المقالات
الاختيار بين الزوجين
Whatsapp
Facebook Share

الاختيار بين الزوجين

بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


 

لقد بينت الدِّراسات النّفسيّة الحديثة على أهميّة اشتراك الزّوجين بأكبر قدر ممكن من النّاحية الثّقافيّة والدّينيّة والميول والهوايات والطّموحات والنّظرة إلى الحياة وطرق التّربية وإلى الحياة الزّوجيّة وغير ذلك، حتّى يكون الزّواج ناجحاً ومُرضيّاً للطّرفين.

 

ثمّ إنّه حتّى يُولَد الحبّ بين الزّوجين ويبقى لا بدّ من أن ينال كلّ منهما إعجاب الآخر، وأن يخلوَ ما أمكن ممّا يُنَفِّر الآخر من صفّات في شكله أو طباعه أو مواقفه من شؤون الحياة.

 

لذا فإنّ زواج اثنين دون أن يرى أحدهما الآخر، أو بعد أن يرى كلّ منهما الآخر للحظاتٍ لا يُتاح لهما فيها التّحدّث والتّعارف الجيِّد، سيكون هذا الزّواج معرّضاً لخطر الإخفاق والتّعثُّر.

 

أمّا ما يُقال من أنّ مثل هذا الزّواج كان يتمّ على نطاق واسعٍ زمن أجدادنا وجداتنا وكان على ما يبدو ناجحاً، فإنّ ذلك قد يكون صحيحاً، لكن لا بدّ من ملاحظة أنّنا لسنا كأجدادنا وجداتنا، وأنّ الزّواج بالنّسبة لنا ليس كما كان الزّواج بالنّسبة لهم، وأنّ اشتراط الحبّ بين الزّوجين والتّأكّيد عليه من أجل زواج ناجح لم يكن لدى الأجداد والجدّات بنفس القدر من الأهميّة.

 

كان الشّاب والفتاة يرضى كلّ منهما باختيار أهله له، ويأتي ليلة الزّفاف ربّما لا يشعر بالقلق إلّا من حيث خوفه أن لا يكون شريك العمر جميلاً بما فيه الكفاية، وهو على كلّ حالٍ ما كان يبحث عن ملكة الجمال، إذ كانت هنالك اعتبارات كثيرة تدخُل في قرار اختيار الزّوج والزّوجة، منها النّاحية الاقتصاديّة ومدى غنى كلّ منهما، ومنها العُمر، وأهمّها رضا أمّ الزّوج بالفتاة.

 

كان كلّ من الشّاب والفتاة ينظر إلى الآخر على أنّه قدره وقسمته ونصيبه، وبالتّالي كان لديه دافع نفسي كبير لأن يراه صالحاً ولأن يغضّ الطّرف عن عيوبه؛ إنّه كالأمّ الّتي رُزِقَت طفلاً، فإنّها لن تنظر إليه نظرة متفحصّة كما لو كانت تنتقيه من دكّان، إنّما هو ابنها ولا أمل في غيره، ولا بدّ لها من أن ترضى به وترى حسناته وتتغافل عن عيوبه.

 

في تلك الأيّام لم تكن النّظرة الرّومانسيّة في الحبّ مطروحة كشرط للزّواج النّاجح، ولم يكن الرّجل يبحث عن رفيقة العمر الّتي تشاركه همومه وأفراحه، فقد كان لكلٍّ من الجنسين حياته، إنّما كان الرّجل يبحث عن امرأة تساعد أمّه في خدمة البيت وتنجب له الأطفال وتسدّ حاجته الجنسيّة، وواضح أنّ أيّ فتاة مهذبّة ليس فيها عاهة مُنَفِّرة ستصلُح لهذه الغاية، ومن حيث التّشابه المطلوب نفسيّاً فقد كان قائماً إلى حدٍّ كبيرٍ، إذ كان الجميع توحدهم ثقافة بسيطة واحدة سائدة، ولم يكن الحال كأيّامنا حيث تعقّدت الثّقافة والميول والاتّجاهات وتنوّعت بحيث صار لا بدّ من بحث المثيل عن مثيله والشّبيه عن شبيهه حتّى ينجح الزّواج.

 

ثمّ إنّ النّزعة الفرديّة في حياتنا المعاصرة بما أعطت كلّاً منّا من حريّة تقرير مصيره في الحياة، جعلتنا نحسّ بقدرٍ كبيرٍ من الوحدة والعزلة والضّعف، ممّا جعل للحياة الزّوجيّة النّاجحة قدراً أعظم من الأهميّة، إذ أصبحت الزّوجة وأصبح الزّوج رفيق العمر بكلّ معنى الكلمة، وبالتّالي صار لا بدّ من الانتقاء بحيث يكون هنالك أكبر قدر من الاعجاب والتّجانس من أجل أن يتكوّن الحبّ بينهما ويدوم أمام ضغوطات الحياة المعاصرة، وصار للإعجاب أهميّة أكبر بعد أن صار كلّ من الزّوجين يطّلع على نماذج من الجنس الآخر من خلال التّلفزيون والعمل والأسواق.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد


تعليقك هنا
* الاسم الكامل
* البريد الإلكتروني
* تعليقك
 

حقوق النشر © 2017 جميع الحقوق محفوظة