- الرئيسية
- مقالات
- نساء ورجال
- دموع المرأة
دموع المرأة
دموع المرأة
للدّموع عند المرأة والرّجل وظيفةٌ حيّويّةٌ هامّةٌ، إذ يسيلُ القليل منها باستمرارٍ دون أن نحسَّ به ليغسلَ عيوننا ممّا يَعلَق بها مع غبارٍ وغيره، لكن هذه الدّموع ذاتها إن هي انبجست غزيرةً وفاضت بها عيوننا وتبلَّلت بها وجناتنا فإنّها تغسِل أنفسنا من بعض أدرانها وآلامها. ولا عجبَ أن وَجَدَ العلماء أنّ دموع الحزين تحتوي على مقاديرَ كبيرةٍ من "المورفينات الدّاخليّة" الّتي خلقها الله في أدمغتنا لتُسكِّن آلامنا الجسديّة والنّفسيّة، ولتُحسِّن مزاجنا وتُعطينا شيئاً من الرّاحة والانشراح، ولا عجبَ كذلك أن يحسَّ المكتئب والحزين بالارتياح بعد نوبة بكاءٍ تسيل فيها دموعه غزيرةً وفيرةً.
لكن دموعنا عندما تسيلُ في مواقف الكرب والشِّدّة والأزمة فإنّها تنبع من إحساسنا بضعفنا البشريّ وتُعبِّر أيضاً عن هذا الضّعف. لذا تسيل دموعنا رحمةً وشفقةً على واحدٍ منّا تبدّى ضعفه الإنساني في مرضٍ شديدٍ أو موتٍ مبكِّرٍ فنبكي ممّا تفيض به قلوبنا من إحساسٍ بالرّحمة تجاهه، ومن إحساسنا بضعفنا نحن، الّذي تذكَّرناه ونحن نرى معاناته. والرّحمة والعِداء شعوران متناقضان لا يجتمعان، لذا فإنَّه ما من أحدٍ يبكي على مُصابٍ عدوّه... وكما تنبع الدّموع من فيضِ الرّحمةِ فإنّ الله جعلها قادرةً على إثارة الشّعور بالرحمةِ لدى من يراها، إذ هي رسالةٌ إلى الآخرين يُعبِّر فيها الإنسان عن احتياجه إليهم وإلى مساعدتهم وَعطفهم وحنانهم.
إنّ البكاء والدّموع يُشكِّلان الأبجديّة للّغة الإنسانيّة الأولى الّتي نطق بها جميعنا عندما كنّا أطفالاً صغاراً ضعفاء، لقد حرّكت دموعنا مشاعرَ أُمهاتنا وآبائنا، وأيقظت رحمتهم لنا فجعلتهم يفعلون كلّ ما يستطيعون كي تجفَّ دموعنا وتهدأ أنفسنا...
إنّ الدّموعَ عباراتٌ نتواصل بها، ومثل كلِّ العبارات منها ما هو صادقٌ ومنها ما هو كاذبٌ، وعلماء النّفس يصنِّفونها بين وسائل "التّواصل غير اللّفظي"، إذ ليست الكلمات هي وسيلتنا الوحيدة لإبلاغ ما في أنفسنا إلى الآخرين، بل هنالك الإشارات والحركات وتعبيرات الوجه والابتسامات ووضعيّة الجسم ونبرة الصّوت ومنها الدّموع.
إنّ دموع المرأة رسالةٌ تبعث بها إلى رَجُلِّها تُعبِّر عن حاجتها إلى حنانه ومساندته، والتّعبير عن الاحتياج تعبيرٌ عن الضّعف، لذا كانت جميع المجتمعات تقريباً لا تُشجِّع الطّفل الذّكر على اللّجوء إلى البكاء عند كلِّ موقفٍ يَشعُر فيه بالضّعف، بل توبِّخهه وتقول له إنّ الرَّجل لا يبكي وتملأ رأسه بوهمِ القدرة الشّاملة والصّلابة الّتي لا تلين لمجرَّد أنّه رجل، وتحرمه من هذه الوسيلة الرّائعة للتّعبير عن ضعفه البشري عندما يشتدُّ إحساسه بهذا الضّعف في أزمةٍ من أزمات الحياة، أو حين يستدعي الموقف تعبيره عن مشاعر الرّحمة الّتي يحسُّ بها تجاه إنسانٍ آخر، وهذا يجعل الرّجل ميّالاً إلى ازدراء الدّموع وكراهيّتها لأنّه تعلَّم ألّا يعترف بضعفه البشري، بل أن يُكابر ويتظاهر بما ليس من طبيعته كبشر...
وبالطّبع فليس المطلوب أن يبكي الرِّجال عند كلِّ أزمةٍ، لكن المطلوب أن تتغيَّر النّظرة إلى البكاء والدّموع لنعلم أنّ الرّجل يبكي أحياناً دون أن يحطَّ ذلك من قدره، وأنّ بكاء المرأة لا يستدعي ازدراءها واحتقار ضَعفِها البشري، فكلّنا بشرٌ رجالاً كنّا أو نساءً، وكلّنا في الهوى سواء.
ورغم أنّ دموع المرأة قد تُثير في نفس الرّجل شيئاً من الازدراء فهي في الوقت ذاته تمنحه إحساساً بالتّفوّق النّسبي مُقارنةً بضعف امرأته، وتجعل هذه المرأة أقلّ تهديداً له ومنافسةً من النّاحية النّفسيّة، وهذا يجعله ميَّالاً إلى أن يرحمها ويندفع محاولاً تخفيف آلامها وأحزانها، لكن الوضع الأمثل هو أن لا يحيجَ الرّجل امرأته إلى اللّجوء إلى الدّموع، بل أن يكفيه أن تُعبِّر هذه الحبيبة عن شكواها بالكلمات ليَبذلَ ما يستطيع من أجل إسعاد من يحبّ....
أمّا دموع التّماسيح الّتي تلجأ إليها بعض النّساء للتّلاعب بمشاعر الرّجل الطَّيِّبة واستغلال عواطفه النّبيلة كي تحصل منه على ما تريد فهي نوعٌ من الكَذِب لا يختلف عن كذب اللّسان، إذ كلاهما يعبّر عن الزّيف وعمّا يُناقض الواقع والحقيقة، وكلاهما رذيلةٌ لا يلجأ إليها إلّا الّذي لا يستحي.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
تعليقك هنا