المقالات
حسن الخلق والتحكم في الانفعالات
Whatsapp
Facebook Share

حسن الخلق والتحكم في الانفعالات

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى ٱلْأَرْضِ هَوْنًۭا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَـٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَـٰمًۭا [الفرقان: 63].

 

إننا عندما نقرأ هذه الآية الكريمة نكاد نرى السكينة التي تملأ نفوس المؤمنين بأم أعيننا.

 

إن الإيمان يغير في الشخصية الإنسانية، ويجعلها هينة لينة سهلة، لا تميل إلى العنف والشدة، إلا في مواقف الجهاد في سبيل الله ضد الكفار الذين يحاربون دين الله.

 

وقد وعد الرسول محمد ﷺ المؤمن الهين اللين أن يحرم الله عليه النار، قال النبي محمد ﷺ: "أَلَا أُخْبِرُكم بمَن يَحْرُمُ على النَّارِ، وبمَن تَحْرُمُ عليه النَّارُ؟ على كلِّ قريبٍ هيِّنٍ سهْلٍ.(رواه الترمذي).

 

ويقول النبي محمد ﷺ لأحد أصحابه: "...إنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ: الحِلْمُ، والأناةُ.(رواه مسلم).

 

وروى ابو داود أن أشج عبد قيس أتى النبي ﷺ في المدينة فقال له النبي ﷺ: " "إنَّ فيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُما اللهُ الحِلْمُ والأناةُ . قال : يا رسولَ اللهِ ! أنا أَتَخَلَّقُ بهما أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عليهما ؟ قال : بَلِ اللهُ جبلكَ عليهما . قال : الحمدُ للهِ الذي جَبَلَنِي على خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهما اللهُ ورسولُه." والدراسات المعاصرة أثبتت أن الوراثة تحدد سمات الشخصية إلى حد بعيد ورسولنا أكد على دور الوراثة في سمات الشخصية قبل علماء عصرنا بقرون لأن الذي علمه ذلك هو الخبير العليم.

 

إن النفس المؤمنة نفس تتمتع بالسكينة والاستقرار، فلا تهتاج إلا للأمر العظيم، وهي مطمئنة على قدرها ومكانتها عند الله، فلا تشعر بالتهديد لهذا القدر لأتفه الأسباب، كما يحدث لمن يستمد قيمته من نظرة الناس إليه لا من رضا الله عليه.

 

قال أنس -رضي الله عنه-: "كُنْتُ أمْشِي مع رَسولِ اللَّهِ ﷺ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ برِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قالَ أنَسٌ: فَنَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ ﷺ، وقدْ أثَّرَتْ بهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أمَرَ له بعَطَاءٍ." (متفق عليه).

 

إن الأخلاق الحسنة، والتعود على التعامل مع الآخرين باللين والرحمة والرفق  تترك أثرها في النفس، حيث تمتلئ النفس طمأنينة وسكينة، فالذي لا يكظم غيظه، بل يثور ويغضب، لا يمكن له أن يحافظ على حسن خلقه، ولا بد له في ثورة غضبه من أن يكون عنيفاً، وقد يظلم ويرد الإساءة بأكثر منها.

 

لذا كان الحث في الإسلام على الرفق واللين.

 

قال النبي محمد ﷺ: "...إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأمْرِ كُلِّهِ..." (متفق عليه).

 

وقال أيضاً: "...إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ، وما لا يُعْطِي علَى ما سِواهُ.(رواه مسلم).

 

وقال ﷺ: "إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ...(رواه مسلم).

 

وقال أيضاً: "مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ.(رواه مسلم).

 

وقد علمنا النبي محمد ﷺ طرقاً لتهدئة غضبنا إذا عجزنا عن كظم غيظنا، وهي طرق سلوكية سبقت العلاج النفسي الحديث بأربعة عشر قرناً من الزمان، فقد وجد علم النفس الحديث أن حالة الإنسان الانفعالية تتأثر بحالة جسده من حيث وضعيته، والتعبيرات التي على وجهه، وغير ذلك، فالانفعال النفسي يؤدي إلى تغيير في تعبيرات الوجه، ووضعية الجسم، ثم إن إحساس الإنسان بهذه التغييرات يزيد من الانفعال النفسي الذي ولدها في البداية، وهكذا يقوم الانفعال بتضخيم ذاته حتى يصبح شعوراً قوياً محركاً للإنسان.

 

وانفعال الغيظ وما يولده من تعبيرات الغضب على الوجه والجسم، ومن استنفار الجسم، وتهيئه للهجوم على الخصم، يزداد بدوره، ويتعاظم نتيجة إدراك الإنسان وإحساسه بحالة تعبيرات وجهه، والتبدلات الغضبية الأخرى في جسمه، وبالتالي فإن أي معاكسة لهذه التغييرات الغضبية في الجسم، وأي اتخاذ لأوضاع متناقضة معها يرسل إيحاءاته إلى النفس، فتعاكس الغيظ والثورة التي فيها، ويهدأ غضب الإنسان.

 

قال ﷺ: "...وإذا غضبَ أحدكُم فليسكُت(رواه أحمد).

 

وقال أيضاً: "إذا غضب أحدُكم وهو قائمٌ فلْيَجْلِسْ ، فإن ذهب عنه الغضبُ وإلا فليضطجِعْ.(رواه أبو داود).

 

وقال ﷺ: "إنَّ الغضبَ منَ الشيطانِ وإنَّ الشيطانَ خُلِقَ منَ النارِ وإنما تُطْفَأُ النارُ بالماءِ فإذا غَضِبَ أحدُكُم فلْيَتَوَضَأْ.(رواه أبو داود) .

 

وقد "اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النبيِّ ﷺ، فَجَعَلَ أَحَدُهُما تَحْمَرُّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إنِّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لو قالَهَا لَذَهَبَ عنْه الذي يَجِدُ: أَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ..." (متفق عليه).

 

لقد جعل الله سبحانه وتعالى للخلق الحسن والصبر والرفق واللين جائزة فورية للمؤمن، وهي سكينة تملأ نفسه، وطمأنينة تملأ قلبه، وعافية في النفس والبدن تزين حياته.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة