المقالات
خواطر من أجل نظرية نفسية إسلامية
Whatsapp
Facebook Share

خواطر من أجل نظرية نفسية إسلامية

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف

تاريخ النشر: 26/06/2024


 

  1. المقدمة
  2. تعريف الإنسان
  3. اللاشعور
  4. الدوافع عند الإنسان
  5. الخاتمة

 

1. المقدمة

عندما نقول نظرية نفسية إسلامية فإننا نريدها نظرية علمية تتسع لمكتشفات العلوم النفسية والعصبية المعاصرة ضمن إطار وتصور للإنسان على أنه كائن أرقى من الحيوان الذي يشترك معه بالوظائف البدنية الحيوية... ولا نقصد بالنظرية النفسية الإسلامية العودة لآراء قدامى المسلمين الذين اختلطت لديهم الفلسفة بالدين وبالملاحظة اليومية فأعطونا تصورات عن النفس البشرية هي مزيج من عقائد الديانات الشرقية وآراء فلاسفة اليونان... ولا نقصد الاستنتاج من النصوص القرآنية والحديث الشريف أكثر مما تدل عليه من خطوط عامة تهدينا من أجل وضع التصور الذي ينسجم معها ويستوعب الثابت من العلوم النفسية المعاصرة دون أن نلبس فرويد والباقين عمامات إسلامية.

 

النظرية النفسية الإسلامية تختلف عن المطروح حتى الآن عالمياً في أنها ترى الإنسان "خلقاً آخر" لا مجرد جسد حي ودماغ فائق القدرات يدرك ذاته ولا مجرد روح من طبيعة غير مادية تفكر وتشعر وتريد وتحب وتكره وتتعامل مع المحيط من خلال الجسد الحي الذي هو آلة لها يمكن لروح أخرى أن تستعيره منها أو تتسلط عليه وتتواصل معنا من خلاله.

 

أهم أساسين للنظرية النفسية الإسلامية هما تعريف الإنسان على أنه خليفة لله في الأرض مفطور على التخلق بأخلاق الله والتصرف مثلما كان الله سيتصرف لو كان مكاننا وفي موقفنا، والتأكيد على أن الإنسان "خلق آخر" لا هو روح تستخدم الجسد ولا هو جسد لا روح فيه.

 

2. تعريف الإنسان

أ. عند التطوريين داروين وفرويد ومن تبعهما: الإنسان حيوان تحكمه غرائز مركوزة في اللاشعور لديه تدفعه لإشباعها، ولا يختلف عن باقي الحيوانات إلا في قدرته على إدراك ذاته ووعي وجوده، لكن هذا الوعي خاضع للاشعور ويقوم بتبرير رغبات اللاشعور بحيث تبدو أفعال الإنسان نابعة من الوعي والإرادة الحرة، بينما الحقيقة أن الإنسان تسيره الغرائز كما تسير الحيوان، لكن الإنسان يعيش وهم الإرادة الحرة والدوافع المتسامية على الغرائز.

 

ب. عند السلوكيين: الإنسان آلة حية لها احتياجات حيوية تضغط عليها لتحقيقها، وتبرمجها الأفعال الشرطية الكلاسيكية والفاعلة وتخلق فيها حتى الدوافع النفسية المكتسبة انطلاقا من دوافع بدائية جسدية.

 

ج. الإنسانيون ومعهم الوجوديون تقدموا في نظرتهم للإنسان فركزوا على الجانب النفسي فيه وسكتوا عما هو جسدي واعتبروا الإنسان خالق ذاته ككائن فوق المادة وفوق الغرائز، وإن كان لا بد له من أن يشبع الحاجات الأساسية الهادفة إلى المحافظة على بقائه كفرد واستمراره كنوع، لكنه بعد ذلك يسعى لإشباع دوافع راقية تتجاوز جسده إلى الانتماء والحب والإنجاز وتحقيق الذات، والإنسان عندهم حر حرية حقيقية، أي باختصار هو حيوان تطور بحيث صار شبه إله.

 

كل المدارس المذكورة لا تعترف إلا بالجسد الحي وتعتبر الروح خرافة.

 

الأديان كلها أعلت من قدر الروح واعتبرتها هي الإنسان وليس الجسد إلا آلة حية تخدمها لكنها تحاول تسييرها ودفعها إلى تحقيق رغباتها وشهواتها، لذا يكون هدف الإنسان الراقي هو التحرر من تحكم جسده به من خلال مقاومة الشهوات وإضعاف الجسد بالجوع والحرمان الجنسي ورفض أي شكل من أشكال التنعم والرفاهية والسعي للمكانة الاجتماعية، وذلك كي تنتصر الروح الخالدة على الجسد الفاني وتحقق شوقها للعودة إلى الروح العظمى التي انبثقت منها أي الخالق.

 

هذه الثنائية المبسطة نتج عنها الإيمان بتناسخ الأرواح وانتقال الإنسان من جسد إلى آخر من خلال الموت والولادة، والإيمان بتحضير أرواح من ماتوا والتحاور معهم عبر جسد مستعار هو جسد الوسيط، والاعتقاد أن الجني يدخل في الإنسان ويتكلم على لسانه ويتحكم بجسده وتصرفاته انتقاماً منه واعتداءً عليه.

 

عند الأديان الإنسان مكون من عنصرين متصارعين عليه أن يبذل كل ما يستطيع ليتغلب أحدهما على الآخر، أي روحه على جسده.

 

ولقد تقدم الطب وعلم النفس والفيزيولوجيا العصبية والدوائيات النفسية وتبين لنا أنّ كل شيء في الإنسان من مشاعر وأفكار وشهوات وسلوكات من صنع آلة حية هي الدماغ، فأنكرت الروح، أما من اعترف بها، فقد فسرها على أنها النظام الذي ينبني وفقه الجسد الحي ليصبح كائناً واعياً لوجوده.

 

إذاً هما تطرفان: الأول ينكر أي أهمية للجسد ويعتبره شيئاً غير النفس التي هي الروح بمنظورهم، والثاني ينكر الروح ويعتبر الجسد الحي هو الإنسان ولا شيء معه.

 

الروح ثابتة في القرآن والحديث الشريف بنصوص قطعية الثبوت وإن كانت دلالتها غير قطعية، أي الروح موجودة وتنفخ في كل جنين بعد بلوغه مئة وعشرين يوماً في الرحم.

 

ويقول محمد فيما رواه مسلم في صحيحه: (إنَّ أحدَكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا نطفةً، ثم يكونُ علقةً مثلَ ذلك، ثم يكونُ مضغةً مثلَ ذلك، ثم يبعثُ اللهُ إليه ملَكا، ويُؤمرُ بأربعِ كلماتٍ، ويُقالُ له: اكتبْ عملَه، ورزقَه، وأجلَه، وشقيٌّ أو سعيدٌ؛ ثم يُنفخُ فيه الروحَ، فإنَّ الرجلَ منكم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ، حتى لا يكونَ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ النارِ، فيدخلُ النارَ. وإنَّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ النارِ، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ، فيدخلُ الجنةَ...) أخرجه البخاري ومسلم

 

يقول تعالى في سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14))

 

ربنا يشير إلى نفخ الروح بقوله: "ثم أنشأناه خلقاً آخر"، وهو في معرض وصف مراحل تكون جسد بشري حي جديد. فالإنسان بعد نفخ الروح لا هو جسد ولا هو روح، بل هو خلق آخر. كما إن الماء بعد اتحاد الأكسجين بالهيدروجين خلق آخر ذو خصائص كيميائية وفيزيائية مختلفة تماماً عن مزيج الأكسجين والهيدرجين غير المتحدين الذي يمكن أن يشتعل في أية لحظة.

 

النفس في القرآن لها معنيان: الأول هو الكائن كله من رأسه إلى قدمه بكل ما فيه من حياة بدنية وعقلية، والثاني هو الوعي والشعور عند الإنسان وهو الذي يتوفاه الله في النوم والموت، أما الروح فتنزع من الجسد مرة واحدة عند الوفاة ولا تنزع كلما نام.

 

عندما سئل الرسول عن الروح، أمره الله أن يقول: "الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي"، وذكره الله أن القدرة على الفهم والإدراك عند الإنسان محدودة، أي لن يستطيع أن يفهم أي شيء يخبرنا الله به عن الروح. قال تعالى في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}.

 

لذا فإن نسبة الوظائف النفسية والعقلية للروح وحدها ادعاء لعلم بالروح وقدرة على فهم الكثير عنها وهو ادعاء يتعارض مع هذه الآية الكريمة. وكذلك من يصف الرغبات والمتع والآلام على أنها نوعان روحية وبدنية هو مخطئ، بل هي معنوية وحسية.

 

ندرس النفس البشرية ونحن نؤمن بالروح لكن لا نعزو لها شيئاً، تماماً كما ندرس الكون والطبيعة ونحن نؤمن أن هنالك ملائكة موكلين بتسييرها، ندرسها كما لو لم يكن هنالك ملائكة، بل نبحث عن القوانين الطبيعية التي تسيرها.

 

الإيمان بالروح يحمي الإنسان من احتقار نفسه إن نظر إليها على أنها مجرد آلة حية يتم صنع الملايين منها وموت ملايين أخرى كل عام؛ ويكون قدره عند نفسه كبيراً لأنه خلق آخر فيه عنصر ليس في الحيوان مثله وهي نفخة الروح، التي جعلته خلقاً آخر قادراً على أن يكون خليفة لله في الأرض. ومما يحمي الإنسان من احتقار نفسه أيضاً علمه أن الله خلقه على صورته، لا على حقيقته، فهو ليس كمثله شيء.

 

ثم لا معنى للأخلاق والقيم والدين والجنة والنار ما لم تكن النفس البشرية خالدة، إذ لو كنا أجساداً حية تعي ذاتها وتفكر وتشعر ثم متنا وجاء البعث ومن عَجْب الذنب يخلق الله أجسامنا من جديد، أي استنساخ لأجسامنا فلن يكون البعث لنا نحن بل سيكون خلقاً لنسخ وتوائم لنا لكن لن نكون نحن أنفسنا، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: « كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ » أخرجه البخاري. لكن النفس البشرية التي هي خلق آخر مكون من اتحاد الروح بالجسد الحي اتحاداً لا يمكننا إدراك كنهه لأن الروح غير قابلة للإدراك، هذه النفس -الخلق الآخر- هي التي ستبعث نفسها يوم القيامة، وستكافأ أو تجازى على ما فعلت، ولن تكون المكافأة ولا الجزاء لنسخة عنها.

 

3. اللاشعور

اللاشعور: وهو جزء لاشعوري مئة بالمئة ولا إرادي وهو آلي انعكاسي موروث وموجود عند الولادة يشمل البرامج العقلية التي تنتج الأفكار والمشاعر والمهارات العملية والأعمال الفنية، منه تأتي العواطف والشهوات ودوافع السلوك والطاقة المحركة، وفيه تتم عملية الإشراط الكلاسيكي والإشراط الفعال.

 

واللاشعور هو الجزء من عقولنا الذي يشبه عقول الحيوانات، وهو لا يتعلم بالإقناع المنطقي، بل بتكرار الخبرة حتى يتكون لها منعكس مكتسب، ومثالها حالات الإدمان والرهاب، حيث تبقى الرغبات أو المخاوف رغم القناعة العقلية المناقضة لها.

 

هذا اللاشعور يلح على الشعور بالشهوات، أو العواطف، أو المخاوف أو الدوافع النفسية، سواء الدوافع الحيوية المشتركة مع الحيوانات أو الدوافع الإنسانية الهادفة إلى تحقيق الخلافة في الأرض التي تجمعها صفات الله وأسماؤه الحسنى، ومنه أيضاً يأتي الإعجاب أو النفور، والغريزة الجنسية.

 

عند فرويد هذا الجزء حيواني وهو الذي يحرك الإنسان ويدفعه إلى العمل من أجل تحقيق غريزة الجنس التي تضمن بقاء النوع، وغريزة العدوان التي تقود الكائنات إلى نهايتها المحتومة. أما كارل يونغ فقد أضاف إليه ما تراكم من معانٍ ومشاعر مكتسبة لكنها تورث من جيل إلى آخر ويضاف عليها كل جيل حتى بلغت قدراً عالياً من التركيب أسماه اللاشعور الجمعي Collective Unconscious، واعتقد يونغ أن هذا اللاشعور الذي اكتسبته البشرية هو مصدر الأساطير والخرافات.

 

اللاشعور عند فرويد جزءان الأول حيواني موروث وفيه الغرائز، وجزء ثانٍ يكتسبه الفرد من خلال كبته للمشاعر والذكريات والأفكار التي يؤلمه الاعتراف به فينكرها ويكبتها، فرويد لم يقل إن هذا اللاشعور المكتسب يورث من جيل إلى آخر مثل الجزء الحيواني. أما يونغ فقد آمن بانتقال مكتسبات اللاشعور من جيل إلى آخر وبالتالي تراكمها وتشكيلها للاشعور الجمعي.

 

الشعور أو "النفس" Self شيئان: أولهما "العقل" بلغة الفلاسفة وهو إرادي مفكر يحكمه المنطق الإنساني المعروف ونشعر بنشاطاته حين نفكر وتعكس عضلات الرأس هذا النشاط لذلك نحس أننا نفكر برؤوسنا. وثانيهما "القلب" حيث العواطف والمخاوف والشهوات والدوافع النفسية الآتية من اللاشعور التي تعكسها عضلة القلب، لذلك ننسب الحب والكره والخوف والطمأنينة وغيرها إلى القلب، وسنظل دائماً ننسب الحب لقلوبنا مهما تيقنا أن مراكز المشاعر هي في الدماغ.

 

اللاشعور وهو نوعان: أولهما إرادي وحر، حيث يتحول باستمرار الكثير مما نتعلمه من شعوري إلى شبه لاشعوري أوتوماتيكي سريع في عمله وتلقائي، أي دون تفكير ظاهرياً، يوفر الشعور ليهتم بالمستجدات والأمور ذات الأهمية العليا. وهو يشمل كل المعارف والمهارات اللاشعورية ظاهرياً، لكن يمكن للإنسان أن يستكشفها ويفهمها من خلال العلاج النفسي التحليلي الذي يحاول كشف آليات الدفاع النفسي التي يلجأ إليها الشخص بشكل أوتوماتيكي. وهي كذلك تستكشف في العلاج النفسي المعرفي حيث البحث عن الأفكار الأتوماتيكية السلبية التي تسبب القلق أو الكآبة أو غيرهما من الأعراض النفسية.

 

وهذا اللاشعور الذي من خلاله يقوم الدماغ بإنجاز الوظائف العقلية من أفكار وأفعال وعواطف وقرارات إرادي يحمل الإنسان مسؤولية ما يقوم به، وهو الجزء الذي يقوم بخداع النفس عن طريق آليات الدفاع النفسي المعروفة وغيرها من الآليات التي اكتشفها الباحثون في سيكولوجية خداع النفس، وفيه تخبأ الذكريات المكبوتة لإبعادها عن بؤرة الوعي لكنها تبقى مؤثرة في المشاعر والأفكار والسلوك.

 

والنوع الثاني من اللاشعور يحتوي على البرامج التي يعمل المخ من خلالها لينظم عمل كل أعضاء الجسم ووظائفه الحيوية وكذلك تحويل الإدراكات إلى صوت نسمعه ونفهمه وصور نراها ويمتعنا جمالها وألوانها والتنفس ودوران الدم وكل العمليات الفيزيولوجية التي تضمن استمرار الجسد حياً. هذا النوع من اللاشعور هو آلي لا يفكر بالمنطق الذي تفكر به عقولنا الواعية ولا يشعر بالعواطف التي نحس بها في قلوبنا، إنما هو بمثابة حاسوب أو كومبيوتر إمكاناته عجيبة وفوق التصور وهو الذي يحافظ على حياتنا حتى النهاية.

 

لقد أشار الإسلام إلى مستويات عمل النفس البشرية المختلفة في عدة نصوص منها:

 

  • روى أحمد والدارمي أن رسول الله قال لصاحبه الذي سأله عن البر والاثم: (اسْتَفْتِ قَلْبَكَ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَـيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَـيْهِ الْقَلْبُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِـي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِـي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ.) وفي رواية ثانية: (يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ـ ثلاث مرات ـ البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك). عندما يراد التأكيد على التفكير المنطقي العقلي الذي نشعر بخطواته في وعينا يقال النفس، وعندما يراد التأكيد على دور العاطفة في الإيمان والكفر والاعتقاد عموماً واتخاذ القرارات الحياتية يقال القلب. والبر أن يتفق العقل مع الفطرة السليمة التي نشعر بها عاطفة وهوى في قلوبنا، إلا الذين تزيغ قلوبهم وتنحرف عن الفطرة السليمة فتنشرح صدورهم للكفر وللظلم والعدوان وتسيطر على قلوبهم أهواء غير منصفة.
  • يقول تعالى في سورة طه: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)).
  • ويقول في سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)). والإسلام دائماً ينسب الوظائف العقلية ومنها الإيمان والكفر إلى القلب، ليجعلنا ننتبه إلى دور الأهواء والميول النفسية لدينا في اتخاذنا القرار بالإيمان أو الكفر أو الحب والكره.
  • وفي سورة الأنفال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24))
  • وفي سورة التغابن: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)) (سورة التغابن)
  • وفي سورة الصف: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5))
  • وفي سورة الحج: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ، وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)) الإنسان في الإسلام يحمل مسؤولية أعمال قلبه سواء شعر بها أم لم يشعر ،لأنها إرادية وحرة حرية كاملة.
  • يقول تعالى في سورة البقرة: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)) وهذا يؤكد أنها إرادية سواء كانت شعورية أو شبه لا شعورية، ولا لوم على ما يأتي من اللاشعور اللا إرادي من مشاعر أو رغبات أو شهوات. لكن الله يلومهم إن هم استجابوا للمحرم من هذه العواطف أو الدوافع أو الغرائز، أي إن الإنسان حر حرية مطلقة على مستوى العقل والقلب وهو سيد نفسه وصاحب القرار، يقول تعالى في سورة الكهف: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)).

 

ووسوسة الشيطان وما يعاكسها من وسوسة القرين من الملائكة هي على مستوى اللاشعور وربما على مستوى شبيه اللاشعور، وهي مسؤولة عن استثارة الدوافع، أو العواطف، أو المخاوف، أو الشهوات، أما النفس الحرة المريدة فهي التي تختار بين أن تستجيب للإيجابي القادم من اللاشعور أو السلبي الآتي منه.

 

ما يأتي من اللاشعور يعطي الإنسان الطاقة النفسية أي الدافعية التي تمكنه من تحويل أفكاره أو اختياراته إلى أفعال.

 

الإنسان في الإسلام خليفة عن الله في الأرض لا يخضع للاشعور أو الغرائز إلا في أنها تطلب من نفسه أي الوعي لديه أن يشبعها ويلبيها لكنها لا تستطيع أن تَقْسِره على ذلك، ومثالها الأفعال القهرية، وكذلك قدرة الإنسان على عدم الاستجابة حتى للجوع فيضرب عن الطعام أو يصوم. الإنسان عندنا هو النائب عن الخالق وهو المخلوق على صورته، وله سخر الله ما في السماوات والأرض جميعاً منه، وهي مكانة لا تقل سمواً عن مكانة الإنسان عند الإنسانيين الذين ينكرون الخالق ولا يعترفون في الكون بسيد سوى الإنسان.

 

الإنسان عندهم ينافس الخالق ويجعل نفسه نداً له، بينما في الإسلام هو نائب عنه يأتي بعده مباشرة وتربطه به علاقة قائمة على الحب المتبادل والطاعة والتكريم. الإنسانيون أطلقوا طاقات الإنسان الأوربي فتقدم وساد باقي الشعوب، أما طاقاتنا نحن المسلمين فستنطلق إن فهمنا جيداً المقصود بالخلافة عن الله في الأرض، وأدركنا حريتنا وأن الله لم يكرهنا ولا حتى على الاعتراف بوجوده، وفهمنا أنه لم يحرم علينا من الدوافع إلا الكبر وإرادة الفساد في الأرض تحدياً لله كما فعل إبليس وكما تصور سارتر في مسرحية له اسمها "الذباب".

 

يقول تعالى في سورة القصص: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)، والرسول قال فيما رواه الطبراني: (إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلـى وُلَدِهِ صِغَاراً فَهُوَ فـي سَبـيـلِ الله، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَـى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِـيرَيْنِ فَهُوَ فـي سَبـيـلهِ الله، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَـى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فـي سَبـيـلِ الله، وَإِنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَـاخَرَةً فَهُوَ فِـي سَبـيـلِ الشَّيْطَانِ).

 

4. الدوافع عند الإنسان

اختزل فرويد الدوافع عند الإنسان بدافعي الجنس والعدوان واختزلها السلوكيون في الطعام والشراب والدوافع الفيزيولوجية ثم جاء الإنسانيون وارتقوا بالدوافع الإنسانية حتى كان تحقيق الذات هو رأس هرم الدوافع الإنسانية.

 

اقترب الإنسانيون كثيراً من النظرة الإسلامية للدوافع، فالإنسان خلق ليكون خليفة عن الله في الأرض يحقق في ذاته صفات الله وهو مفطور على تحقيقها في ذاته، لكن هنالك صفتان محرمتان عليه رغم أنه مفطور على الميل لهما وهما العظمة والكبرياء. الإنسان حيوان له احتياجات فيزيولوجية تضغط عليه ليسعى إلى إشباعها، والجنس من هذه الدوافع، لكنه ما أن يحصل على الحد الأدنى من اشباعها حتى ينتبه إلى الدوافع الإنسانية أي دوافع الاستخلاف في الأرض التي فطره الله عليها.

 

الله رحيم وعليم وكريم وخالق ورازق ومنتقم وغفور وعادل و.. والإنسان خلق ليحقق هذه المعاني في نفسه ويتخلق بها، وهذا معنى الخلافة عن الله في الأرض، وليست مجرد عمارة الأرض وبنائها، فالإنسان مستخلف، حتى لو عاش في غابة أو كهف أو صحراء، الخلافة هي تحقيق المعاني التي تتضمنها أسماء الله الحسنى، وهي في جوهرها الحياة من أجل المعنى.

 

الإنسان يُمَعْنِن (أي يعطي معنى) كل شيء حتى الأكل والشرب والجنس يحملها الإنسان المعاني ولا يقف بها عند الحاجة الفيزيولوجية البحتة، فحتى أن يتجشأ أحدهم وهو سلوك مقرف للحاضرين صار لدى بعض الشعوب مما يتباهى به الإنسان لأنه دلالة على الشبع والغنى في مجتمع جائع.. والكرش الذي نخجل به في ثقافتنا المعاصرة يباهي به الإنسان في ثقافات لا تنظر إلى سلبياته، بل تركز على انه دلالة على الغنى والوفرة والشبع الزائد.. الجنس يمارسه الحيوان وبنتيجته يتكاثر وكذلك يفعل الإنسان لكن الإنسان شحنه بالمعاني فتجد المسبات في كل اللغات تشير إلى الفعل الجنسي وقد يموت بسببه أناس كثيرون في الحضارات التي تربط شرف العائلة كلها بما يقع على المرأة جنسياً.

 

هنالك حاجات أساسية للإنسان وهي الطعام والشراب والمأوى الملخصة في <أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف>، ثم بعدها تأتي المعاني (شجرة الخلد وملك لا يبلى) فالخوف من الموت والانعدام ومن الفقر والاحتياج من أهم مصادر القلق عند الإنسان الذي يدفعه إلى الكثير من الأفعال للتغلب عليهما، والسمعة والفخر قد يموت الإنسان في سبيلهما أو ينفق ماله وجهده وعمره سعياً وراءهما، بل حتى الإفساد في الأرض تحدياً للخالق يشكل دافعاً للسلوك الإنساني، لذا كانت الدار الآخرة للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً.

 

والإنسان مفطور على حب الجمال لذا يبذل في سبيله الغالي والرخيص حتى كان أعظم ثواب يناله المؤمنون في الجنة هو النظر إلى وجه الله الكريم وهو الجميل الذي يحب الجمال.

 

نلتقي مع الإنسانيين كثيرًا في فهمنا للدوافع عند الإنسان ومكانته في الكون، لكن نختلف معهم حول طبيعة علاقته بالخالق سبحانه وتعالى. فهم يرون أنفسهم أنداداً لهذا الخالق، هذا إن هم اعترفوا بوجوده، ونحن نرى أنفسنا خلفاء له في أرضه.

 

المنظور الإسلامي لا يعلي من قيمة المعاني على حساب الحاجات البدنية كما فعل المتصوفة في جميع الأديان عندما ازدروا كل ما نسبوه للجسد وأعْلَوا كل ما نسبوه للروح، فدين الفطرة يعترف بكل الدوافع ويحترمها، لكن ينظم إشباعها بحيث يكون من الحلال النافع.

 

في نظريتنا دوافع الإنسان الأصيلة تدفعه ليكون خليفة عن الله في الأرض، أي أن يتشبه بالخالق في المشاعر والتصرفات، هو جسد حيواني حي لديه الدوافع المشتركة مع جميع الحيوانات التي تضمن بقاءه حياً كفرد وبقاءه كنوع يتكاثر ليعوض من يموت، وهذا يعني الطعام والشراب والبيئة المناسبة لاستمرار حياته والجنس. لكنه أيضاً كائن خلق للمعنى الذي لا يدركه أي حيوان آخر، إنه كائن يدرك المعاني التي تجسدها أسماء الله الحسنى ولديه الدوافع النفسية الأصيلة لتحقيقها في نفسه، كما يدرك معنى الكمال والتنزه عن العيوب ولديه الميل لهذا الكمال حيث يعجبه الجمال في كل شيء لأنه تجسيد للكمال تدركه حواس الإنسان بينما الكمال فكرة مجردة يدركها عقله، هي في أعلى مراتبها كمال الله المطلق الذي نعبر عن إعجابنا به عندما نقول: سبحان الله، أي ما أكمل الله الذي تنزه عن كل عيب.

 

إضافة لشوق الإنسان للمعاني وللكمال لديه قدرة على الاستمتاع والتلذذ جعلها الله فيه في الدنيا لتدخل البهجة في نفسه وتعينه على كبد الحياة وآلامها وهمومها. الإنسان يحب الشعور باللذة سواء من طعام أو شراب أو جنس، لكن اللذة التي ما بعدها لذة ستكون نعمة النظر لوجه الله الكريم في الجنة حيث لذة الجمال المطلق الذي لا يقارن به جمال أيٍّ من المخلوقات. اللذة تعالج الكآبة والهم ونحتاج منها لجرعات متكررة يومياً، لكنها نوعان لذة حسية ولذة معنوية. الحسية هي اللذة التي نحس بها من خلال حواسنا؛ ومثالها لذة الطعام والشراب والجنس، والمعنوية هي التي نشعر بها من خلال المعاني ومثالها التمتع بالجمال، والشعور بالأمان، والعافية، والبهجة. اللذة بأنواعها مرغوبة وتشكل حافزاً ومعززاً لسلوك الإنسان وعدنا الله بها في الجنة ليحفزنا إلى طاعته ونيل رضاه.

 

إذن دوافع الإنسان التي يتميز بها عن الحيوان هي حبه للمعاني والجمال واللذة، نفسه تتوق إلى القوة وإلى الغنى وإلى العطاء وإلى العلم وإلى الكرم وإلى العدل وإلى الانتقام وإلى الخلود والعظمة.... تتوق لكل صفات الله أن تحققها وتعيشها وبذلك تحقق ذاتها، إلا أن صفة الكبر التي هي من صفات الله محرمة على الإنسان لأنها لا تنبغي لغير الله سبحانه وتعالى وأي سعي إليها هو منازعة لله محكوم عليها بالخسران ومتوعد عليها بالعقاب والعذاب. الإنسان خليفة الله في أرضه مفطور على الإعجاب بالعلم وحب التعلم ويجد في التعلم لذة ولا يحتاج إلى لقمة طعام لنرغب إليه التعلم كما نشكل سلوك حيوان أعجم تحركه غرائز مخلوقة معه ولا يمكن التفاهم معه بالمعاني كي نعلمه شيئاً غير غرائزه فنعزز سلوكه بلقمة الطعام كلما قام بسلوك نريده أن يكرره. الإنسان مفطور ليتعلم ويتفوق في العلم والمعرفة، فللمعرفة لذتها لديه وهي تعزز سلوك التعلم عنده، وهو يحتاج لفرصة التعلم وإشباع الفضول والشعور أنه صار يعلم أمراً ما بعد أن لم يكن يعلمه. السلوكيون يحاولون تقوية رغبة التلميذ في التعلم من خلال تعزيز سلوكه بقطعة حلوى أو لعبة تعجبه ويغفلون عن الشوق الفطري واللذة المتأصلة لديه من التعلم ذاته.

 

الإنسان لديه حب للعدل وإعجاب بمن تتجسد فيهم صفة العدل وشوق لأن يكون عادلاً لأنه مفطور على الميل لتحقيق صفات الله في نفسه، وهو كذلك لديه حب للكرم وإعجاب بالكرماء وشوق لأن يكون كريماً، ولديه حب للقوة وإعجاب بالأقوياء وشوق لأن يكون قوياً، وهكذا هو لديه الدافع النفسي لكل صفات الله التي تتجلى في أسمائه الحسنى.

 

لكنه خلق خليفة عن الله يأتي بعده في المكانة وامتحن بالدافع إلى العظمة والكبرياء الذي يتناقض مع الخلافة لله حيث الخلافة طاعة وحب لله تفسدها الكبرياء والتعالي على خلق الله فيصبح التعلم والعلم من أجل الكبرياء والعلو والرياء، وينحرف عن دافعه الأصلي وهو دافع الاستخلاف وتحقيق صفات الله وأخلاقه في أنفسنا، وإن كان لن يخرج بنفسه عن كونه خليفة لله في أرضه اختار أن يحقق في نفسه صفة الكبرياء والعلو وهي من صفات الله؛ والتشبه به من خلالها هو تحقيق للخلافة عن الله، لكنه التحقيق الذي حرمه الله علينا. ربنا يريدنا خلفاء له في الأرض لا منافسين له، لأننا نستطيع أن نكون مثل الله في كل صفاته إلا الكبرياء حيث لا مقارنة بيننا وبين خالقنا الكبير المتعال.

 

المؤمن خليفة عن الله في أرضه يحقق في نفسه صفات الله ويعمل كما كان ربنا سيعمل لو كان مكاننا، فيرحم ويعدل ويعطي وينصر الضعيف وينتقم من الظالم ويغفر إن شاء ويزداد كل يوم علماً ويحب الجمال والكمال لكنه ليس إلهاً مع الله حيث لا إله في الوجود إلا الله، والمتألهون ما هم إلا بشر ضعفاء انساقوا وراء شهوة الكبرياء ونسوا ضعفهم ومحدوديتهم. وحتى هؤلاء المتألهون لم يستطيعوا أن يكونوا إلا ما شاء الله لهم أن يكونوا، مجرد خلفاء لله في أرضه لا أنداداً له. نعم اختاروا خلافته في الصفة التي لا تنبغي لأحد غيره وهي صفة الكبر وبذلك عصوه لكن ما استطاعوا إلا أن يكونوا ما أراد لهم أن يكونوه، خلفاء له في أرضه.

 

ما أغبى المخلوق الذي تعميه لذة الكبرياء عن حقيقته أنه مخلوق ضعيف لا قبل له في أن يتحدى الذي خلقه وأعطاه الفرصة والقدرة على أن يتحداه لأنه مفطور على التشبه به، فيتحداه ويودي بنفسه إلى الهلاك. يستكبر عن أن يطيع الله لكنه لا يشعر أنه في استكباره ليس إلا خليفة لله في أرضه كما شاء الله له أن يكون، إنه لا يريد أن يكون كما أراد الله له أن يكون لكن لا قدرة له على تجاوز طبيعته وحقيقته مخلوقاً لخلافة الله في أرضه لن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولاً.

 

5. الخاتمة

لقد هبط فرويد ودارون بالإنسان إلى مرتبة الحيوان وتهرب السلوكيون من شطحات التحليل النفسي فأنكروا كل شيء غير قابل للقياس في النفس الإنسانية وكان نموذجهم الأمثل هم أيضاً الحيوان، ثم جاء الإنسانيون ليعيدوا للإنسان مكانته فرفعوه إلى مرتبة الإله، ونظريتنا الإسلامية تجعله في مرتبة ما تحت الإله وتعترف له بما فيه من طبيعة غرائزية تتأثر بالإشراط الكلاسيكي وبالإشراط الفعال لكنه كائن عاقل ذو عواطف ومشاعر له إرادة حرة حرية حقيقية.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
* كود التحقق
 
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة