لا تخش الإخفاق
لا تخش الإخفاق
إن من أسباب القلق في حياة الإنسان عموماً الخوف من الإخفاق. هذا النوع من القلق النفسي يعرفه الطالب الذي يخشى الامتحان خوفاً من الرسوب فيه، ويعرفه كل من يقدم على مشروع أو تجارة أو أي عمل يحرص حرصاً شديداً على إنجازه بنجاح ويخاف الإخفاق فيه. وحتى لا يقع المؤمن في مثل هذا القلق، علّمنا رسولنا محمد ﷺ أن نأخذ بأسباب النجاح ما استطعنا، فنخطط لما نريد القيام به ونبذل الجهد ونثابر، ولا نعجز فنستسلم للأحلام دون أن نعد للأمر عدته، ودون أن نسعى في سبيل ما نريد السعي اللازم، فقد سمى النبي محمد ﷺ هذه الحالة من عدم السعي، ومن الاكتفاء بالتمني "عجزاً"، ويقابلها: "الكَيْس"، حيث السعي والأخذ بالأسباب بفطنة المؤمن، واجتهاده، وإتقانه.
عن عوف بن مالك ان النبي ﷺ قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر حسبي الله ونعم الوكيل فقال رسول الله ﷺ ردوا علي الرجل فقال ما قلت قال قلت حسبي الله ونعم الوكيل فقال رسول الله ﷺ "إنَّ اللَّهَ يلومُ على العَجزِ، ولَكِن عليكَ بالكَيسِ، فإذا غلبَكَ أمرٌ فقُل: حسبيَ اللَّهُ ونعمَ الوَكيلُ" (أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما)
فمهما استعد الطالب لامتحانه، فإنه لا يضمن ألا يصاب بمرض مفاجئ يمنعه من حضور الامتحان، والأداء فيه كما يجب. ومهما احتاط التاجر، فإنه لا يضمن ألا تقع كارثة طبيعية، أو تنشب حرب غير متوقعة.... إذاً دائماً هنالك ما يدعو إلى الخوف من الإخفاق، ولا علاج لذلك إلا بالتوكل على الله.
وقال ﷺ: "لو أنكم تتوكلونَ على اللهِ حقَّ توكلِهِ لرزقكم كما يرزقُ الطيرُ تغدو خِمَاصًا وتروحُ بِطَانًا" (رواه الترمذي).
وقال ﷺ: "كانَ آخِرَ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ: حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ" ( رواه البخاري).
وقد يأتي القلق، نتيجة لضعف الثقة بالنفس، من حيث القدرة على القيام بعمل، أو مهمة أوكلت إلى الإنسان. فقد عالج النبي محمد ﷺ حالة قلق نفسي، أصابت أحد أصحابه حين خشي الإخفاق في مهمة تطوع للقيام بها، وتكفل للنبي محمد ﷺ بتنفيذها. ورد في سيرة ابن هشام أنه: بعد غزوة بدر، ذهب كعب بن الأشرف وهو من شعراء اليهود إلى مكة، يحرض المشركين على قتال المسلمين، ثم عاد إلى المدينة، فشبب بنساء المسلمين، حتى آذاهم، فقد قال شعراً لا يليق عن نساء المسلمين فكان في ذلك إهانة لهن ولرجالهن، ولهذا حكم رسول الله ﷺ بوصفه الحاكم والقاضي وبوصف كعب من رعاياه، وقد ارتكب خيانة عظمى لدولة المدينة المنورة، حكم عليه بالقتل فقال ﷺ لأصحابه: "من لي بابن الأشرف؟" أي: من يقتله؟. فقال له محمد بن مسلمة: أنا لك به يا رسول الله! أنا أقتله. قال: "فافعل إن قدرت على ذلك". فرجع محمد بن مسلمة، فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب، إلا ما يعلق به نفسه، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فدعاه، فقال له: "لم تركت الطعام والشراب؟". فقال: "يا رسول الله! قلت قولاً لا أدري هل أفي لك به أم لا؟". فقال النبي محمد ﷺ: "إنما عليك الجهد".
لقد علمنا النبي محمد ﷺ أن الجهد يجب أن يقدر، وألا يقتصر تقديرنا على النجاح والإنجاز، كما هي الحال في الحضارة الغربية المعاصرة، حيث لا يقدر ولا يكافئ إلا الناجحون والمتفوقون.
إن هذه النظرة الإيمانية إلى الأمور، تريح النفس البشرية من القلق الناتج عن خشية الإخفاق، إذ لا لوم على المرء طالما أنه بذل ما بوسعه بإخلاص، بل هو مأجور على جهده الذي بذله.
قال ﷺ: "إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أصابَ فَلَهُ أجْرانِ، وإذا حَكَمَ فاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأَ فَلَهُ أجْرٌ" (أخرجه البخاري).
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا