إن الإنسان خلق هلوعاً...... إلا المصلين
إن الإنسان خلق هلوعاً... إلا المصلين
إن الإنسان المحروم من نعمة الإيمان، إذا ما أصابته مصيبة جزع، واسودت الدنيا في نظره، وسيطر عليه اليأس والقنوط، وكان الاكتئاب النفسي لديه شديداً إلى درجة أن يقتل نفسه أحياناً، أو أن يفكر في ذلك بجدية.
والمصائب أمر ملازم للحياة البشرية، سواء في ذلك المؤمنون والكافرون، لكن الإيمان الصحيح يجعل المؤمن قوياً في وجه المصائب، فقد جعل الله للمؤمن في المصيبة باب خير، وهذا مما يجعل وقعها عليه أخف وأهون.
فالمؤمن لا يرى أن النعمة دليل حب من الله، ولا يرى المصيبة دليل كراهية... إنما الحياة الدنيا كلها اختبار للإنسان، يتعرض فيه إلى سؤالين كبيرين:
الأول: كيف يكون رده على النعمة، هل يشكر الله عليها أم يجحد وينكر الفضل، فيكفر بالله وأنعمه؟ وأعلى درجات الشكر الإيمان بالله تعالى بلا شريك، ومعرفة أن النعمة فضل منه، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍۢ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعًۢا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًۭا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾ [الإنسان: 2-3].
والسؤال الكبير الثاني في الامتحان الذي يعيش فيه الإنسان طيلة حياته الدنيا هو: كيف يكون رده على المصيبة والحرمان؟ هل يرضى بقضاء الله وقدره فلا يغضب من رب العالمين، بل يبقى راضياً عن الله على الرغم مما قدره عليه من مصيبة أو حرمان فيكون بذلك من الصابرين، وممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، أم يغضب ويسخط على الله، وينسى أنه لله، وأنه إلى الله راجع، فيقل أدبه مع خالقه، وتميل نفسه إلى المعصية والتمرد على الخالق العظيم، رداً على ما قضى عليه، وقدر من مصيبة وحرمان؟.
قال تعال: ﴿إِنَّ ٱلْإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًۭا (20) وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ (22) ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ (23) وَٱلَّذِينَ فِىٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّۭ مَّعْلُومٌۭ (24) لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ (25) وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ (26) وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍۢ (28) وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ (31) وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ (32) وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَـٰدَٰتِهِمْ قَآئِمُونَ (33) وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُو۟لَـٰٓئِكَ فِى جَنَّـٰتٍۢ مُّكْرَمُونَ (35)﴾ [المعارج: 19-35].
والفائز في هذا الامتحان الكبير، امتحان الحياة الدنيا، هو الذي يجيب على النعمة بالشكر، ويجيب على المصيبة والحرمان بالصبر.
والخاسر الخائب من يجيب بالكفر، والجحود على النعمة، وبالسخط والتذمر على المصيبة والحرمان.
ولا بد للمؤمن من أن يفهم ذلك كله حتى تبقى نفسه متمتعة بسكينتها في وجه مصائب الحياة.
قال تعالى مصححاً المفاهيم الخاطئة حول النعمة والحرمان: ﴿فَأَمَّا ٱلْإِنسَـٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكْرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَهَـٰنَنِ (16) كَلَّا... (17)﴾ [الفجر: 15-17].
إذاً: ليست النعمة دليل حب وتكريم من الله، وليس الحرمان دليل إهانة وكراهية منه، إنما كلاهما ابتلاء، أي: اختبار وامتحان وفتنة. قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةًۭ ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35].
والمصائب تلازم الحياة البشرية.، لأنها من طبيعة الحياة الدنيا، وقد جعلها الله للمؤمن الصابر.، الذي يتلقاها دون أن يغضب من الله أو يسخط، جعلها كفارة له تغسل عنه ذنوبه، وتطهره منها، بحيث لا يعاقب عليها في الآخرة.
وبهذا تصبح المصائب الواقعة على المؤمن الصابر دليل حب من الله، لأنه أراد بها أن يطهره من ذنوبه، ليرفعه درجات في الجنة، ما كان له أن يبلغها مع بقاء ذنوبه.
قال النبي محمد ﷺ: "ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ وولدِهِ ومالِهِ ، حتَّى يلقَى اللهَ وما علَيهِ خطيئةٌ." (رواه الترمذي).
وقال أيضاً: "إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم ، فمَن رَضي فله الرِّضَى ، ومَن سخِط فله السَّخطُ." (رواه الترمذي).
وقال ﷺ: "مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُصِبْ منه." (رواه البخاري).
إن ثبات المؤمن في وجه المصائب، وحفاظه على سكينته، لا يأتيان من فراغ، إنما هو المنظور الإيماني للحياة، وما فيها من نعمة، أو مصيبة.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا