المقالات
تبادل المنافع
Whatsapp
Facebook Share

تبادل المنافع

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

الأصل في العلاقة الزوجية أنها علاقة يتبادل فيها الطرفان المنافع، ويقدم كل منهما للأخر أشياء يحبها ويرغب فيها.. فعلى سبيل المثال: تقدم المرأة الجمال والأطفال، ويقدم الرجل الحماية والنفقات، لكن هذه العملية التبادلية التي تشبه في جوهرها عملية تجارية لا تتم في المجتمعات الراقية مجردة عن مشاعر الحب المتبادل.. وقد أكد ديننا على أهمية المودة والرحمة بين الزوجين، وفي هذا القرن صار للحب مكانة عظيمة في المجتمعات الأوربية والأمريكية، وصاروا لا يحبذون الزواج الذي لا يقوم على الحب.

 

وعندما يقوم الزواج على الحب، فإن الحب المتبادل يضمن أن كلاً من الطرفين يحصل من هذا الزواج على ما يرضيه، لأن الحب لا يكون دون إعجاب، والإعجاب يعني أن في المحبوب ما يرغب فيه المحب من صفات.

 

لكن الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة وجدت أن الرجل يميل أكثر من المرأة إلى أن يقرر الزواج من امرأة معينة على أساس حبه لها وإعجابه بها أكثر من العوامل الأخرى مثل حسبها ونسبها وغناها.. وبالمقابل تميل المرأة إلى الموافقة على الزواج من رجل معين على أساس حبه لها بالدرجة الأولى أكثر من حبها له، وتفسير ذلك أن المرأة تميل إلى الارتباط برجل تطمئن إلى تعلقه بها وإلى ديمومة العلاقة معه لأن ذلك فيه ضمان أكبر للمستقبل بالنسبة لها، حيث تعتمد الزوجة عادة على زوجها في تأمين مستلزمات الحياة. وما وجدته هذه الدراسات ينقض الاعتقاد أن المرأة تنساق وراء عاطفتها أكثر وأن الرجل عقلاني أكثر، بل العكس هو الصحيح في عملية اختيار الزوج، وبالطبع هنالك حالات تشذ عن هذه القاعدة العامة.

 

ولما كان الرجل يعطي الأولوية لمشاعره هو تجاه المرأة عندما يريد أن يتزوج، والمرأة أيضا تعطي الأولوية لمشاعره هو عندما تقبل به، فإننا قد نجد زيجات يكون فيها الرجل محباً ومعجباً بالمرأة أكثر بكثير مما تكون هي محبة ومعجبة بالرجل.

 

وعندما لا يتحقق التكافؤ بين الزوج والزوجة، كأن تكون الزوجة أكثر جمالاً من الزوج أو أكثر شباباً أو أعلى مكانة في المجتمع، فإن هذا سيجعل الزوج مستعدا للعطاء الزائد مما لديه من مال أو للتنازل عن بعض حقوقه في قيادة الأسرة مثلا أوغير ذلك. فإن صادف ذلك ميلاً لدى المرأة إلى استغلال الآخرين دون رحمة أدى ذلك إلى وقوع الظلم على الزوج، وقد يكون الموقف معكوساً، فيستغل الزوج تفوقه على زوجته، ومن القصص المتكررة أن يعيش زوج شاب فاسد على حساب زوجته الغنية التي تكبره بالعمر مستغلاً حرصها عليه، أو حتى يجبرها على إعطائه جزءاً كبيراً من أموالها لمجرد أنه مستمر معها في حياتهما الزوجية.

 

ومع أن الطبيعي أن يميل الطرف الذي لديه ميزات شخصية أقل إلى تعويض الطرف المتفوق، فإن قيام المتفوق باستغلال ذلك باسم الحب أو بدون اسم، إنما ينبع من مشكلة خلقية بالدرجة الأولى.

 

لكن قد يقع الظلم من زوج قاس على زوجة لا عيب فيها، فتصبر وتسكت، وهذا لا يكون بسبب الحب الزائد لديها، إنما هو سوء خلق من الزوج وضعف واعتمادية من الزوجة، وقد يساهم المجتمع في ذلك عندما تكون فرص الزواج للمطلقة محدودة جداً؛ والاعتمادية هنا تشبه تعلق طفل بأم قاسية تؤذيه كل يوم، لكنه لا يتخيل الحياة دونها، وهذا يختلف عن الحب، إذ الإساءة تضعف الحب دون أن تؤثر على الاعتمادية، وإن كانت المرأة المظلومة تميل أحياناً إلى تبرير تحملها للإيذاء والإهانة أو الاستغلال على أنه نتيجة لحبها لزوجها، وهذا من قبيل خداع الذات في الغالب، وقد يكون تحملها في حالات نادرة من قبيل الرغبة في تعذيب الذات بسبب عقدة ذنب مسيطرة، وبالطبع علينا ألاّ ننسى أنه قد تنعكس الصورة ويكون الزوج هو الضعيف المعتمد وتكون الزوجة هي الظالمة المستغلة.

 

وعلى العموم فالظالم غالباً لديه مشكلة خلقية والساكت على الظلم يشعر بالضعف والاعتمادية، والحب بريء من ذلك، وإن كان الحب يساعد على المغفرة عن إساءات المحبوب لكن إن اشتدت الإساءات فإن الحب يضعف أو يختفي.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة