتواصل دائم مع كل من الأب والأم، ومهما كانت أخطاء الوالد الآخر فعلى الوالد ألاّ يفضح وينشر عيوبه، لا حباً بـه بـل من أجل أطفاله، لأن الطفل والمراهق سواء كل منهما بحاجة إلى أن يرى أمه وأباه في صورة مشرقة كي يستطيع أن يجد فيهما النموذج ليصوغ شخصيته على منواله. يجب أن تكون العلاقة بعد الطلاق بين الوالدين أخوية وغير عدائية حتى لا يشعر الأولاد أنهم مشتتون في الولاء بين الأب والأم، وحتى لا يشعرون بالذنب إن أحبوا أحد الوالدين بينما الوالد الآخر يغضبه ذلك، باختصار يجب إبقاء الأولاد خارج نطاق الخلاف والصراع ويجب التعاون الدائم بعد الطلاق من أجل حماية مستقبلهم من الضياع.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
* كود التحقق
 
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة