الغيظ انفعال، والغضب فعل إرادي
الغيظ انفعال، والغضب فعل إرادي
عندما يتعرض الإنسان إلى إساءة أو عدوان يثور في نفسه شعور عدائي انتقامي تجاه من اعتدى عليه، واسم هذا الشعور "الغيظ"، وهو شعور يعبر عنه الإنسان بالغضب الذي يستنفر الجسم من أجل الهجوم على المعتدي والانتقام منه، فتزداد ضربات القلب، ويرتفع ضغط الدم، وتتوسع الحدقتان، وتكون العضلات مشدودة، يتدفق إليها الدم غزيراً، لتكون قادرة على الأداء بقوة.
ويضغط الغيظ عادة على النفس، يريد أن ينفذ ويخرج من عالم الشعور المخبوء بين جوانح النفس إلى عالم السلوك الظاهر من خلال الغضب.
وبحسبة سريعة جداً، يقدر الإنسان ما إذا كان الموقف يسمح لهذا الغيظ أن يتحول إلى سلوك قولي أو فعلي.
فإن كان الموقف يسمح، ظهر الغضب في الملامح ونبرة الصوت، واشتد استنفار الجسم استعداداً لهجوم وشيك.
وإذا كانت العواقب المتوقعة ضمن حدود المقبول، وكان الإنسان مستعداً لتحملها، فإنه يطلق لغضبه العنان، فيرتفع صوته بالصراخ، والتوبيخ، والشتائم، وقد يصل الأمر إلى العنف الجسدي، فيكون الضرب، والإيذاء، وغير ذلك من أساليب العدوان، والانتقام.
أما إن كان في تقدير الإنسان الذي شعر بالغيظ، أن الموقف لا يسمح له بإظهار الغضب، وأن العواقب ستكون وخيمة، وفوق احتماله، فإنه يكظم غيظه، ولا يظهره أبداً.
والغيظ انفعال يقوم في النفس، كرد فعل تلقائي لا إرادي على أذية، أو إهانة، يتصور الإنسان أنها وقعت عليه.
إذاً: فإدراك الإنسان للموقف، ونظرته إليه، هي التي تقرر قيام الغيظ في نفسه، أو عدم قيامه.
وطالما كان الغيظ انفعالاً نفسياَ، فإن رؤية الإنسان للأمور هي التي تحدد مدى تأثره به.
أما الغضب فهو سلوك تعبيري، وعدوان بالقول أو الفعل.. وبما أنه سلوك، فإنه يخضع لإرادة الإنسان، لذا فإنه عندما أتى رجل إلى النبي محمد ﷺ، وقال له: "أوْصِنِي"، قال له النبي محمد ﷺ: "لا تَغْضَبْ." فردد الرجل مراراً، وكان جواب النبي محمد ﷺ يتكرر: "لا تَغْضَبْ." (رواه البخاري).
ولم يقل له "لا تغتظ"، لأنه ﷺ عندما قال له: "لا تَغْضَبْ." كان يدرك بوضوح أن الغضب فعل إرادي، يستطيع الإنسان أن يقوم به، أو أن يمنع نفسه منه، أما الغيظ فانفعال لا إرادي، والرسول محمد ﷺ دعانا إلى كظمه حين قال: "مَن كَظَمَ غيظًا، وهو قادِرٌ على أن يُنفِذَهُ، دعاهُ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالى على رُؤوسِ الخلائِقِ يومَ القيامَةِ حتى يُخيِّرَهُ من الحورِ العِينِ ما شاءَ." (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد).
الغيظ يكظم كظماً، أما ضبط النفس والتحكم فيها، فيكون عند الغضب، فالضبط والتحكم مطلوبان في السلوك، قال ﷺ: "ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ." (متفق عليه).
وقد نسب الله إلى نفسه الغضب، ولم ينسب الغيظ إليه.، لأن الغيظ انفعال يثور في النفس شاء الإنسان أو أبى، لكن الغضب سلوك إرادي، والإرادي يليق بالله، بينما اللاإرادي لا يليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى.
عندما يكظم المؤمن غيظه، فإنه يحافظ على هدوء نفسه وسكينتها، ولا يظهر للآخرين، حتى لو كانوا مسيئين إليه، لا يظهر لهم أي نوع من العداء والرغبة في الانتقام، وبهذا يبقى السلام والمودة والرحمة، هي المشاعر السائدة في المجتمع المؤمن.
فالذي يغضب، قد يقول ما يجرح مشاعر الآخرين جرحاً يطول الزمن، ولا يندمل، والذي يغضب قد يرد الإساءة بإساءة أشد منها، فيظلم إخوانه، ويتحول من مظلوم إلى ظالم، وبعدها يندم حين لا ينفع الندم، أما الذي يكظم غيظه، فإنه ملك نفسه، ممسك بزمامها، متحكم بها، ولن يكون لديه ما يندم عليه، بل سيغمره الرضا والسرور.، لأنه نجح في أن يسمو بنفسه، وفي أن يكون حليماً ورحيماً، وهذا ما يليق بالمؤمن الذي يهتدي بأنوار الإيمان.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا