الغضب ثورة تضر ولا تنفع
الغضب ثورة تضر ولا تنفع
هنالك اعتقاد خاطئ، وبخاصة عند بعض الغربيين، أن على الإنسان أن يغضب إذا أحس بالغيظ، حتى لا يتراكم غيظه، ويتسبب في اضطراب نفسه.
وهذا الاعتقاد الخاطئ، ربما كان فهماً خاطئاً للنصيحة المتكررة، التي يقدمها المعالجون النفسيون لمرضاهم، بأن يعبروا عن مشاعر الغيظ التي تقوم في نفوسهم تجاه من يرتبطون معهم بعلاقة، ولكن شريطة أن يتم التعبير دون التورط في أي عنف أو عدوان.، إذ الهدف من هذا التعبير عن الغيظ، هو إيصال الأمر إلى الذي تسبب بالغيظ، من أجل ألا يتكرر منه الخطأ، أو من أجل أن يقوم بتصحيح خطئه.
وهذا التعبير عن الغيظ دون عدوان، أو عنف، لا يتنافى مع كظم الغيظ، الذي دعانا إليه رب العالمين والرسول الكريم محمد ﷺ.
فكظم الغيظ يعني، ألا نتجاوب مع انفعالنا بسلوك غاضب نلجأ فيه إلى العنف في كلامنا أو أفعالنا، وتفوح العداوة من كلماتنا، وتعبيرات وجوهنا. فكظم الغيظ امتناع عن الغضب، وليس امتناعا عن أن يقول الإنسان لمن أغاظه أنه قد تضايق من فعله أو قوله وأنه اغتاظ منه، وتأثر من سلوكه نحوه.
إن مثل هذا التعبير عن الغيظ هام في التواصل الناجح بين اثنين من أجل المحافظة على العلاقة بينهما في أحسن حال.
لكن كظم الغيظ لا يضر بالنفس أبداً، وكيف يضر والرسول محمد ﷺ يقول: [من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمناً وإيماناً]. (رواه أبو داود).
إنما الحقيقة أن إنفاذ الغيظ، وتحويله إلى غضب ظاهر في تعبيرات الوجه، وفي الأقوال والأفعال، هو الضار بالنفس والبدن، فقد أظهرت الدراسات الطبية الحديثة أن كظم الغيظ أفضل لصحة القلب عند الإنسان، فقد تبين أن الأشخاص الغضوبين، العدائيين، العجولين، يصابون باحتشاء العضلة القلبية، أي: الجلطة القلبية أكثر من غيرهم بكثير.
وقد تم تقديم العلاج النفسي، والمشورة النفسية للكثيرين ممن أصيبوا بالجلطة القلبية، وفيهم هذه الطباع، وذلك من أجل تدريبهم على كظم غيظهم، والإقلال من غضبهم المتكرر، وعدائيتهم تجاه الآخرين، وكذلك الحد من استعجالهم في الحياة اليومية، وذلك لوقايتهم من نوبات قلبية أخرى.
ولعل الرجل الذي أكد عليه الرسول محمد ﷺ وهو يوصيه بألا يغضب، لعل هذا الصحابي كان من النوع الغضوب الذي ينفجر غاضباً عند كل صغيرة أو كبيرة، ووصية الرسول محمد ﷺ هذه هي من نوع العلاج النفسي السلوكي.
ذلك أن بعض الناس ينفجر غاضباً عندما لا يحصل على ما يريد، وعندما يريد التحكم بمن حوله كزملائه في العمل، أو أفراد أسرته، ليجعلهم يفعلون له ما يريد، أو ليجعلهم يسكتون عن أخطائه، وإذا ما أذعنوا له، وأعطوه ما يريد تجنباً لغضبه وسورته، كان له في ذلك مكافأة على سلوكه السيء، فيتكرر منه الغضب، لأن غضبه حقق له النتائج التي يرجوها.
أما إن رفض الناس من حوله أن يذعنوا لغضبه، وأن يستسلموا له دون حق، وعاقبوا سلوكه السيء هذا، ولو بمجرد الإهمال، وعدم الاهتمام، فإنه بتكرار المواقف، يتبين له أن غضبه دون حق لا يأتيه بنتيجة، فيقلل منه، أو حتى يقلع عنه.
فالغضب والعدوان عموماً ليس غريزة في الإنسان ترتاح نفسه، ويخف توترها إذا أشبعت، وأعطيت وفق هواها... إنما هو سلوك يزداد إن كوفئ، ويخف إن عوقب.
والغضب ثورة تهز استقرار النفس والبدن، فلا عجب إن تسبب الغضب المتكرر بالجلطة القلبية، أو ارتفاع ضغط الدم، أو بنزيف في الدماغ، فجسم الإنسان: قوته، وعافيته في توازنه واستقراره، وإن تحمل في شبابه نوبات الغضب، فلن يتحملها عندما يتقدم سنه، ويدب الضعف في بنيانه.
فما أجمل أن يتعود المؤمن على كظم الغيظ! فيكون من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا